وقال قائلون منهم : حتى تكون الزيادة أوقية وهي أربعون درهما ، وممن قال ذلك منهم : ليس فيما زاد على خمس أواق من الورق صدقه . ورووا ذلك عن أبو حنيفة رضي الله عنه - . عمر بن الخطاب -
539 - حدثنا قال : حدثنا علي بن عبد الرحمن ، قال : حدثنا سعيد بن أبي مريم ، قال : حدثني يحيى بن أيوب ، عن حميد الطويل ، قال : " جعلني أنس بن مالك ، رضي الله عنه - على الختانة ، وأمرني أن آخذ إذا بلغ المسلم ماله مائتي درهم خمسة دراهم ، وما زاد ففي كل أربعين درهم ، وجعل عمر بن الخطاب - على الصلاة " . أبا موسى الأشعري
وهذان القولان فهما اللذان وجدناهما في هذا الباب من أقوال المتقدمين ، لا ثالث لهما .
ولما اختلفوا في ذلك نظرنا فيما اختلفوا فيه منه لنعطفه على ما يجمعون عليه من أشكاله ، فوجدنا الأصل المتفق عليه أنه ثم لا شيء فيما زاد على ذلك العدد المعلوم حتى تبلغ عددا آخر معلوما ، ثم كذلك هي أبدا ما تناهت فيها زيادة ترجع من عدد معلوم فيكون فيما زاد فيه بحساب ما قبله من العدد المعلوم . لا شيء في المواشي السائمة من الإبل ، والبقر ، والغنم ، حتى تبلغ عددا معلوما ،
فلما كان ما ذكرنا كذلك ، وكانت الورق لا تجب الزكاة فيها حتى تبلغ وزنا معلوما ولم يكن في هذا الباب الذي ذكرنا من أقوال أهل العلم من المتقدمين غير القولين اللذين حكيناهما ، وكان في أحدهما سقوط المقدار المعلوم فيما زاد على الخمس أواق ، وكان في الآخر ثبوت المقدار المعلوم فيما زاد عليها بثبت المقدار المعلوم الذي ذكرنا فيها وهو الأوقية التي وزنها أربعون درهما كما قال . أبو حنيفة
وكان من حجة في ذلك على أبي يوسف أنه قد وجدنا السنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : أبي حنيفة وكان ما زاد على الخمسة مما تخرج الأرض ففيه من الزكاة بحساب ذلك . ألا صدقة في أقل من خمسة أوسق ،
قال : وما تخرج الأرض مما ذكرنا فمكيل ، وما فيه الزكاة من الورق الذي وصفنا [ ص: 268 ] فموزون ، وما فيه الزكاة من المواشي التي ذكرنا فمعدود ، فالموزون بالمكيل أشبه منه بالمعدود .
وكان من الحجة على أبي يوسف أنا قد رأينا ما تخرج الأرض تجب فيه الزكاة بخروجه منها ، لا بحول يأتي عليه بعد ذلك ، فإذا أديت عنه الزكاة لم تجب فيه بعد ذلك زكاة ، وخرج من أموال الزكاة . لأبي حنيفة
ورأينا الدراهم والدنانير ليست كذلك ، فلا تجب الزكاة فيها حتى يحول الحول عليها بعد ملك الذي ملكها إياها ، ثم لا يخرج بعد ذلك الأداء عليها من حكم الزكاة فيها عند كل حول يأتي عليها عنده ، وكانت الدراهم التي هذا حكمها بالسواء ، ثم التي هذا حكمها أشبه منها بما يخرج من الأرض مما حكمه خلاف ذلك .
وحجة أخرى : أنا قد رأينا يوسف قد قال فيمن أخرجت أرضه خمسة أوسق مما يجب فيه العشر أو نصف العشر وعليه دين : إن الدين الذي عليه لا يسقط الزكاة مما أخرجته الأرض ، وإنه لو كان عنده خمس أواق من الورق أو خمس ذود من الإبل ، أو ثلاثون من البقر ، أو أربعون من الغنم سالمة وعليه دين ، إن الدين الذي عليه يسقط عنه حكم الزكاة فيما له من ذلك ، فسوى بين حكم الورق وبين حكم المواشي في ذلك ، وخالف بين حكم ذلك كله وبين حكم ما أخرجته الأرض .
وإن أرضا لو كانت لصبي لم يبلغ ، أو لمجنون مطبق عليه ، فأخرجت خمسة أوسق مما فيه الزكاة ، إن فيما أخرج من ذلك الزكاة كهو لو كان لرجل بالغ صحيح ، وأنه لا زكاة عليهما في ذهبهما ، ولا في ورقهما ، ولا في سوائمهما فحكم الورق والذهب في ذلك أيضا بحكم المواشي ، لا بحكم ما تخرجه الأرض .
وإن أرضا لو كانت لرجل بالغ صحيح ، فأخرجت خمسة أوسق مما تجب فيه الزكاة ، ثم مات قبل أدائه الواجب عليه في ذلك ، إنه مأخوذ بعد موته كما كان مأخوذا في حياته ، وإنه لو كانت له ورق أو ذهب ، أو سوائم فوجبت فيها الزكاة ، ثم مات قبل أدائه الواجب عليه فيها إنه غير مأخوذ بعد وفاته ، فحكم لذلك أيضا بحكم المواشي ، وجعل حكمها حكم الورق والذهب في ذلك حكما واحدا ، وخالف بين ذلك وبين حكم ما أخرجته الأرض في أشباه لهذا كثيرة ، يغني ما ذكرنا منها عن ذكر جميعها .
ويجب بما ذكرناه منها على لأبي حنيفة اشتباه حكم الورق والذهب بالمواشي ، لا بحكم ما تخرج الأرض ، على أن أبي يوسف لم يكن يقول : إنه لا شيء فيما تخرج الأرض حتى يكون خمسة أوسق كما قال أبا حنيفة رحمه الله ، بل كان يقول : ما أخرجت الأرض من قليل وكثير غير الحطب والقصب والحشيش ، ففيه العشر أو نصف [ ص: 269 ] العشر ، وذهب إلى أن ما روي في ذلك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بلا توقيت فيه أولى مما روي عنه في ذلك بالتوقيت . أبو يوسف
وقد تقدمه في قوله هذا مجاهد ، وسنأتي بذلك وبما روي فيه مما يوافق كل واحد من المذهبين ، وما يوجبه النظر لكل واحد من القولين على الآخر في موضعه من كتابنا هذا إن شاء الله تعالى . وإبراهيم النخعي ،
فكان احتجاج فيما اختلف فيه هو أبي يوسف وأبو حنيفة فيه مما ذكرنا غير لازم وهذا الذي ذكرناه في الأموال العين من الورق ، والذهب ، وفي النقر منها . لأبي حنيفة ،
فأما ما كان من الدراهم والدنانير دينا على ملئ ، مقر به ، فهو كالعين منها في جميع ما ذكرنا ، والزكاة فيه واجبة كوجوبها في العين منها ، إلا أن زكاته التي تجب فيه أيضا على الذي هي عليه أن يخرجها منه إذا قبضه ، وإن أخرج ذلك من ماله الذي في يده عن الدين الذي له أجزأ ذلك عنه .