ذكر دعوى اللقيط 
وإذا التقط الرجل صبيا فادعاه رجل حر أنه ابنه قبل قوله ولحق به نسبه  في قول  مالك   وأبي ثور  وأصحاب الرأي . 
وقال أصحاب الرأي : ينبغي في القياس أن لا يصدق ولكنا ندع القياس ويثبت نسبه . 
وقال  ابن القاسم   : بلغني عن  مالك  أنه قال : لا يصدق إلا أن يكون لذلك وجه ، مثل أن يكون رجلا لا يعيش له ولد فيسمع قول الناس إذا طرح عاش فيطرح ولده فيلتقط ثم يجيء (يدعيه) ، فإن جاء مثل هذا (بما) يستدل على صدق قوله ، ألحق به ، وإلا لم يلحق به إلا ببينة . 
قال  أبو بكر   : وقد حكي عن   (مالك)  أنه قال : لا يثبت نسبه إلا ببينة ، واحتج بقول النبي صلى الله عليه وسلم :  "البينة على المدعي واليمين على  [ ص: 434 ] المدعى عليه"  . وهذا قول قل من يقول به ، وعوام أهل العلم على القول الأول ، وبه نقول . 
واختلفوا في اللقيط يوجد في مصر من [أمصار] المسلمين فيدعيه ذمي ، فقال قائل : يلحق به ويجعل مسلما في الصلاة عليه ويأمره إذا بلغ بالإسلام بغير إجبار . 
حكى المزني  عن  الشافعي  أنه قال ذلك ، وقال في كتاب الدعوى والبينات نجعله مسلما ، لأنا لا نعلمه كما قال . 
قال المزني   : وهذا أولى بالحق عندي ، لأن من ثبت له حق لم يزل حقه بالدعوى فقد ثبت (الإسلام) أنه في أهله وجرى حكمه عليه بالدار فلا يزول حق الإسلام بدعوى مشرك . 
وقال  الشافعي   : وإن أقام بينة أنه ابنه بعد ما عقل ووصف الإسلام ألحقناه به ، ومنعناه أن ينصره ، فإن بلغ وامتنع من الإسلام لم يكن مرتدا أقتله ، [ولكن أحبسه وأخيفه رجاء رجوعه] . 
قال المزني   : قياس قول من جعله مسلما أن لا يرده إلى النصرانية . 
وقالت طائفة : إذا وجد في مصر من أمصار المسلمين فادعاه ذمي لم تقبل دعواه إلا ببينة   [وذلك أن حكمه حكم الدار فلا أجعله كذا إلا ببينة]  [ ص: 435 ] تشهد على نسبه . هذا قول  أبي ثور  وبعض أصحابه ، وقال بعض من وافقه : لو ثبت نسبه لوجب أن يكون حكمه حكمه ، لأن حكم الطفل حكم أبويه ، فلما اتفقوا أن حكمه حكم الإسلام لم يكن ابنه ، لأنه لو ثبت نسبه وجب أن يكون في الدين مثله ، وزعم ابن الحسن أنه لا يصدق في القياس ، لأنه حر مسلم ، ولكن أستحسن فأجعله ابنه وأدفعه إليه وأجعله مسلما . 
قال  أبو بكر   : القياس عنده حق وقد أقر أنه ترك الحق عنده ، وحكاية هذا القول تجزئ عن الإدخال على قائله ، والنظر يدل على أن لا يقبل قوله إلا ببينة تشهد له من المسلمين أنه ابنه ، فإذا ثبتت البينة على ذلك وجب دفعه إليه وحكم له في الدين بحكمه ، ولا معنى لما تكلم به قبل بلوغه ، لأنهم لما لم يلزموا ولد المسلم ارتدادا إذا تكلم بالكفر وجب ألا يلزم للطفل من أهل الذمة حكم الإسلام ، وإن تكلم به ، وأجمع كل من نحفظ عنه على أن امرأة لو ادعت اللقيط وقالت : هو ابنها أن قولها غير مقبول   . هذا قول  الشافعي  ،  والثوري  ،  وأبي ثور  ، وأصحاب الرأي ،  ويحيى بن آدم  ، ولو وجدته امرأة ، فقالت : هو ابني من زوجي هذا وصدق الزوج ، كان ابنها في قول  أبي ثور  ،  [ ص: 436 ] وأصحاب الرأي ولو ادعى اللقيط امرأتان لم تقبل دعوى كل واحدة منهما إلا ببينة في قولهم جميعا . 
واختلفوا فيه إذا ادعاه رجلان وأقام كل واحد منهما البينة أنه ابنه : ففي قول  الشافعي   : يراه القافة فبأيهما ألحقوه لحق ، وإن قالت القافة هو ابنهما لم ينسب إلى أحدهما حتى يبلغ فينتسب إلى من شاء منهما . 
وقال أصحاب الرأي : هو ابنهما من قبل أن الرجلين قد يقعان على امرأة واحدة . ولا تلد المرأتان ولدا واحدا ، وقال  أبو ثور   : يرى القافة فما حكموا فيه حكم به ، وإذا ادعى اللقيط مسلم وذمي فهو ابن المسلم  ، فلا يقبل دعوى الذمي في قول  أبي ثور   . 
قال  أبو بكر   : وإذا ادعى الذي وجده أنه عبده لم يقبل  قوله في قول  الشافعي  ،  وأبي ثور  ، وأصحاب الرأي ، وذلك أن اللقيط حر ، لا يقبل قول من ادعى أنه عبد إلا ببينة ، وإذا ادعى اللقيط رجلان . فأقام أحدهما البينة أنه ابنه ، وأقام الآخر البينة أنها ابنته فإذا هي خنثى : ففي قول  أبي ثور   : إن كان يبول من الذكر قضي به لصاحب الابن ، وإن كان يبول من قبل الفرج فهو جارية يقضى بها لصاحب الجارية ، وإن كان مشكلا أري القافة فما حكموا فيه حكم به . 
هذا قول  أبي ثور   : وقد حكي عن يعقوب  ومحمد  أنهما قالا : هو  [ ص: 437 ] لأكثرهما بولا . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					