الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                            صفحة جزء
                                                                            1919 - أخبرنا أبو الحسن الشيرزي ، أنا زاهر بن أحمد ، أنا أبو إسحاق الهاشمي ، أنا أبو مصعب ، عن مالك، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، [ ص: 136 ] عن جابر بن عبد الله ، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرج من المسجد يريد الصفا، يقول: "نبدأ بما بدأ الله به"، فبدأ بالصفا، وقال: كان إذا وقف على الصفا يكبر ثلاثا، ويقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، يصنع ذلك ثلاث مرات، ويدعو، ويصنع على المروة مثل ذلك، وقال: كان إذا نزل من الصفا مشى، حتى إذا انصبت قدماه في بطن الوادي، سعى حتى يخرج منه.

                                                                            هذا حديث صحيح، أخرجه مسلم، عن أبي بكر بن أبي شيبة ، وإسحاق بن إبراهيم ، عن حاتم بن إسماعيل ، عن جعفر بن محمد، حديث حجة الوداع بأتم من هذا، وقال فيه: فبدأ بالصفا، فرقي حتى رأى البيت واستقبل القبلة، فوحد الله وكبره، وقال: لا إله إلا الله وحده، لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، ثم دعا بين ذلك، قال مثل هذا ثلاث مرات. [ ص: 137 ]

                                                                            .

                                                                            وفي الحديث أنواع من العلم، منها أن أداء فرض الحج ليس على الفور، ويجوز تأخيره عن أول سنة الوجوب، لأن فرض الحج نزل سنة خمس من الهجرة، وأخره النبي صلى الله عليه وسلم إلى السنة العاشرة بلا عذر، فإنه خرج سنة سبع قاضيا للعمرة، وخرج لفتح مكة سنة ثمان، وبعث أبا بكر ليحج بالناس سنة تسع، ثم حدثنا هو بنفسه السنة العاشرة مع إمكان الحج قبلها، وهذا قول الشافعي .

                                                                            وفي بداءته عليه السلام بالصفا دليل على أن المبدوء به في الذكر يجب أن يكون مبدوءا به فعلا، ويحتج به من أوجب الترتيب في الوضوء على ما نطق به القرآن.

                                                                            وفيه دليل على أنه إن بدأ بالمروة، كان ذلك الشوط غير محسوب له. [ ص: 138 ]

                                                                            .

                                                                            وفيه دليل على وجوب الطواف بين الصفا والمروة، كما يجب الطواف بالبيت.

                                                                            والسنة أن يصعد الصفا قدر قامة رجل، حتى يتراءى له البيت، ويمشي حتى ينزل من الصفا، ويسعى في بطن الوادي إلى أن يقرب من المروة ، فيمشي حتى يصعدها قدر قامة رجل.

                                                                            قال ابن عمر : السعي من دار بني عباد إلى زقاق ابن أبي حسين، فلو ابتدأ الطواف من الصفا إلى المروة ولم يرق عليهما، فلا شيء عليه، ولو ترك السعي ومشى بينهما، فجائز، روي عن ابن عمر ، أنه كان يمشي بين الصفا والمروة، فقيل له فيه، فقال: لئن سعيت، لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسعى، ولئن مشيت لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي، وأنا شيخ كبير.

                                                                            وفي الحديث دليل على أنه يجوز للمهدي أن يأكل من لحم هديه إذا كان تطوعا، وجوز جماعة للمتمتع والقارن أن يأكل من لحم هديه، واحتجوا بحديث جابر، ومن لم يجوز، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم مفردا، وكان هديه تطوعا، ومن قال: كان قارنا، أو متمتعا أجاب بأن الفرض عليه كان سبع بدنة، وكان الفضل تطوعا، فحصل كله من حصة التطوع دون الواجب، وقيل في نحره صلى الله عليه وسلم ثلاثا وستين بيده: إن سنه كان عامئذ ثلاثا وستين، ليكون لكل سنة بدنة.

                                                                            التالي السابق


                                                                            الخدمات العلمية