مسألة : 
واختلفوا في الرجل يبيع من الرجل الطعام إلى أجل ، فإذا حل الأجل أخذ بالثمن منه طعاما وقبضه مكانه   . 
فقالت طائفة : لا بأس به . هذا قول  الشافعي  ، وأصحاب الرأي   . 
وقالت طائفة : لا يجوز ذلك . كان  مالك  رحمه الله يقول : ذلك من الربا . 
وقال  طاوس   : لا يأخذ طعاما . وقال أحمد  ، وإسحاق   : لا بأس أن يشتري منه ما لا يكال ولا يوزن . 
واختلفوا في الرجل يبيع السلعة بدين ثم يشتريها بأقل من ثمنها بنقد . 
فقالت طائفة : لا يجوز ذلك . 
هذا قول  مالك بن أنس  ، وربيعة بن أبي عبد الرحمن  ، وأبي الزناد  ، وعبد العزيز بن أبي شيبة  ،  والأوزاعي  ، وسفيان  ، وأحمد  ، وإسحاق  ، وأصحاب الرأي   . 
وروي عن  النخعي  ،  والشعبي  ، والحسن  ،  وابن سيرين  أنهم كرهوا ذلك ، وقد روي عن  ابن عباس  حديثا يوافق هذا القول . 
 8165  - حدثنا محمد بن بكر  ، قال : حدثنا بندار ،  قال : حدثنا  يزيد بن هارون ،  قال : حدثنا سعيد  ، عن  قتادة  ، عن  زرارة بن أوفى  ، عن  ابن عباس  في رجل باع حريرة بنسيئة ثم اشتراها بدون ما باعها بنقد . قال : تلك دراهم بدراهم بينهما حريرة   .  [ ص: 365 ] 
واحتج بعض من يقول بهذا القول بحديث  عائشة  رضي الله عنها . 
 8166  - حدثنا  علي بن الحسن  ، قال : حدثنا عبد الله  ، عن سفيان  ، قال : حدثنا  أبو إسحاق الهمداني  ، عن امرأته العالية  أن امرأة أبي السفر  باعت خادما لها إلى العطاء من  زيد بن أرقم  بثمانمائة درهم ، وأنه احتاج إلى بيعها فاشترتها منه بستمائة درهم  ، فقالت  عائشة  حين سألتها عن ذلك : بئس ما شريت وبئس ما اشتريت ، أبلغي  زيد بن أرقم  أنه أبطل جهاده إن لم يتب . قال : أرأيت إن لم آخذ إلا رأس مالي . 
قالت : ( فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف   ) .  [ ص: 366 ] 
وقالت طائفة : لا بأس بذلك باعه السلعة بأقل من الثمن أو بأكثر ، لأن البيعة الثانية غير البيعة الأولى . هذا قول  الشافعي  ،  وأبي ثور  ، وقد روي عن  ابن عمر  خبر يوافق هذا القول : 
 8167  - حدثنا  علي بن الحسن  ، قال : حدثنا عبد الله  ، عن سفيان  ، قال : حدثنا ليث  ، عن مجاهد  ، عن  ابن عمر  أن رجلا باع من رجل سرجا فلم ينتقد ثمنه ، فأراد صاحب السرج الذي اشتراه أن يبيعه ، فأراد الذي باعه أن يأخذه بدون ما باعه به منه  ، فسئل عن ذلك  ابن عمر  فلم ير به بأسا ، وقال  ابن عمر   : فلعله لو باعه من غيره باعه بذلك الثمن أو أنقص  . 
قال  أبو بكر   : واحتجوا - أو من احتج منهم - بأنهم قد أجمعوا على أن المشتري لو وهب السلعة للبائع أن الهبة جائزة ، فلما كانت إذا رجعت كلها إليه بغير ثمن جائز كانت إذا رجعت إليه بأقل من ثمنها مثله . وقد ملك المشتري السلعة ملكا صحيحا ، فليس لأحد أن يحظر عليه أن يفعل في ماله ما يفعله المالك إلا بحجة . 
ومعروف عند التجار أن ثمن السلعة التي يتأخر قبض ثمنها أكثر من ثمن السلعة نقدا ، فإذا كان هذا معروفا عندهم ، فلم حظر على البائع  [ ص: 367 ] شراؤها وأبيح ذلك لغيره ، وكل بيع فجائز إلا بيعا منع منه كتاب ، أو سنة ، أو إجماع . فإن اعتل معتل بخبر  عائشة  فقد دفع خبر  عائشة  غير واحد ، وقال بعضهم : أبو إسحاق  عن امرأته ، امرأته غير معروفة برواية الحديث ، وقد يجوز لو صح أن  عائشة  إنما أنكرت البيع إلى العطاء ، لأنه أجل غير معلوم ، ودفع الحديث وترك أن يثبت مثله على  عائشة  أولى بنا ، إذ غير جائز أن تكون  عائشة  تقول في بيع يختلف فيه : أبلغ زيدا  أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يتوب " ، ولو اختلف أصحاب رسول الله عليه السلام في مسألة وثبت ذلك عن  عائشة  ، كان سبيل ذلك أن يتبع أشبه أقاويلهم بالنظر . 
قال  أبو بكر   : وقد حكي عن عبد الله بن الحسن  أنه قال : أنا أكرهه . 
قال  أبو بكر   : لو انتفى هذا البيع بنفي لكان ذلك حسنا ، فإن خسر الرجل فباع فالبيع لازم ، للحجج التي حكيتها عن أهل هذه المقالة . 
واختلفوا في الرجل يقول لصاحبه : (اشتر) سلعة كذا وكذا حتى أربحك فيها . 
فكرهت طائفة ذلك ، ونهت عنه . وممن كره ذلك :  ابن عمر  ،  وسعيد بن المسيب  ،  ومحمد بن سيرين  ، والحسن  ،  وطاوس  ،  والنخعي  ،  وقتادة  ، وعبيد الله بن الحسن  ،  وأحمد بن حنبل  ، وإسحاق   . 
 8168  - حدثنا  موسى بن هارون  ، قال : حدثنا  أبو بكر  ، قال : حدثنا  وكيع  ، عن سفيان  ، عن  ابن جريج  ، عن  زيد بن أسلم  قال :  [ ص: 368 ] قلت  لابن عمر   : الرجل يقول (اشتر) هذا البعير وأشتريه منك ، فكرهه   . 
ورخصت فيه طائفة وقالت : لا بأس به ، وممن كان لا يرى به بأسا : القاسم بن محمد  ،  وحميد الطويل   . 
وكان  الشافعي  يجيز هذا البيع إذا اشتراها الرجل وملكها ، ثم باعها من صاحبه . 
وكان  مالك  رحمه الله يكره ذلك ، فإن فعلاه ألزم المشتري الثمن الذي اشتراه به ولا يفسخ البيع . 
قال  أبو بكر   : هذا عندي مكروه ، فإن فعله فاعل كان الجواب فيه كجواب  مالك  رحمه الله . 
واختلفوا في الرجل يشتري من الرجل مائة ثوب فيزيد أو ينقص . 
فقالت طائفة : إذا قال : كل ثوب بعشرة دنانير فوجدها تسعين فالمشتري بالخيار ، فإن زادت على مائة فالبيع مردود . هذا قول  سفيان الثوري   . 
وقالت طائفة : إذا زاد أو نقص فالبيع فاسد ، لأن الزائد والناقص لا يدرى كم ثمنه ، ولا ما هو من الثياب من جيدها أو رديئها أو وسطها . 
هذا قول  أبي ثور   . 
وفيه قول ثالث : وهو إن كان خمسين ثوبا فوجدها أحدا وخمسين ،  [ ص: 369 ] وقد اشتراها صفقة يرد منها ثوبا . هذا قول  مالك   . وقال  ابن القاسم  صاحبه : يرد جزءا من أحد وخمسين جزءا من الثياب . 
وقال أصحاب الرأي   : إن وجده أحدا وخمسين فالبيع باطل ، وإن سمى لكل ثوب منها عشرة دراهم ، وكان في العدد واحد وخمسين ثوبا فالبيع فاسد ، وإن كانت الثياب تنقص وقد سمى لكل ثوب منها شيئا فالبيع جائز ، والمشتري بالخيار إن شاء أخذ كل ثوب بما سمى وإن شاء ترك . 
قال  أبو بكر   : إن كانت العلة في إفساد البيع في الزيادة أنه لا يدرى أي ثوب يرد من الثياب فتلك العلة موجودة في النقصان لا يدرى أي ثوب نقص منها من الجياد أو الرديء ، أو الوسط ، وإن كان للمشتري الخيار فلا معنى للخيار في بيع جائز ، فكذلك لا معنى للخيار في بيع باطل ، وإن كان الخيار إنما حصل ، لأنه بيع مستأنف ، فالمعنى في الزيادة والنقصان واحد ، والله أعلم . 
وكان  الشافعي  يقول في الرجل يشتري من الرجل صبرة مائة كيل فيجدها خمسين : أنه مخير إن شاء أخذها بحصتها ، وإن شاء فسخ البيع . 
قال  أبو بكر   : ومعنى هذا غير معنى الثياب ، لأن الطعام قد يستوي ، وليست الثياب كذلك ، والله أعلم .  [ ص: 370 ] 
				
						
						
