ذكر السبق في النصل
قال : قد ذكرنا فيما مضى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبو بكر ولم يختلف عوام من نحفظ عنه من أهل العلم أن السبق في النصل جائز، "لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر" وللشافعي رحمه الله كتاب في السبق والرمي لا نعلم أحدا سبقه إلى وضعه، فيه كلام حسن ، وقد اختصرت في كتابي هذا جملا منه، يدل ما ذكرته منه على ما لم أذكره إن شاء الله .
قال : والنضال فيما بين الاثنين يسبق أحدهما الآخر، والثالث بينهما المحلل، كهو في الخيل لا يختلفان في الأصل، فيجوز في كل واحد منهما ما يجوز في الآخر، ويرد منهما ما يرد [ ص: 479 ] في الآخر، ثم يتفرعان، فإذا اختلفت عللهما اختلفا، فإذا سبق أحد الرجلين الآخر على أن جعلا بينهما قرعا معلوما: خواسق، أو حواب، فهو جائز، إذا سميا الغرض الذي يرميانه، وجائز أن يتشارطا ذلك محاطة أو مبادرة، فإذا تشارطا محاطة، فكل ما أصاب أحدهما بعدد، وأصاب الآخر بمثله سقط كل واحد من العددين، واستأنفا عددا كأنهما أصابا بعشرة أسهم عشرة، فسقطت العشرة بالعشرة، ولا شيء لواحد منهما على صاحبه، ولا يعتد كل واحد منهما على صاحبه إلا بالفضل من إصابته على إصابة صاحبه، وهذا من حين يبتدئان السبق إلى أن يفرغا منه حتى يخلص لأحدهما فضل العدد الذي شرط، فينضله به، ويستحق سبقه، ويكون ملكا له إن شاء أطعم أصحابه، وإن شاء تموله، ويجوز أن يأخذ به رهنا، أو ضمينا، ولا يجوز السبق في قوله: إلا معلوما، ولو اشترط أن يطعمه كان فاسدا، وقد رأيت من الرماة من يقول: صاحب السبق أولى أن يبدأ، والسبق لهما يبدأ أيهما شاء، ولا يجوز عندي في القياس، إلا أن يتشارطا . [ ص: 480 ] الشافعي
قال : وقد روي عن أبو بكر يحيى بن سعيد أنه قال: إذا سبق الرجل في الرمي: فلا بأس به ما لم يكن جزاء واحدة بواحدة، أو يؤخذ به رهن، أو يلزم به صاحبه .
قال : وإن وقف فالقرع بينهما من عشرين خاسقا، وله فضل تسعة عشر، فأصاب بسهم: وقفنا المفلوج، وأمرنا الآخر بالرمي حتى ينفدا ما في أيديهما في رشقها، فإن حطه المفلوج عليه بطل فلجه. وإن أنفد ما في يده فللآخر في ذلك الرشق عشرون لم يكلف أن يرمي معه، وكان قد فلج عليه، وإن تشارطا أن القرع بينهما حواب كان الحابي قرعة، والخاسق قرعتين، [ويتقايسان] إذا (خطئا) في الوجه معا، وإن كان أحدهما أقرب من صاحبه بسهم فأكثر عدد ذلك عليه، وإن كان أقرب منه بسهم ثم الآخر أقرب منه بأسهم بطلت أسهمه بالسهم الذي هو أقرب، لا يعد القرب لواحد ولا أكثر، وثم واحد أقرب منه، وكذلك لو كان أحدهما أقرب بسهم حسبناه له، والآخر أقرب بخمسة أسهم بعد ذلك السهم لم نحسبها له، وإنما نحسب له الأقرب، فأيهما كان أقرب بواحد حسبناه له، وإن كان أقرب بأكثر، فإن كان أقرب بواحد ثم الآخر بعده أقرب [ ص: 481 ] بواحد، ثم الأول الذي هو أقربهما أقرب بخمسة أسهم، لم يحسب له الخمسة من قبل أن لمناضله سهما أقرب منها، وإن كان أقرب بأسهم، فأصاب صاحبه بطل القرب، لأن المصيب أولى من القريب، ولكن إن أصاب أحدهما وأخلى الآخر، حسب للمصيب صوابه ثم نظر في حوابهما، فإن كان الذي لم يصب أقرب بطل قربه بمصيب مناضله، وإن كان المصيب أقرب، حسب له من نبله ما كان أقرب مع مصيبه، والمبادرة أن يسميا قرعا ثم يحسب لكل واحد منهما صوابه أن يتشارطوا الصواب وحوابه إن تشارطوا الحوب مع الصواب، ثم أيهما سبق إلى ذلك العدد كان له النضل، وإذا تقايسا بالحواب فاستوى حابياهما تباطلا في ذلك الوجه، لأنا إنما نعاد بين كل واحد منهما ما كان أقرب به، وليس واحد منهما بأقرب من صاحبه، وإذا سبق الرجل الرجل على أن يرمي معه، أو سبق رجل بين رجلين فلا يجوز في القياس إلا أن يتشارطا أيهما يبدأ، فإن لم يفعلا اقترعا، وإذا بدأ أحدهما من وجه، والآخر من الوجه الذي يليه، ويرمي البادئ بسهم، ثم الآخر بسهم حتى ينفد نبلهما، وإذا عرق أحدهما فخرج السهم من يده، فلم يبلغ الغرض كان له أن يعود فيرمي به من قبل العارض فيه، وكذلك لو زهق من قبل العارض فيه أعاد فرمى به، وكذلك لو انقطع وتره فلم يبلغ، أو انكسرت قوسه فلم يبلغ كان له أن يعيده، وكذلك لو أرسله فعرضت له دونه [دابة] أو إنسان فأصابهما، كان له أن يعيده في هذه الحالات كلها، وكذلك لو اضطربت به يده، أو عرض له في يديه ما لا يمضي معه [ ص: 482 ] السهم كان له أن يعود، وإذا كان رميهما مبادرة، فبدأ أحدهما فبلغ تسعة عشر من عشرين، رمى صاحبه بالسهم الذي يراسله، ثم رمى البادئ، فإن أصاب بسهمه ذلك فلج عليه، ولم يرم الآخر بالسهم، لأن أصل السبق مبادرة، وهو أن يفوت أحدهما الآخر، وليست كالمحاطة . الشافعي
قال المزني : هذا عندي لا ينضله حتى يرمي صاحبه بمثله .
قال : الشافعي ولو تشارطا المصيب، فمن أصاب الشن، ولم يخرق حسب له لأنه مصيب، وإذا تشارطا الخواسق والشن ملصق بالهدف، فأصاب ثم رجع، ولم يثبت، فزعم الرامي أنه خسق، ثم رجع لغلظ لقيه من حصاة، أو غيرها، وزعم المصاب عليه أنه لم يخسق، وأنه إنما قرع، ثم رجع فالقول قوله مع يمينه، إلا أن تقوم (بينة) فيؤخذ بها، وإذا كان الشن باليا فيه خرق فأصاب موضع الخرق فغاب في الهدف، فهو مصيب، وإن أصاب طرفا من الشن فخرقه ففيها قولان: أحدهما: أنه لا يحسب له خاسقا، إلا أن يكون بقي عليه من الشن طغية، أو خيط، أو جلد، أو شيء من الشن يحيط بالسهم، فيكون [ ص: 483 ] يسمى بذلك خاسقا وقليل ثبوته وكثيره سواء، ولا يعرف الناس، إذا وجهوا بأن يقال: هذا خاسق، إلا أن الخاسق ما أحاط به المخسوق فيه، ويقال للآخر: خارم لا خاسق . وإذا تشارطا الخواسق لم يحسب (خاسقا) حتى يخسق الجلد، فيتعلق بنصله،
والقول الآخر: أن يكون الخاسق قد يقع بالاسم على ما أوهى الصحيح فخرقه، فإذا خرق منه شيئا قل أو كثر ببعض النصل سمي خاسقا، لأن الخسق الثقب وهذا قد (نفذ) وإن خرم، ولو كان في الشن خرق فأثبت السهم في الخرق ثم ثبت في الهدف كان خاسقا، لأنه إذا ثبت في الهدف فالشن أضعف منه، ولو كان الشن منصوبا فرمى وأصاب، ثم مرق السهم فلم يثبت كان عندي خاسقا، ومن الرماة من لا يعده إذا لم يثبت فيه، وإن أصاب بالقدح لم يحسب إلا ما أصاب بالنصل، ولو أرسله مفارقا للشن [فهبت] ريح فصرفته فأصاب، حسب مصيبا، ولو كان دون الشن شيء ما كان، دابة أو ثوب أو شيء غيره فأصاب فهتكه ثم مر بحموته حتى يصيب الشن حسب في هذه الحال، لأن إصابته وهتكه لم تحدث له قوة غير النزع إنما أحدث فيه ضعفا، ولو أصاب الشن ثم سقط فانكسر سهمه أو خرج بعد ثبوته حسب [له خاسقا، لأنه قد ثبت] وهذا كنزع إنسان إياه بعدما يصيب، ولا بأس أن يناضل أهل النشاب أهل العربية وأهل الحسبان، لأن كلها نبل، وكذلك القسي الدورانية والهندية وكل قوس يرمى عنها بسهم ذي نصل [ ص: 484 ] ولا يجوز أن ولا على أنه يحسب خاسقه خاسقين، وخاسق الآخر خاسقا، ولا على أن أحدهما يرمي من غرض والآخر من أقرب منه، ولا يرميا إلا من غرض واحد وبعدد نبل واحد، فإن تسابقا إلى عدد قرع، لا يجوز أن يقول أحدهما أسابقك على أن آتي بواحد وعشرين خاسقا وأكون ناضلا إن لم تأت أنت بعشرين، ولا تكون ناضلا إن جئت بعشرين من قبل [أن] آتي بواحد وعشرين حتى يكونا مستويين معا، ولا يجوز أن يشترط أحدهما على الآخر أن لا يرمي إلا بنبل بأعيانها إن تغيرت لم يبدلها، ولا إن أنفذ سهما أن لا يبدله، ولا على أن يرمي بقوس بعينها لا يبدلها، ولكن يكون ذلك إلى الرامي يبدل ما شاء من نبله وقوسه ما كان عدد النبل والغرض والقرع واحدا . ينتضل رجلان وفي يد أحدهما من النبل أكثر مما في يد الآخر،
لا معجلا، عن أن تثبت في مقامك وفي إرسالك ونزعك، ولا مبطئا لغير هذا لإدخال الحبس على صاحبك، وإذا اختلف الراميان في الموقف فخرجت قرعة أحدهما على أن يبدأ فبدأ من غرض وقف حيث شاء من المقام الآخر، وإذا اقتسموا ثلاثة وثلاثة، [ ص: 485 ] فلا يجوز أن يقترعوا، وليقتسموا قسما معروفا، ولا يجوز أن يقول أحد الرجلين: اختار على أن أسبق، ولا يختار على أن يسبق ولا على أن يقترعا، فأيهما خرجت قرعته سبقه صاحبه، لأن هذا مخاطرة، وإذا حضر الغريب أهل الغرض فقسموه فقال من معه: كنا نراه راميا ولسنا نراه راميا، أو قال أهل الحزب الذي يرمي عليهم: كنا نراه غير رام وهو الآن رام، وحكمه حكم من قد عرفوه، وإذا لم يجز، إلا أن يتفاسخا هذا السبق برضاهما ويستبقا سبقا آخر، والصلاة جائزة في المضربة والأصابع إذا كان جلدهما ذكيا مما يؤكل لحمه أو مدبوغا من جلد ما لا يؤكل ما عدا جلد كلب أو خنزير، فإن ذلك لا يطهر بدباغ، فإن صلى الرجل في المضربة والأصابع فصلاته مجزئة، غير أني أكرهه لمعنى (أن أمره) أن يفضي ببطون كفيه إلى الأرض، ولا بأس أن يصلي متنكبا القوس والقرن إلا أن يكونا يتحركا عليه حركة تشغله فأكره ذلك، ويجزئه إن صلى، ولا يجوز أن قال لصاحبه: اطرح فضلك علي على أن أعطيك به شيئا، ولا يجوز السبق حتى يعرف كل واحد من المتناضلين من يرمي معه وعليه، فإما أن يكون حاضرا يراه أو غائبا يعرفه، وإذا كان القوم المتناضلون ثلاثة وثلاثة أو أكثر، كان لمن له الإرسال وحزبه ولمناضلتهم أن يقدموا أيهم شاؤوا ويقدم الآخرون كذلك، ولو عقدوا السبق على أن فلانا يكون مقدما وفلان معه، كان السبق مفسوخا لا يجوز حتى يكون القوم يقدمون من رأوا تقديمه، وإذا كان البدء لأحد المتناضلين فبدأ المبدأ عليه [ ص: 486 ] فأصاب أو أخطأ رد ذلك السهم خاصة، وإن لم يعلما حتى يفرغا من رميهما رد عليه السهم الأول فرمى به، وإن أصاب به بطل عنه، وإن كان أخطأ به رمى به، فإن أصاب به حسب له، لأنه رمى به في البدء وليس له الرمي به فلا ينفعه مصيبا كان أو مخطئا إلا أن يتراضيا به . يسبق الرجل الرجل على أن يرمي ويختار المسبق ثلاثة ولا يسميهم للمسبق،
الربيع أخبرني عنه .