ذكر اختلافهم في الشهادة على الزنا
واختلفوا في الشهود يتفقون على الشهادة على الزنا ، ويختلفون في الأمكنة .
فقالت طائفة : على الشهود حد الفرية ، وليس على المشهود عليه حد الزنا . هذا قول ، وحكى مالك بن أنس عنه أنه قال : وكذلك إن شهد أحدهما أنه سرق يوم الخميس ، وشهد الآخر أنه سرق يوم الجمعة قال : قال ابن القاسم : لا يقطع . وقال مالك : إذا اختلفوا فقال بعضهم زنى بها في قبيلة ، وقال الآخران : إنه زنى بها في قبيلة أخرى ، أو قال بعضهم : في هذا البيت ، وقال بعضهم : في الحجرة ، [ ص: 357 ] أو قال هؤلاء : في ساعة أخرى ، أو قال بعضهم : في أول البيت ، وقال الباقون : في آخر البيت ، فشهادتهم كلهم في ذلك باطل ، فإن كانوا أربعة فلا حد عليهم ، وإن كانوا أقل من أربعة حدوا . وقال في قول أبي عبد الله يحدون كلهم . وحكي عن أبو ثور الكوفي أنه فرق بين أن يشهد قوم بأنه زنى في قرية ، وآخرون قالوا : في قرية أخرى ، وكذلك إذا اختلفوا في بيتين أو في ساعتين [قال] : شهادتهم باطل لا حد عليهم إن كانوا أربعة ، وإن قال قوم : في مكان من البيت أوله أو آخره يحد ، وقبلت شهادتهم ، وكذلك إن قال بعضهم في ثوب ، وبعضهم في ثوب غيره .
وقال : إذا شهد أربعة أنه زنى بهذه المرأة غدوة ، وشهد أربعة أنه زنى بهذه المرأة لامرأة أخرى ارتفاع النهار حد الرجل والمرأتين ، وذلك أن كل واحدة من البينتين قد شهدت على حق ولم يتناقضا فيحدهما جميعا . أبو ثور
قال : وقد روينا عن أبو بكر أنه قال في أربعة شهدوا على امرأة بالزنا ، ثم اختلفوا في الموضع ، فقال بعضهم : النخعي بالكوفة ، وقال بعضهم : بالبصرة ، قال : يدرأ عنهم جميعا .
6750 - حدثنا ، عن إسحاق ، عن عبد الرزاق الحسن بن عمارة ، عن الحكم ، عن إبراهيم . [ ص: 358 ]
وكان يقول : إذا شهد شاهد أنه قال لفلان يوم الخميس : يا زان ، وشهد آخر أنه قال لفلان يوم الجمعة : يا زان ، قال : قال مالك : يحد; لأن الشهادة ها هنا لم تختلف ، لأنه كلام ، وكذلك الطلاق و (النكاح) هو مثل ذلك . مالك
قال : وخالفه أبو بكر فقال : إذا شهد رجل أنه قذف رجلا اليوم ، وشهد آخر عليه أنه قذفه أمس ، فلا يحد من قبل أنه ليس ثم اثنان يشهدان على قذف واحد ، وكذلك الشهادة على [الطلاق] والعتق . وليس ذلك عنده ، فالشهادة على إقرار الرجل بالمال ، والطلاق ، والعتق ذلك مقبول ، إذا كان على الإقرار ، ومردود عنده إذا اختلفوا في الشهادة على الأفعال ، وكذلك الشهادة في مذهبه إذا اختلفت على السرقة وشرب الخمر ، إذا اختلفوا في الأيام والأوقات غير مقبولة ، لأنها شهادات على الأفعال ، وأجاب الشافعي بمثل جواب الليث بن سعد في الشافعي ، إذا اختلفا في المواطن أنها غير مقبولة ، ثم ترك هذا الأصل فقال : إذا شهد أحدهما أنه يراه يشرب الخمر بكرة ، وشهد الآخر أنه يراه يشرب الخمر ضحوة ، قال : يحد إذا كانت شهادتهما في يوم واحد ، ولم يختلفا في الأيام . الشهادة على القذف
قال : وهذا ترك منه لأصله; لأن اختلافهم في الشهادة عليه في المواطن المختلفة . [ ص: 359 ] أبو بكر
وقال : إذا اختلف الشاهدان في الموطن الذي شهدا فيه فإن الشافعي أبا حنيفة كان يقول : لا نعزرهما ويقول : لأني لا أدري أيهما الصادق من الكاذب ، إن كانا شهدا على فعل ، فإن كانا شهدا على إقرار ، فإنه يقول : لا أدري لعلهما صادقان جميعا وإن اختلفا في الإقرار ، وبه يأخذ . وكان يرد الشاهدين وربما ضربهما وعاقبهما . وكذلك لو خالف المدعي الشاهدين في قول ابن أبي ليلى أبي حنيفة فشهدا بأكثر مما ادعى ، فإن أبا حنيفة كان يقول : لا أضربهما ، ونتهم المدعي عليهما . وكان ربما عزرهما وضربهما ، وربما لم يفعل . قال ابن أبي ليلى : لا أعزرهما إذا أمكن صدقهما . قال الشافعي : كذا أقول . أبو بكر
قال : الاختلاف في الشهادة ينصرف على وجهين : أحد الوجهين : الشهادات على الإقرار . أبو بكر
والوجه الثاني : الشهادات على الأفعال .
فأما الشهادة على الإقرار ، وإن اختلفت المواضع والأوقات فيما يتعارف الناس بينهم أن يشهد الرجل الرجل بمكة على أن لزيد عليه مائة دينار ثم يشهد آخر بمنى بأن لزيد عليه مائة دينار ثم يلقى آخر بعرفة فيشهده على مثل ذلك ، فالشهادات في هذا الباب وما أشبه ذلك مقبولة ، وإن اختلفت الأوقات والمواضع ، لأنها متوقفة على إقرار الذي يجب عليه المال بما يجب الحكم به عليه ، وكذلك كل شهادة تقع على إقرار تقبل ، أو خراج ، أو عتق ، أو طلاق ، وغير ذلك إذا لم [ ص: 360 ] تكن شهادة على فعل .
والوجه الثاني : أن تتفق الشهادات على الأفعال ، وتختلف في المواضع كشاهدين شهدا أن بكرا قتل زيدا ، قال أحدهما : قتله بمكة ، وقال الآخر : قتله بالمدينة ، وهذان وإن كانا متفقين على أن بكرا قتل زيدا ، فغير جائز أن يكونا صادقين; لأن زيدا إذا قتل بمكة فغير جائز أن يقتل ثانيا بالمدينة ، ولو كانت الشهادة في ذلك على الإقرار كانت نافذة ، واختلافهم في الشهادة على المال كالذي أجاب به . ولو شهد أحدهما أن فلانا سرق من زيد ثوبا أو سلعة من السلع قيمتها كذا من حرز ، ولم يختلفا في الأوقات ولا الأمكنة ، فإن كانا مجمعين على أن قيمة الثوب ربع دينار قطعت يد السارق ، وكان على السارق الأقل من القيمتين ، وإن اختلفا فكان قيمة ما شهد به أحدهما أقل من ربع دينار لم يجب قطع يده . الشافعي
وفيما يلزم المشهود عليه قولان : أحدهما : أن يؤخذ منه الأقل مما شهدا به عليه لاتفاقهما على ذلك . والقول الثاني : أن له أن يحلف مع أي شاهديه شاء ، ويستحق الذي ادعى قبله السرقة ما حلف عليه .