ذكر دعوة الولد بعد البيع
أجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم على أن الرجل إذا كانت له جارية ، وعلم أنه يطؤها أقر بذلك قبل بيعها ثم باعها ، وظهر بها حمل وولدت عند المشتري ولدا تاما لأقل من ستة أشهر من يوم عقد البيع ، وادعاه البائع أن الولد لاحق به وأن البيع باطل . [ ص: 182 ]
واختلفوا فيه إن ولدته لستة أشهر أو لأكثر أو لأقل من المدة التي تحمل المرأة فيه : فقالت طائفة : إن كان يعلم أن البائع كان يطؤها فجاءت بولد لأقل من ستة أشهر أو أكثر ما بينها وبين تسعة أشهر منذ باعها ولم يدعيه المشتري ، فهو ابن البائع ، ويفسخ البيع ويرد الثمن وترجع الجارية إليه ، ويكون ابنه وتكون أم ولد له ، وإن جاءت به لأقل من ستة أشهر ، ولم يدعيه البائع ، وادعاه المشتري فلا يلحق به النسب ، وذلك أن المرأة لا تلد ولدا يعيش إلا لستة أشهر أو أكثر ، فإن جاءت به لستة أشهر أو أكثر وادعاه المشتري ولم يدعه البائع فهو ابن المشتري ؛ لأن في مثل هذه (المدة) تلد المرأة ، وإن ادعياه جميعا ، وقد علم أن البائع كان يطؤها [أري ] القافة ، فبأيهما ألحق لحق ، وإن ألحقوه بهما فهو ابنهما جميعا يرثهما ويرثانه ، ويرد البائع على المشتري نصف الثمن ، وتكون الجارية أم ولدهما جميعا ، وليس لواحد منهما أن يطأها ، وإذا ماتا فهي حرة ، وإن أعتقاها جميعا فلها أن تزوج أيهما شاءت بعد أن تحيض حيضة استبراء لا عدة . هذا كله قول أبي ثور .
وقال أصحاب الرأي : إن جاءت به لأكثر من ستة أشهر فهو ابن المشتري إن ادعاه ، وإن جاءت به لأقل من ستة أشهر فهو ابن البائع إن ادعاه ، وإن ادعياه جميعا ، فإنا ننظر لكم جاءت به ، فإن كانت جاءت [ ص: 183 ] بالولد لأكثر من ستة أشهر فصاعدا فهو ابن المشتري ، وإن كان أقل من ستة أشهر فهو ابن البائع ، وإن شك فيه فهو عبد المشتري ، وهذا قول النعمان ويعقوب ومحمد .
وقال النعمان : نظرت ، فإن جاءت به بعد البيع لستة أشهر فصاعدا فهو ابن المشتري ولا يصدق البائع ، وإن كان لأقل من ستة أشهر فهو ابن البائع إن ادعاه ولا يصدق المشتري ، وإن لم يدعياه جميعا فهو عبد ، والبيع نافذ . إذا باع الرجل أمة حبلى فولدت بعد البيع ، فادعيا جميعا
وقال : وإذا حبلت الأمة عند رجل ثم باعها فولدت عند المشتري لأقل من ستة أشهر فادعاه (الولد) وكذبه المشتري ، ثم قتل عند المشتري بعد ذلك ، أو قطعت يده عمدا أو خطأ ، فإن كانت بينة أن البائع كان يطؤها قبل البيع ردت إليه ، وبطل البيع ، ورد الثمن على المشتري ، وكانت الجناية للبائع على الجاني عمدا كانت أو خطأ مثل جناية على حر ، وذلك أن الولد حر فعلى الجاني جناية الحر . وهذا قول أصحاب الرأي إلا أنهم لم يقولوا : إن ثبت وطء البائع قبل البيع ، وقالوا جميعا : وإن كانت الجناية على الأم ، فإن في ذلك مثل ما في الجناية على أم الولد . أبو ثور
قال وإذا كانت الجناية من الولد أو من الأمة ، فإن الولد يحكم عليه مثل ما يحكم على الحر ، وعلى الأمة كما يحكم على أم الولد قضى القاضي بذلك أو لم يقضه ، وذلك أن القاضي لا يحل شيئا [ ص: 184 ] له بخلاف ولا يحرم شيئا ليس بحرام ، وإن كانت الجناية قبل الدعوى فلا شيء على المشتري وهي على الأمة في ملك البائع يحكم عليها مثل ما يحكم على أم الولد . إن كانت الجناية عمدا كان فيها القصاص ، وإن كانت جناية خطأ ففيها قولان : أحدهما : أن السيد يفديها . وهذا على مذهب أبو بكر : والقول الثاني : أنه إن أعطى قيمتها من بيت المال فذلك جائز ، وليس على المولى أن يفديها . هذا قول الشافعي، أبي ثور .
وقال أصحاب الرأي : إذا كانت الجناية قبل الدعوى فلا شيء على المشتري وهي على البائع ، فإن كان علم فهذا منه اختيار وعليه أرش الجناية ، وإن لم يكن علم فعليه الأقل من أرش الجناية ومن القيمة .
قال وإذا حبلت الأمة عند الرجل ثم باعها ، ثم ولدت عند المشتري لأقل من سنة فكبر ابنها وولد ابنها عند المشتري ابنا ، ثم مات الابن الأول ، ثم إن البائع ادعى الميت . ففيها قولان : أحدهما : إن كان يعرف أن البائع كان يطؤها قبل البيع ثبتت دعوته ، وبطل البيع ولحق نسبه ، وكان هذا الثاني ابن ابنه على ما ذكرناه . وهذا قول أبو بكر : وقال أصحاب الرأي : لا يثبت نسبه . وقالوا جميعا : إذا اشترى الرجل جارية حبلى ثم باعها ، فولدت عند المشتري فادعاه البائع ، فدعوته باطلة ، وذلك أن الحمل كان في ملك غيره ، ولا تجوز دعوته إن كان وطئها في ملك غيره فهو زنا لا يثبت نسبه . وقال أبي ثور ، : أبو ثور فإن كان البائع أقر بوطئها قبل البيع فسخنا البيع وردت عليه ، وإن لم يقم بينة ولم يعلم ذلك وشهد شاهدان أن البائع ادعاه حين ولدته ، وأنكر البائع ذلك لم يفسخ البيع ، وذلك أن دعوة البائع الولد إذا لم يعلم منه وطء ، فليس يجب له بها شيء . وقال أصحاب الرأي : إذا شهد شاهدان أن البائع ادعى هذا الولد حين ولد والبائع ينكر ذلك ، فإن شهادتهما جائزة ويكون ابنه ، وينتقض البيع . وإذا باع [ ص: 185 ] الرجل جارية وهي حبلى فجاءت بولد عند المشتري لأقل من ستة أشهر ،
قال هذا أصح إذا أقر بذلك المشتري ، وإن أنكر المشتري ذلك لم يفسخ البيع ، وإن شهدوا أنه ادعى الحمل قبل البيع ، ثم باعه وجحد ذلك بطل البيع ، وردت وولدها عليه ورجع عليه بالثمن إن كان قبضه ، وهكذا قال أبو بكر : وأصحاب الرأي . أبو ثور
قال وإذا باع الرجل الجارية وهي حبلى ، فجاءت بولد لأقل من ستة أشهر من يوم باعها ، فادعاه البائع . ففيها قولان : أحدهما : أن القول قول البائع ، وإن أنكر ذلك المشتري ، ويفسخ البيع ، ويكون الولد ولده . هذا قول أصحاب الرأي ، والقول الثاني : إن البائع كان أقر به قبل البيع فسخ البيع ، وإن لم يكن أقر به قبل لم يفسخ البيع هذا قول أبو بكر : وقال أبي ثور . : وإذا باع الرجل جارية وهي حبلى فولدت عند المشتري لأقل من ستة أشهر بنتا ، وولدت الابنة ابنا ثم جاء البائع فادعى الابنة ، وقد كان المشتري أعتق الابن ، فإن ثبت وطء البائع أو إقراره بالوطء قبل البيع ، فسخ البيع ، ورددتها عليه ، وكانت الابنة [ ص: 186 ] حرة ، وابنها حر من الأصل ؛ لأن أمه حرة ، ولا يجوز عتق المشتري ولا يثبت له بذلك ولاء . أبو ثور
وقال : وإذا حبلت الأمة عند الرجل ثم باعها فولدت عند المشتري ولدين أحدهما لأقل من ستة أشهر بيوم ، فادعى المشتري والبائع الولدين جميعا ، فإن كان من البائع إقرار بالوطء قبل البيع وعلم ذلك فهما ابناه ، ويفسخ البيع ، لأنه حمل واحد ، فإذا كان أحد الولدين دون الستة الأشهر ، كان ما تأخر من الحمل بعد الستة الأشهر يلزمه البائع . أبو ثور
وقال أصحاب الرأي : هما ابنا البائع ، والأمة أم ولد له ، وينتقض البيع ، ورد عليه الثمن ، ورد عليه ما قبض من الثمن .
وقيل لابن القاسم : أرأيت صبيا ولد في ملكي ، ثم بعته فمكثت زمانا ، ثم ادعيت أنه ولدي . قال : إن لم يستدل على كذب ما قال فهو ولده ويترادان . قلت : وهذا قول ؟ قال : نعم . مالك
قال : وسألت مالكا عن قال : تجوز دعواه إلا أن يتهم . الرجل يبيع الجارية فتلد فيدعي الولد
وحكى أشهب عن : في الرجل يبيع الجارية ومعها ولد ثم يدعي أنه منه . قال : يلحق به ، وتكون أم ولد له . قال : وإن ادعى ذلك بعد موت الغلام ، لم يجز ذلك له . قال : وكذلك مالك أن ذلك له ويلحق به ، وإن ادعى الولد بعد موت الولد لم يكن ذلك له . الرجل يتزوج المرأة ثم [ ص: 187 ] يفارقها لم أمس وتقول : [مسني ] ثم تأتي بولد فيدعيه ابن عبد الحكم عن أشهب عنه .