المسألة الخامسة
[1] . اختلف أصحابنا
والمعتزلة في جواز
nindex.php?page=treesubj&link=14801دخول النيابة فيما كلف به من الأفعال البدنية فأثبته أصحابنا ونفاه
المعتزلة .
حجة أصحابنا على ذلك أنه لو قال القائل لغيره " أوجبت عليك خياطة هذا الثوب ، فإن خطته أو استنبت في خياطته أثبتك ، وإن تركت الأمرين عاقبتك " كان معقولا غير مردود ، وما كان كذلك فوروده من الشارع لا يكون ممتنعا .
ويدل على وقوعه ما روي عن النبي عليه السلام أنه
nindex.php?page=hadith&LINKID=10355105رأى شخصا يحرم بالحج عن شبرمة ، فقال له النبي عليه السلام : " أحججت عن نفسك ، فقال : لا ، فقال له : حج عن نفسك ثم حج عن شبرمة "
[2] . وهو صريح فيما نحن فيه .
فإن قيل : وجوب العبادات البدنية إنما كان ابتلاء وامتحانا من الله تعالى للعبد ، فإنه مطلوب للشارع لما فيه من كسر النفس الأمارة بالسوء وقهرها ، لكونها عدوة لله تعالى على ما قال عليه السلام حكاية عن ربه : " عاد نفسك ، فإنها
[ ص: 150 ] انتصبت لمعاداتي تحصيلا للثواب على ذلك .
وذلك مما لا مدخل للنيابة فيه كما لا مدخل لها في باقي الصفات من الآلام واللذات ونحوها .
قلنا : أما الابتلاء والامتحان بالتكليف لما ذكروه وإن كان مع تعيين المكلف لأداء ما كلف به أشق مما كلف به مع تسويغ النيابة فيه ، فليس في ذلك مما يرفع أصل الكلفة والامتحان فيما سوغ له فيه الاستنابة .
فإن المشقة لازمة له بتقدير الإتيان به بنفسه ، وهو الغالب وبما يبذله من العوض للنائب بتقدير النيابة ويلتزمه من المنة بتقدير عدم العوض ، وليس المراعى في باب التكاليف أشقها وأعلاها رتبة ولذلك كانت متفاوتة
[3] .
وأما الثواب والعقاب فليس مما يجب على الله تعالى في مقابلة الفعل ، بل إن أثاب فبفضله وإن عاقب فبعدله كما عرف من أصلنا ، بل له أن يثيب العاصي ويعاقب الطائع
[4]
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ
[1] . اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا
وَالْمُعْتَزِلَةُ فِي جَوَازِ
nindex.php?page=treesubj&link=14801دُخُولِ النِّيَابَةِ فِيمَا كُلِّفَ بِهِ مِنَ الْأَفْعَالِ الْبَدَنِيَّةِ فَأَثْبَتَهُ أَصْحَابُنَا وَنَفَاهُ
الْمُعْتَزِلَةُ .
حُجَّةُ أَصْحَابِنَا عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ قَالَ الْقَائِلُ لِغَيْرِهِ " أَوْجَبْتُ عَلَيْكَ خِيَاطَةَ هَذَا الثَّوْبِ ، فَإِنْ خِطْتَهُ أَوِ اسْتَنَبْتَ فِي خِيَاطَتِهِ أَثَبْتُكَ ، وَإِنْ تَرَكْتَ الْأَمْرَيْنِ عَاقَبْتُكَ " كَانَ مَعْقُولًا غَيْرَ مَرْدُودٍ ، وَمَا كَانَ كَذَلِكَ فَوُرُودُهُ مِنَ الشَّارِعِ لَا يَكُونُ مُمْتَنِعًا .
وَيَدُلُّ عَلَى وُقُوعِهِ مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ
nindex.php?page=hadith&LINKID=10355105رَأَى شَخْصًا يُحْرِمُ بِالْحَجِّ عَنْ شُبْرُمَةَ ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ : " أَحَجَجْتَ عَنْ نَفْسِكَ ، فَقَالَ : لَا ، فَقَالَ لَهُ : حُجَّ عَنْ نَفْسِكَ ثُمَّ حُجَّ عَنْ شُبْرُمَةَ "
[2] . وَهُوَ صَرِيحٌ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ .
فَإِنْ قِيلَ : وُجُوبُ الْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ إِنَّمَا كَانَ ابْتِلَاءً وَامْتِحَانًا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِلْعَبْدِ ، فَإِنَّهُ مَطْلُوبٌ لِلشَّارِعِ لِمَا فِيهِ مِنْ كَسْرِ النَّفْسِ الْأَمَّارَةِ بِالسُّوءِ وَقَهْرِهَا ، لِكَوْنِهَا عَدُوَّةً لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى مَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ حِكَايَةً عَنْ رَبِّهِ : " عَادِ نَفْسَكَ ، فَإِنَّهَا
[ ص: 150 ] انْتَصَبَتْ لِمُعَادَاتِي تَحْصِيلًا لِلثَّوَابِ عَلَى ذَلِكَ .
وَذَلِكَ مِمَّا لَا مَدْخَلَ لِلنِّيَابَةِ فِيهِ كَمَا لَا مَدْخَلَ لَهَا فِي بَاقِي الصِّفَاتِ مِنَ الْآلَامِ وَاللَّذَّاتِ وَنَحْوِهَا .
قُلْنَا : أَمَّا الِابْتِلَاءُ وَالِامْتِحَانُ بِالتَّكْلِيفِ لِمَا ذَكَرُوهُ وَإِنْ كَانَ مَعَ تَعْيِينِ الْمُكَلَّفِ لِأَدَاءِ مَا كُلِّفَ بِهِ أَشَقَّ مِمَّا كُلِّفَ بِهِ مَعَ تَسْوِيغِ النِّيَابَةِ فِيهِ ، فَلَيْسَ فِي ذَلِكَ مِمَّا يَرْفَعُ أَصْلَ الْكُلْفَةِ وَالِامْتِحَانِ فِيمَا سُوِّغَ لَهُ فِيهِ الِاسْتِنَابَةُ .
فَإِنَّ الْمَشَقَّةَ لَازِمَةٌ لَهُ بِتَقْدِيرِ الْإِتْيَانِ بِهِ بِنَفْسِهِ ، وَهُوَ الْغَالِبُ وَبِمَا يَبْذُلُهُ مِنَ الْعِوَضِ لِلنَّائِبِ بِتَقْدِيرِ النِّيَابَةِ وَيَلْتَزِمُهُ مِنَ الْمِنَّةِ بِتَقْدِيرِ عَدَمِ الْعِوَضِ ، وَلَيْسَ الْمُرَاعَى فِي بَابِ التَّكَالِيفِ أَشَقَّهَا وَأَعْلَاهَا رُتْبَةً وَلِذَلِكَ كَانَتْ مُتَفَاوِتَةً
[3] .
وَأَمَّا الثَّوَابُ وَالْعِقَابُ فَلَيْسَ مِمَّا يَجِبُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي مُقَابَلَةِ الْفِعْلِ ، بَلْ إِنْ أَثَابَ فَبِفَضْلِهِ وَإِنْ عَاقَبَ فَبِعَدْلِهِ كَمَا عُرِفَ مِنْ أَصْلِنَا ، بَلْ لَهُ أَنْ يُثِيبَ الْعَاصِيَ وَيُعَاقِبَ الطَّائِعَ
[4]