الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر اختلاف أهل العلم في هذا الباب

                                                                                                                                                                              واختلفوا في إخراج السلب من جملة الغنيمة فقالت طائفة: يخرج السلب من جملة الغنيمة قبل أن يخمس، هذا قول الشافعي، وأحمد بن حنبل .

                                                                                                                                                                              وفيه قول ثان: وهو أن الأسلاب إذا كثرت تخمس، فعل ذلك عمر بن الخطاب .

                                                                                                                                                                              6097 - حدثنا علي بن الحسن قال: حدثنا عبد الله، عن سفيان، عن هشام، عن محمد بن سيرين، عن أنس ; أن البراء بن مالك بارز مرزبان الزارة فقتله فبلغ سلبه سواريه ومنطقته ثلاثين ألفا، فقال عمر بن الخطاب: إنا كنا لا نخمس الأسلاب ولكن سلب مرزبان مال، فكثره وخمسه . [ ص: 111 ]

                                                                                                                                                                              وكان إسحاق بن راهويه يقول: ذلك إلى الإمام إن استكثره فله أن يفعل ما فعل عمر بن الخطاب .

                                                                                                                                                                              6098 - وحدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا أبو النضر قال: حدثنا الأشجعي قال: حدثنا سفيان، عن الأوزاعي، عن الزهري، عن القاسم بن محمد، عن ابن عباس قال: السلب من النفل، والنفل فيه الخمس .

                                                                                                                                                                              وكان مكحول يقول: "السلب مضمن وفيه الخمس" ، وقال الأوزاعي : بلغنا أن عمر بن الخطاب أمر بخمس السلب .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر:

                                                                                                                                                                              وبالقول الأول أقول للأخبار التي ذكرناها عن النبي صلى الله عليه وسلم، وفي حديث عمر حجة لمن قال: إن السلب من جملة الغنيمة، ألا تراه يقول: كنا لا نخمس الأسلاب، وقال قائل: إن عمر إنما فعل ذلك برضى البراء، ولو كان على ما توهم بعض الناس أن عمر تأول قوله: ( واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه ) الآية، لكان أربعة أخماس السلب للجيش غنيمة بينهم، ويكون البراء كأحدهم، ولكن معناه ما قلنا، والله أعلم .

                                                                                                                                                                              وقالت طائفة: في النفل لا يكون إلا بعد الخمس . [ ص: 112 ]

                                                                                                                                                                              6099 - حدثنا عبد الله بن الوليد، عن سفيان، عن عبد الله بن عون وغيره، عن محمد بن سيرين، عن أنس بن مالك ; أن أميرا من الأمراء أراد أن ينفله من المغنم، قال: أخمسته؟ قال: لا. فأبى أن يقبل منه حتى خمسه .

                                                                                                                                                                              وقال سليمان بن موسى : لا نفل حتى يقسم الخمس، وقد روينا عن رجاء بن حيوة، وعبادة بن نسي، وعدي بن عدي، ومكحول، والقاسم بن عبد الرحمن، ويزيد بن أبي مالك، ويحيى بن جابر أنهم قالوا: الخمس من جملة الغنيمة، والنفل من بعد الخمس، ثم الغنيمة بين أهل العسكر بعد ذلك، وكان الأوزاعي يقول في مسائل: ينفل الإمام بعد الخمس .

                                                                                                                                                                              وقال أحمد بن حنبل، وإسحاق : يخرج الخمس ثم ينفل فيما بقي ولا يجاوز هذا، يبعث الإمام سرية فيقول: ما أصبتم فلكم الربع أو الثلث بعد الخمس، وقال أحمد : إنما يكون النفل في الأربعة الأخماس ولا يكون في الخمس الذي يعزل ثم قال: هذا خلاف قول مالك، وقول سفيان هم يقولون: النفل من جميع الغنيمة وهذا يضر بأهل الخمس نفل رسول الله صلى الله عليه وسلم الثلث بعد الخمس، والربع بعد الخمس، الحديث الذي يرويه أهل الشام . [ ص: 113 ]

                                                                                                                                                                              وقال أبو عبيد : والناس اليوم في المغنم على هذا أنه لا نفل من جملة الغنيمة حتى يخمس، وإنما جاز أن يعطى الأدلاء والرعاة من صلب الغنيمة قبل الخمس لحاجة أهل العسكر إلى هذين الصنفين فصار نفلهما عاما عليهم، فهو [من] جميع المال، وأما ما سوى ذلك فما نعلم أحدا نفل من نفس الغنيمة قبل الخمس إلا ما خص الله به نبيه صلى الله عليه وسلم فإنه قد [روي] عنه في ذلك شيء لا يجوز لأحد بعده .

                                                                                                                                                                              6100 - حدثنا علي بن عبد العزيز، عن أبي عبيد، حدثني عبد الرحمن بن مهدي، عن عكرمة بن عمار، عن إياس بن سلمة بن الأكوع، عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاه سهم الفارس والراجل، وهو على رجليه، (وكان) استنقذ لقاح النبي صلى الله عليه وسلم وقال: "خير فرساننا أبو قتادة، وخير رجالتنا سلمة" .

                                                                                                                                                                              وقال عبد الرحمن : قال سفيان : هذا خاص لرسول الله صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                              6101 - حدثني علي، عن أبي عبيد قال: حدثنا إسماعيل بن جعفر، عن حميد، عن أنس بن مالك قال: قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم غنائم حنين فأعطى الأقرع بن حابس مائة من الإبل، وأعطى عيينة بن حصن [ ص: 114 ] مائة من الإبل، فبلغ ذلك الأنصار... فذكر عنهم في ذلك كلاما فيه طول .

                                                                                                                                                                              قال أبو عبيد : " لهذا الحديث عندي وجهان أحدهما: أن يكون فعله ذلك له خاصا من جميع الغنيمة، أو تكون تلك العطية كانت من الخمس، هذا أولى الأمرين به عندي، وذكر حديث أنس الذي ذكرناه أن أميرا من الأمراء أراد أن ينفله من المغنم .

                                                                                                                                                                              وقالت طائفة: إن شاء الأمير نفلهم قبل الخمس، وإن شاء بعد الخمس، هكذا قول النخعي .

                                                                                                                                                                              وقالت طائفة: لا تكون الأنفال إلا في خمس الخمس كذلك قال سعيد بن المسيب، قال مالك : وذلك رأي أن النفل من الخمس .

                                                                                                                                                                              وقالت طائفة: لا تكون الأنفال إلا في أول المغنم، روينا هذا القول عن رجاء بن حيوة، و[عبادة] بن نسي، وعدي بن عدي الكندي، ومكحول، وسليمان بن موسى، ويزيد بن يزيد بن جابر، ويحيى بن جابر، والقاسم بن عبد الرحمن، ويزيد بن أبي مالك، والمتوكل بن الليث، وابن عتيبة، [و] المحاربي أنهم يقولون: لا نفل إلا في أول المغنم . [ ص: 115 ]

                                                                                                                                                                              وقالت طائفة: لا نفل في أول شيء يصاب من المغانم، كان الأوزاعي يقول: السنة عندنا أن لا نفل في ذهب، ولا فضة، ولا لؤلؤ، ولا في أول غنيمة، ولا سلب في يوم هزيمة ولا فتح، وقال سليمان بن موسى: لا نفل في أول شيء يصاب من المغانم، وقد روينا عن مالك بن عبد الله الخثعمي أنه كره أن ينفل في أول مغنم، وقيل لأحمد بن حنبل : لا نفل في أول شيء يصاب من المغانم؟ قال: هذا لا أعرفه، النفل يكون في كل شيء، قال إسحاق كما قال. وسئل مالك عن النفل في أول المغنم قال: ذلك على وجه الاجتهاد من الإمام، ليس في ذلك أمر موقوف يعني عليه، وليس بشيء ثابت، وسئل مالك: هل ينفل بأكثر من الثلث؟ قال: ليس في ذلك وقت، إنما ذلك على وجه الاجتهاد، وقال الحسن البصري : ما نفل الإمام فهو جائز .

                                                                                                                                                                              وقالت طائفة: لا نفل في العين المعلوم الذهب والفضة كذلك قال سليمان بن موسى، والأوزاعي، وإسحاق، وسعيد بن عبد العزيز، وعبد الرحمن بن يزيد بن جابر، وروي ذلك عن مكحول، ورجاء بن حيوة، وعدي بن عدي، وعبادة بن نسي، وقال عطاء الخراساني : سمعت أهل الشام يقولون: لا نفل في ذهب ولا فضة .

                                                                                                                                                                              6102 - حدثنا محمد بن علي قال: حدثنا سعيد بن منصور قال: حدثنا أبو معاوية، حدثنا ( أبو) إسحاق الشيباني، عن محمد بن [ ص: 116 ] [عبيد الله] الثقفي، عن سعد بن أبي وقاص قال: لما كان يوم بدر قتلت سعيد بن العاص وأخذت سيفه، وكان يسمى ذا الكتيفة، فجئت به إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد قتل أخي (عتبة) قبل ذلك، فقال لي رسول الله: "اذهب فاطرحه في القبض" قال: فرجعت وبي ما لا يعلمه إلا الله من قتل أخي، وأخذ سلبي، فما جاوزت إلا قريبا حتى نزلت سورة الأنفال، قال: فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي: "اذهب فخذ سيفك" .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: يقال: إن محمد بن عبيد الله لم يلق سعدا، والمرسل لا يجوز الاحتجاج به، وقد احتج بعض من أباح النفل لغير السرايا بحديث عمر بن الخطاب، قال: إنما يكون ذلك بعد الخمس . [ ص: 117 ]

                                                                                                                                                                              6103 - حدثنا محمد بن علي، حدثنا سعيد بن منصور، حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن هشام بن عروة، عن أبيه قال: قالت عائشة : يابن أختي نفل عمر بن الخطاب أخي عبد الرحمن بن أبي بكر ليلى - وكانت من سبي دمشق - ، فرأيتها عندي ما أعدلها قيمة من جمالها وفضلها وحسنها .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: واحتج هذا القائل في إباحة النفل لغير السرايا بخبر معن .

                                                                                                                                                                              6104 - حدثنا محمد بن زكريا الجوهري، حدثنا محمد بن عبيد، قال: حدثنا أبو عوانة، عن عاصم بن كليب قال: حدثني أبو الجويرية قال: أصبت جرة حمراء في إمارة معاوية في أرض العدو، وعلينا رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من بني سليم يقال له معن بن يزيد، فأتيته بها فقسمها بين الناس، فأعطاني مثل ما أعطى رجلا منهم، ثم قال: لولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأيته يفعل، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا نفل إلا من بعد الخمس، إذا لأعطيتك". ثم أخذ يعرض علي من نصيبه فأبيت فقلت: ما أنا بأحق به منك .

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية