الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر مصالحة الإمام أهل الشرك على مال يقبضه منهم في كل عام أو على مال يعطيهم، وما يجوز من ذلك وما لا يجوز

                                                                                                                                                                              قال الشافعي : وإذا ضعف المسلمون عن قتال المشركين، أو طائفة منهم، جاز لهم الكف عنهم، ومهادنتهم على غير شيء يأخذونه من المشركين، ولا خير في أن يعطيهم المسلمون شيئا بحال، على أن يكفوا عنهم; لأن القتل للمسلمين شهادة، وأن الإسلام أعز من أن يعطي مشرك على أن يكف عنه، إلا في حال واحد، وأخرى أكثر منها، وذلك أن يلتحم (فرق) من المسلمين فيخافون أن يصطلموا; لكثرة العدو وقلتهم، أو خلة فيهم، فلا بأس أن يعطوا في تلك الحال شيئا من أموالهم، على أن يخلصوا من المشركين; لأنه من معاني الضرورات يجوز فيها ما لا يجوز في غيرها، أو يؤسر مسلم، فلا يخلى إلا بفدية، فلا بأس; لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم (فدى) رجلا من أصحابه أسره العدو برجلين .

                                                                                                                                                                              6293 - أخبرنا الثقفي، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أبي المهلب، عن عمران بن الحصين، أن النبي صلى الله عليه وسلم فدى رجلا برجلين . [ ص: 358 ]

                                                                                                                                                                              وسئل الأوزاعي، عن موادعة إمام المسلمين أهل الحرب، على فدية أو هدية، يؤديها المسلمون إليهم، قال: لا يصلح ذلك إلا عن ضرورة، وشغل من المسلمين عن حربهم عن قتال عدوهم، أو فتنة شملت المسلمين، فإذا كان ذلك فلا بأس .

                                                                                                                                                                              وقال أبو عمرو : لا بأس أن يصالحهم على عدة سبي يؤدونهم إلى المسلمين، فقيل له: فإن كانت تلك الرؤوس والفدية والسبي من أبنائهم، وأحرارهم يبعث به ملكهم إليه؟ قال: لا بأس به، ولا يضره من أحرارهم كان ذلك أو من غيرهم، إذا كان ذلك الصلح ليس بصلح ذمة وخراج، يقاتل من وراءهم، وتجري عليهم أحكام المسلمين، فلا بأس به .

                                                                                                                                                                              وقال أحمد : في أهل المدينة يصالحون أهل الإسلام على ألف رأس كل سنة، فكان يسبي بعضهم بعضا، ويؤدونه، قال: لا بأس به، يجيء به من حيث شاء، وكذلك قال إسحاق .

                                                                                                                                                                              وقال النعمان : إن صالحوهم على أن يؤدوا إليهم مائة رأس كل سنة، فكانت هذه المائة يؤدونها من أبنائهم، فلا خير في الصلح على هذا، ولا ينبغي للمسلمين أن يقبلوا من ذراريهم أحدا; لأن الصلح وقع عليهم وعلى ذراريهم . [ ص: 359 ]

                                                                                                                                                                              وقال الأوزاعي : في أهل حصن من المسلمين، نزل به العدو، فخاف المسلمون أن لا يكون لهم به طاقة، ألهم أن يصالحوهم، على أن يدفعوا إليهم سلاحهم، وأموالهم، وكراعهم، على أن يرتحلوا عنهم؟، فقال: لا بأس بذلك، فقيل: أرأيت إن علموا أن لا طاقة لهم بهم، وسألهم العدو أن ينزلوا على حكمهم، ولم يقبلوا منهم إلا ذلك، قال: فلا ينزلوا على حكمهم، وليقاتلوهم حتى يموتوا .

                                                                                                                                                                              وقال النعمان : في القوم من أهل الحرب، إن أرادوا مصالحة المسلمين، على أن يؤدوا إليهم - أهل الحرب - كل سنة شيئا معلوما، على أن لا يدخل المسلمون بلادهم، ولا يجوز عليهم أحكامهم، أينبغي للمسلمين أن يصالحوهم على ذاك؟ قال: لا، إلا أن يكون ذلك خيرا للمسلمين .

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية