[باب من يجوز له أن] يقضي القاضي [له] من الناس ومن لا يجوز قضاؤه له
قال الله - جل ذكره - : ( يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ) . وقال لنبيه صلى الله عليه وسلم: ( إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ) وأمر الحكام بذلك فقال: ( وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل ) . فكان اللازم على ظاهر هذه الآية أن يحكم الحاكم بين [ ص: 560 ] جميع من تقدم إليه بالعدل، لأن الله - جل ذكره - أمر به، وأمره على العموم، فكل خصمين تقدما إلى حاكم من حكام المسلمين فعليه أن يحكم بينهما، وسواء كان أحد الخصمين والدا للحاكم أو ولدا له أو أخا أو أختا أو عما أو عمة أو زوجة هم وسائر الناس في ذلك شيء واحد .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ولو كان له مراد لبين فقال: وإذا حكم لغير أبيه أو أمه. هذا الذي يدل عليه ظاهر الكتاب والسنة . "إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد فأخطأ فله أجر".
وفيه قول ثان: وهو أن ويجوز ليس للحاكم أن يحكم لولده، ولا لوالده، ولا لمن لا تجوز شهادته له، هذا قول قضاؤه لكل من جازت شهادته له من أخ وعم وابن عم ومولى. . الشافعي
وفيه قول ثالث: وهو أن قضاء القاضي لا يجوز لولده ولا لولد ولده من قبل الرجال والنساء، ولا لأبيه، ولا لأمه، ولا لجدته، ولا لجده من قبل الرجال والنساء، ولا لزوجته، ولا لعبد له، ولا لمكاتب، ولا لأم ولده، ألا ترى أن شهادته [لهم] لا تجوز، فكذلك قضاؤه لهم، وقضاؤه لأخيه وعمه وخاله وابن أخيه ولأخته ولكل ذي رحم محرم من الرضاعة كان أو النسب بعد الذي سميناه فهو جائز. هذا قول أصحاب الرأي . [ ص: 561 ]
قال : فقول أصحاب الرأي هذا مخالف ظاهر الكتاب والسنة، ثم هو قياسا على ما قد خولفوا فيه، وإذا اختلف أهل العلم في الشيء فليس بأصل يجوز القياس عليه، ولو كان ما قاسوه عليه أصلا يجوز القياس عليه لم يجز أن يجعل باب القضاء قياسا على باب الشهادات للفرق البين بينهما على ألسنتهم، وعلى مذاهب غيرهم، فأما مخالفته الكتاب فخروج قائله من ظاهر الآيات اللواتي تلوناها في أول هذا الباب إلى غير حجة يعتمد عليها المخالف، وأما مخالفته السنة فحكم النبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر وهي زوجته على الذين قذفوها وضربه إياهم الحد . لعائشة بنت الصديق
6514 - حدثنا ، قال: حدثنا علي بن عبد العزيز أحمد بن محمد ، قال: حدثنا إبراهيم بن سعد ، عن محمد بن إسحاق ، قال: حدثنا ، عن الزهري وعن علقمة بن وقاص سعيد بن المسيب ، وعن وعروة بن الزبير عبيد الله بن عبد الله ، كل قد حدثني بعض هذا الحديث .
قال : حدثني ابن إسحاق يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير ، عن أبيه، عن . عائشة
وعبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن ، عن عمرة ، وكل قد اجتمع حديثهم في قصة خبر عائشة قال: قال أهل الإفك فيها ما قالوا.. ثم ساق الحديث، قالت: وكان كبر ذلك عند عائشة عبد الله بن أبي بن سلول في رجال من الخزرج مع الذي قال مسطح فأما وحمنة بنت جحش، فإنها أشاعت تعادني لأختها، ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فخطبهم ثم تلا عليهم ما أنزل الله من القرآن، ثم أمر حمنة بمسطح بن أثاثة وحسان بن ثابت - وكانوا ممن [ ص: 562 ] أفصح بالفاحشة - فضربوا حدهم . وحمنة بنت جحش
6515 - وحدثنا ، قال: ثنا موسى بن هارون عثمان بن طالوت قالا: حدثنا ومحمد بن المثنى عن ابن أبي عدي، محمد بن إسحاق ، عن عبد الله بن أبي بكر ، عن ، عن عمرة قالت: لما نزل عذري قام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر - وقال عائشة صعد النبي على المنبر - فذكر ذلك وتلا القرآن، فلما نزل أمر برجلين وامرأة فضربوا حدهم . ابن المثنى:
وأما ما قاسوه على ما قد خالفوا فيه فإنهم شبهوا ذلك وقاسوه على أبواب الشهادات، قالوا: فكما لا تجوز فكذلك لا يجوز أن يحكم الحاكم لولده ولوالده ولزوجته. وأول ما يبدأ في ذلك أن يقال لهم: لو اتبعتم ظاهر كتاب الله فقبلتم شهادة هؤلاء الذين دل ظاهر الكتاب على وجوب قبول شهادة من كان من هؤلاء رضى كان أولى بكم من أن تخالفوا ظاهر آية ثم تقيسوا على ما خالفتم من ذلك، فاتباع ظاهر الكتاب وقبول شهادة من ردوا شهادته ألزم لهم وأولى بهم من أن يخالفوا ظاهر آية ثم يقيسوا على ما قد خالفوا فيه ظاهر الآية، فإن ظن [ ص: 563 ] ظان أن في رد شهادة الولد لوالده والوالد لولده إجماعا فقد أخطأ، لأنا روينا إجازة ذلك عن شهادة [الوالد] لولده، والولد لوالده، والزوج لزوجته، ، عمر بن الخطاب ، وقال وعمر بن عبد العزيز في الزهري قد كان فيما مضى من السنة وسلف المسلمين يتأولون في ذلك قول الله ( شهادة الوالد لولده: يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين ) فلم يكن يتهم في سلف المسلمين والد لولده ولا ولد لوالده .
وروينا عن : أنه أجاز شهادة رجل لابنه. وهذا قول إياس بن معاوية أبي ثور والمزني ، وقد ذكرت هذه المسألة بتمامها في كتاب الشهادات .
فإن قال قائل: إنما رددنا شهادة الولد لوالده والوالد لولده للتهمة في ذلك. قيل له: قد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الظن وقال: "إنه أكذب الحديث" فتركك ما نهاك عنه رسول الله، ورجوعك إلى الحق أولى بك من مخالفتك السنة، ثم تبني على ما خالفت عليه منها المسائل . [ ص: 564 ]
6516 - حدثنا ، قال: حدثنا علي بن الحسن عبد الله بن الوليد ، عن ، عن سفيان الثوري ابن ذكوان ، عن ، عن عبد الرحمن الأعرج ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أبي هريرة "إياكم والظن فإن أكذب الكذب الظن" .
ويقال لمن خالفنا: أرأيت لو قدم عبد الرحمن بن أبي بكر إلى أبي بكر - وهو خليفة - رجلا يدعي عليه مالا أكان يجوز لأبي بكر الحكم له، أو رأيت لو أن تقدم إلى أبيه - وهو خليفة - فادعى على رجل مالا، أو فعل بعض ولد ابن عمر عثمان أو بعض ولد علي ، فإن منع من ذلك فقد فعل أمرا عظيما، لأن التهمة تبعد منهم، وإن جاز لهم أن يحكموا لأولادهم لزمهم ذلك في سائر القضاة، ويقال لبعض من مذهبه أن [ ص: 565 ] الحاكم لا يحكم لولده ولا لوالده ما يقول في والد الخليفة أو ولد له طالب بحق له عند الخليفة، وجاء على ذلك بالبينة أيحكم له بحقه أم لا يحكم له؟ فإن قال: يحكم له. قيل له: فيجوز أن تعطل أحكام الله وتمنع هؤلاء من بين الخلق الحق؟ فإن قال: يجعل الخليفة النظر بينهما إلى بعض الناس لينظر بين والده أو ولده وخصمه. قيل: أليس من قولك أن وكيل الرجل يقوم مقامه فما جاز له أن يفعله فعله وكيله وما منع هو منه فوكيله ممنوع منه. وحكاية هذا القول تغني عن الإدخال على قائله .
6517 - وقد روي عن أنه أمر بقطع رجل رجل سرق حليا أبي بكر الصديق من حديث لأسماء بنت أبي بكر ، عن مكي بن إبراهيم ، عن حنظلة بن أبي سفيان نافع .