[ ص: 355 ] باب زياد بن الحارث الصدائي على النبي صلى الله عليه وسلم وما روي في قصته من قدوم وما ظهر في البئر التي شكا إليه قلة مائها ببركة دعائه من آثار النبوة خروج الماء من بين أصبعي رسول الله صلى الله عليه وسلم
أخبرنا أبو أحمد الحسين بن علوش بن محمد بن نصر الأسد آبادي، بها، أخبرنا أبو بكر أحمد بن جعفر بن حمدان بن مالك، حدثنا أبو علي بشر بن موسى ، حدثنا عن أبو عبد الرحمن عبد الله بن يزيد المقرئ، عبد الرحمن بن زياد، قال: حدثنا زياد بن نعيم الحضرمي، قال: سمعت زياد بن الحارث الصدائي، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث، قال: الصدائي: وكتبت إليهم كتابا، فقدم وفدهم بإسلامهم، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أخا صداء إنك لمطاع في قومك" ، فقلت: بل الله هداهم للإسلام، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أفلا أؤمرك عليهم؟" فقلت: بلى يا رسول [ ص: 356 ] الله، قال: فكتب لي كتابا أمرني، فقلت: يا رسول الله مرني بشيء من صدقاتهم، قال: "نعم" ، فكتب لي كتابا آخر، قال الصدائي: فكان ذلك في بعض أسفاره.
ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم منزلا فأتاه أهل ذلك المنزل يشكون عاملهم ويقولون: أخذنا بشيء كان بيننا وبين قومه في الجاهلية، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: "أوفعل ذلك؟" فقالوا: نعم، فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه وأنا فيهم فقال: "لا خير في الإمارة لرجل مؤمن" قال الصدائي: فدخل قوله في نفسي، ثم أتاه آخر فقال: يا رسول الله أعطني، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: "من سأل الناس عن ظهر غنى فصداع في الرأس وداء في البطن" ، فقال السائل: فأعطني من الصدقة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله عز وجل لم يرض فيها بحكم نبي ولا غيره في الصدقات حتى حكم هو فيها، فجزأها ثمانية أجزاء، فإن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك أو أعطيناك حقك" قال الصدائي: فدخل ذلك في نفسي أني سألته من الصدقات وأنا غني.
ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتشى من أول الليل فلزمته، وكنت قريبا وكان أصحابه ينقطعون عنه، ويستأخرونه حتى لم يبق معه أحد غيري، فلما كان أوان صلاة الصبح، أمرني فأذنت، فجعلت أقول: أقيم يا رسول الله؟ فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر ناحية المشرق إلى الفجر، فيقول: "لا" حتى إذا طلع الفجر نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فتبرز، ثم انصرف إلي وهو يتلاحق أصحابه فقال: "هل من ماء يا أخا صداء؟" قلت: لا، إلا شيء قليل لا يكفيك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "اجعله في إناء ثم ائتني به" ففعلت فوضع كفه في الماء، قال الصدائي: فرأيت بين [ ص: 357 ] أصبعين من أصابعه عينا تفور، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لولا أني أستحي من ربي عز وجل لسقينا واستقينا، ناد أصحابي، من له حاجة في الماء" ، فناديت فيهم فأخذ من أراد منهم شيئا، ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الصلاة، فأراد بلال أن يقيم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "إن أخا صداء هو أذن فهو يقيم" ، فقال الصدائي: فأقمت الصلاة، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة أتيته بالكتابين، فقلت: يا نبي الله أعفني من هذين، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: "ما بدا لك" ، فقلت: سمعتك يا نبي الله تقول: "لا خير في الإمارة لرجل مؤمن وأنا أؤمن بالله وبرسوله" ، وسمعتك تقول للسائل: "من سأل الناس عن ظهر غنى فهو صداع في الرأس وداء في البطن" ، وسألتك وأنا غني، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: "هو ذاك فإن شئت فاقبل وإن شئت فدع" ، فقلت: أدع، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فدلني على رجل أؤمره عليكم" ، فدللته على رجل من الوفد الذين قدموا عليه، فأمره عليهم.
ثم قلت: يا نبي الله، إن لنا بئرا إذا كان الشتاء وسعنا ماؤها، واجتمعنا عليها، وإذا كان الصيف قل ماؤها فتفرقنا على مياه حولنا، وقد أسلمنا وكل من حولنا لنا عدو، فادع الله لنا في بئرنا أن يسعنا ماؤها فنجتمع عليها ولا نتفرق، فدعا بسبع حصيات فعركهن في يده ودعا فيهن، ثم قال: "اذهبوا بهذه الحصيات فإذا أتيتم البئر فألقوا واحدة واحدة واذكروا اسم الله عز وجل" ، قال الصدائي: ففعلنا ما قال لنا فما استطعنا بعد أن ننظر إلى قعرها يعني البئر ". أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعته على الإسلام فأخبرت أنه بعث جيشا إلى قومي، فقلت: يا رسول الله اردد الجيش وأنا لك بإسلام قومي وطاعتهم، فقال لي: "اذهب فردهم" ، فقلت: يا رسول الله إن راحلتي قد كلت، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا فردهم، قال