وأما إذا كان على جاحد له ، غير مقر به ، فأقام عليه سنين متواليات ، ثم أقر به أو قامت عليه بينة به فخرج منه إلى صاحبه ، فإن أهل العلم يختلفون في ذلك ، فقائلون منهم يقولون : لا زكاة فيه ، وممن قال ذلك منهم : أبو حنيفة ، وأبو يوسف ، ومحمد .
حدثنا بذلك من قولهم محمد بن العباس ، عن عن علي بن معبد ، محمد ، عن عن أبي يوسف ، رحمه الله ، ولم يحك فيه خلافا بينهم . أبي حنيفة
وحدثنا محمد بن العباس أيضا ، عن يحيى بن سليمان الجعفي ، عن عن الحسن بن زياد اللؤلؤي ، بذلك . ورووا ذلك عن أبي يوسف عمر بن عبد العزيز .
540 - حدثنا يونس ، قال : حدثنا أن ابن وهب ، أخبره ، عن مالكا أيوب السختياني ، رضي الله عنه - : " كتب في مال قبضه بعض الولاة ظلما يأمره أن يرده إلى [ ص: 270 ] أهله ، وتؤخذ زكاته لما مضى من السنين ، عمر بن عبد العزيز - ثم أعقب ذلك بكتاب : ألا يؤخذ منه إلا زكاة واحدة ، فإنه كان مالا ضمارا " . أن
قال رحمه الله : ومعنى قول أبو جعفر في هذا عندنا ألا يؤخذ إلا زكاة واحدة ، إنه كان يذهب إلى أن من ملك مالا وجبت عليه فيه الزكاة ساعة ملكه على ما قد روي في ذلك عن عمر بن عبد العزيز ثم لا زكاة فيه بعد ذلك في ذلك الحول ، وسنأتي بذلك وبما روي فيه ، وبأقوال أهل العلم فيه في موضعه من كتابنا هذا إن شاء الله تعالى . ابن عباس .
وقال آخرون منهم إن الزكاة واجبة فيه كما تجب في الديون التي تكون على الأملياء المقرين بها حدثنا بذلك من قوله زفر بن الهذيل : محمد بن العباس ، عن يحيى بن سليمان الجعفي ، عن عن الحسن بن زياد ، . زفر
وكان من حجة ذلك أن المغصوب لم يزل ملكه عن المال الذي غصبه بالغصب الذي كان . زفر
قال : ولما كان ملكه على ماله ، فإنما كان عليه فيه من الزكاة ما على ذوي الأموال من الزكوات في أموالهم .
وكان من الحجة عليه للآخرين في ذلك : أنا رأينا ذوي الأموال إذا منعوا من أموالهم في حل الصدقات لهم كمن لا مال له ، وكان ما يأخذون من الصدقات في أحوالهم تلك حلالا لهم . ولو ردت عليهم أموالهم بعد ذلك لم يجب عليهم رد الصدقات التي كانوا أخذوها في حالهم الذي كانوا فيها ممنوعين من أموالهم ، وجعلوا بعود أموالهم إليهم كهم لو ملكوا أموالا حينئذ .
فكان النظر على ذلك أن يكونوا كذلك في سقوط الزكاة عنهم ، وأن يكونوا في رجوع أموالهم إليهم كالمستفدين لها حينئذ ، ولا تجب الزكاة عليهم فيها إلا بحلول حول عليها بعد ما صارت إليهم أموالهم .
كذلك أيضا فكان من الحجة على قائل هذا القول أنا قد رأينا الرجل الذي يكون ممنوعا من ماله بمسافة تكون منه وبينه لا يمكنه معها الوصول إلى ماله حتى يحتاج كحاجة من لا مال له ، أنه يكون بذلك ابن سبيل ، وأنه تحل له الصدقة ، ويطيب له ما يأخذه منها ، وإنه إن وصل بعد ذلك إلى ماله حرمت عليه الصدقة في المستأنف ، ولم يكن عليه رد ما كان أخذه منها على أهلها الذين كانوا تصدقوا بها عليه ، ولم يكن ذلك يسقط عنه زكاة ماله الذي كان غائبا عنه [ ص: 271 ] . لزفر
فلما كان حل الصدقة له لغيبة ماله عنه غير مسقط عنه وجوب الزكاة في ماله ، كان كذلك حل الصدقة له بالمنع الذي ذكرناه في ماله غير مسقط وجوب الزكاة فيه .
وقد رأينا ما عذر به العباد ، فأسقطت عنهم الفروض بالفقر ، وببعد المسافة فيما بينهم وبينه ، وبمنع بني آدم إياهم منه سواء من ذلك أن رجلا لو كان في مفازة في سفر ، فكان بينه وبين الماء مسافة طويلة ، لا يمكنه الوصول إليه حتى يذهب وقت الصلاة ، أنه مباح له التيمم .
وإنه لو كان الماء بحضرته مع من لا يدفعه إليه إلا بثمن يبتاعه منه به ، ولم يكن معه ذلك الثمن ، إنه مباح له التيمم وإنه لو كان على نهر ، وعليه عدو يمنعه من الماء ، إنه مباح له أن يتيمم ويصلي . فكانت هذه وجوه قد أباحت له التيمم ، وسقط عنه بها فرض الوضوء للصلاة ، وكان الحكم فيها سواء . وكان القياس على ذلك أن يكون كذلك الممنوع من ماله ببعد المسافة ، وبالمانع له منه من الآدميين سواء في إباحة الصدقة ووجوب الزكاة عليه .
فإن قال قائل : إن المسافة التي ذكرنا هو أدخل نفسه فيها ، فلم يسقط عنه بذلك فرض الله - عز وجل - في الزكاة ، وما سوى ذلك من الغصب لم يدخل عليه بإدخاله إياه على نفسه .
قيل له : وهل بين ما أدخله على نفسه من هذا ، وما دخل عليه بغير فعله من فرق ؟ وقد رأينا الرجل يعجز عن القيام في الصلاة بعلة نزلت به من السماء ، أو بجناية كانت منه على نفسه ككسره رجله ، سواء في سقوط فرض القيام عنه ، لأنه قد صار بالشيئين جميعا عاجزا عن القيام ، فوجب له بذلك حكم العاجزين عن القيام في صلواتهم ، ولم ينظر إلى الذي صار به كذلك .