الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر الواقع على جارية من السبي

                                                                                                                                                                              واختلفوا في الرجل من الجيش يقع على جارية من السبي .

                                                                                                                                                                              فقالت طائفة: عليه الحد. هذا قول مالك ، وكان أبو ثور يقول: إن كان عالما بأن هذا لا يحل حد .

                                                                                                                                                                              وقال الأوزاعي : كان من سلف من علمائنا يقيمون عليه أدنى الحدين مائة جلدة، وتقوم هي فيكون من الذي وطئها ويلحق به ولده، بذلك مضى قول أهل العلم فيه. وقال الأوزاعي : يجلد مائة ويغرم العقر إن كانت بكرا، وإن كانت ثيبا لم يكن عليه عقر، وإن [ ص: 412 ] حملت غرم قيمتها وصارت له ولا عقر عليه، ويلحق به الولد .

                                                                                                                                                                              وقال النعمان في الرجل يقع على الجارية من الغنيمة: أنه يدرأ عنه الحد ويؤخذ منه العقر والجارية وولدها في الغنيمة ولا تثبت نسبة الولد .

                                                                                                                                                                              وكان الشافعي يقول: إن لم تحمل أخذ منه عقرها وردت في المغنم، وإن كان من أهل الجهالة نهي، وإن كان من أهل العلم عزر، ولا حد من قبل الشبهة في أنه يملك منها شيئا، وإن أحصي المغنم فعرف كم قدر ملكه منها مع جماعة أهل المغنم وقع عنه من المهر بحصته، فإن حبلت فهكذا وتقوم عليه وتكون أم ولد له .

                                                                                                                                                                              مسائل من هذا الباب:

                                                                                                                                                                              واختلفوا في العبد يسرق من الغنيمة ومولاه في ذلك الجيش. فقال النعمان : لا قطع عليه، وكذلك قال في الرجل يسرق من الغنيمة، وقد كان أبوه في ذلك الجند أو أخوه أو ذو رحم، أو امرأة سرقت من ذلك وزوجها في الجند لا يقطع واحد من هؤلاء .

                                                                                                                                                                              وقال الأوزاعي : يقطعون ولا يبطل الحد عنهم .

                                                                                                                                                                              وكان الشافعي يقول: إن كان السارق من هؤلاء شهد المغنم ما يقطع؛ [لأنه] شريك ، ولا يقطع ابن الرجل وأبوه فيما سرق من مال أبيه وابنه. وهو شريك فيه، وأما المرأة يحضر زوجها الغنيمة [ ص: 413 ] والأخ وغيره، وكل هؤلاء سراق؛ لأن كل واحد من هؤلاء لو سرق من صاحبه شيئا لم يأمنه عليه قطعته .

                                                                                                                                                                              6347 - حدثنا إسحاق ، عن عبد الرزاق ، عن جعفر ، عن أبي عمران الجوني قال: سألت جندب بن عبد الله : هل كنتم تسخرون العجم؟ قال: كنا نسخرهم من قرية إلى قرية يدلونا على الطريق ثم نخليهم .

                                                                                                                                                                              وقال أحمد بن حنبل : إذا اضطروا إليه لا يجدون بدا يتسخرون العلج. قال إسحاق : كما قال .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : العلج الذي يتسخر إما أن يكون ذميا، فإن كان ذميا فأعانهم بطيب من نفسه فلا شيء عليهم، وإن أكرهوه فله أجر مثله، وإن كان ممن لا أمان له استعملوه واستعانوا به وألزموه ولا أحسبهم كانوا يتسخرون إلا من لا أمان له. وكان النعمان يقول في رجل من أهل الحرب دخل بأمان ومعه مولاه أعتقه في دار الحرب قال: لا يعتقه ذلك، قال الأوزاعي هما حران (...) كقول الشافعي وكقول الأوزاعي .

                                                                                                                                                                              وكذلك نقول وكان مالك يقول في القوم من العلوج يأتون بأولادهم يبيعونهم وليست بيننا وبينهم ذمة: لا بأس أن يشترى منهم، وكذلك قال الثوري ، وفيه قول ثان: وهو أن ذلك لا يجوز، وإذا [ ص: 414 ] دخل الرجل من أهل الحرب دار الإسلام ومعه أم ولده ومدبرته فأراد بيعهما، ففي قول النعمان : يبيع مدبرته، ولا يبيع أم ولده، وهذا قول الشافعي ، وبه نقول .

                                                                                                                                                                              وقال الأوزاعي : هما سواء، لا فرق بين قوله فيهما، فإن مات في دار الإسلام لا يردهما وليه في الرق .

                                                                                                                                                                              وقال الشافعي في الرجل من أهل الشرك أراد المقام مع المسلمين، فإن كان من أهل الكتاب وأراد المقام قيل: إن أردت المقام فأد الجزية، وإن لم ترد فارجع إلى مأمنك، فإن استنظر فأحب إلي أن لا ينظر إلا أربعة أشهر من قبل أن الله جعل للمشركين أن يسيحوا في الأرض أربعة أشهر، ومن ذلك أن لا يبلغ به الحول، لأن الجزية في حول فلا يقيم في دار الإسلام مقام من يؤدي الجزية ثم لا يؤديها، وإن كان من أهل الأوثان فلا تؤخذ منه الجزية ولا ينظر إلا كإنظار هذا وهو دون الحول، قال الأوزاعي : فلا يترك المستأمن في دار الإسلام إلا أن يسلم أو يؤدي الجزية. أو بإذن الإمام. قال أحمد : إذا أمنه الإمام فهو على أمانه حتى يرده إلى مأمنه. قال إسحاق كما قال الأوزاعي . [ ص: 415 ]

                                                                                                                                                                              واختلفوا في الحربي المستأمن يخلف ودائع في دار الإسلام ويلحق بدار الحرب فيقتل بها فكان الشافعي يقول: دينه وودائعه وما كان له من مال مغنوم عنه لا فرق بين الدين والوديعة، وقال الأوزاعي : يوضع ماله كله في بيت مال المسلمين. وقال أصحاب الرأي: ما أودع فيء المسلمين، وأما الدين فيبطل عن الذي هو عليه ولا يكون فيئا، وما كان عليه من دين لمسلم فيبطل ما عليه من الدين إذا قتل أو أسر .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وإذا مات المستأمن في أرض الإسلام، وخلف مالا قدم به أو أصابه في دار الإسلام وخلف ورثة في دار الحرب فإن كل من أحفظ عنه يقول: إن ماله يرد إلى ورثته غير الأوزاعي ، فإن الأخبار جاءت عنه في ذلك مختلفة .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وإذا أسلم الرجل في دار الحرب وجبت عليه الفرائض كلها إذا صح عنده صفة تلك الفرائض، وقد اختلف فيه فقال قائل كما قلنا، وقال بعض أهل الكوفة: إنما يجب عليه ذلك إذا شهد عنده رجلان عدلان .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وقياس قول أصحابنا أن يجب ذلك بقول ثقة عدل. كما يجب القول بأخبار الآحاد . [ ص: 416 ]

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية