تأويل قوله تعالى : ( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن   )  
قال الله - عز وجل - : ( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن   ) إلى قوله : ( فمن شهد منكم الشهر فليصمه   )  [ ص: 441 ]  . 
وكان شهر رمضان الذي ذكره الله - عز وجل - لنا شهرا معقولا بالأهلة التي جعلها لنا مواقيت بقوله تعالى : ( يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج   ) ، فأعلمنا عز وجل أن الأهلة مواقيت لنا ولحجنا ، ولما سوى ذلك مما نحتاج إلى الأوقات فيه من أمور ديننا من الصيام ، والعدد ، والإيلاءات ، وما أشبه ذلك ، ولما نحتاج إليه من أمور دنيانا في معاملاتنا وحلول آجال ديوننا . 
ولم يبين لنا عز وجل في هذه الآية عدة الشهور التي تعلم بالأهلة ، وبينه لنا في سورة "براءة" بقوله عز وجل : ( إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم   ) . 
فأخبر عز وجل أن عدة هذه الشهور التي جعلها مواقيت اثنا عشر شهرا . 
وبين ذلك لنا أيضا على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ، بقوله في خطبته على الناس في حجة الوداع :  " إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض ، وإن السنة اثنا عشر شهرا ، منها أربعة حرم " وسنأتي بذلك وبإسناده في موضع الحاجة إن شاء الله تعالى . 
فأعلمنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما ذكرناه عنه من هذا أن هذه الاثني عشر شهرا إذا كملت سنة ، ثم دخلت سنة أخرى ، ثم كذلك الأزمنة في المستأنف أبدا ، ولم يبين عز وجل مقدار ما بين كل هلالين من هذه الأهلة من الأيام والليالي ، وبينه لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم . 
 974  - حدثنا  علي بن معبد ،  قال : حدثنا  روح بن عبادة ،  قال : حدثنا  زكريا بن إسحاق ،  عن  عمرو بن دينار ،  أن  محمد بن جبير  أخبره ، أنه سمع  ابن عباس ،  يقول : إني لأعجب من الذين يصومون قبل رمضان ، إنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا رأيتم الهلال فصوموا ، وإذا رأيتموه فأفطروا ، فإن غم عليكم فعدوا ثلاثين " .  
 975  - حدثنا  إبراهيم بن مرزوق ،  قال : حدثنا  روح ،  فذكر بإسناده ، مثله . 
 976  - حدثنا  أبو بكرة ،  قال : حدثنا إبراهيم بن يسار ،  قال : حدثنا  سفيان بن عيينة ،  قال : حدثنا  عمرو بن دينار ،  عن محمد ،  عن  ابن عباس ،  قال : سمعته يقول ، فذكر مثله . 
 977  - حدثنا محمد بن خزيمة ،  قال : حدثنا  علي بن الجعد ،  قال : حدثنا  شعبة ،  عن  محمد بن زياد ،  قال : سمعت  أبا هريرة   - رضي الله عنه - ، يقول : قال أبو القاسم  صلى الله عليه وسلم : "  [ ص: 442 ] صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ، فإن غم عليكم فعدوا ثلاثين   " . 
 978  - حدثنا فهد ،  قال : حدثنا  الحسن بن الربيع ،  قال : حدثنا إبراهيم بن محمد الرواسي ،  عن  مجاهد ،  عن  الشعبي ،  عن  عدي بن حاتم ،  قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا جاء رمضان فصم ثلاثين إلا أن ترى الهلال قبل ذلك   "  . 
ففيما روينا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما قد عقلنا به أن الشهر لا يجاوز ثلاثين يوما . 
 979  - حدثنا يونس ،  قال : أخبرنا  ابن وهب ،  أن  مالكا  حدثه ، عن  عبد الله بن دينار ،  عن  ابن عمر ،  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : " الشهر تسع وعشرون ، ولا تصوموا حتى تروا الهلال ، ولا تفطروا حتى تروه ، فإن غم عليكم فاقدروا له " .  
فعقلنا بذلك أن الشهر لا يكون أقل من تسع وعشرين ، وعقلنا بما روينا قبله أنه لا يكون أكثر من ثلاثين غير أنه قد روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حديث قصد فيه إلى شهر رمضان ، وإلى ذي الحجة بمعنى أبانها من سائر الشهور . 
 980  - حدثنا  إبراهيم بن مرزوق ،   وعلي بن معبد ،  قالا : حدثنا  روح بن عبادة ،  قال : حدثنا حماد ،  عن سالم أبي عبيد الله بن سالم ،  عن  عبد الرحمن بن أبي بكرة ،  عن أبيه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : " شهرا عيد لا ينقصان : رمضان ، وذو الحجة " .  
 981  - حدثنا إبراهيم ،  قال : حدثنا  عثمان بن عمر بن فارس ،  عن  شعبة ،  عن  خالد الحذاء ،  عن  عبد الرحمن بن أبي بكرة ،  عن أبيه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، مثله . 
فذهب قوم إلى أن ذلك على نقصان العدد ، وأن كل واحد من شهر رمضان ومن ذي الحجة لا يكون أقل من ثلاثين على ظاهر هذا الحديث  [ ص: 443 ]  . 
وذهب آخرون على أن معنى " لا ينقصان " أي : لا يجتمع نقصانهما في عام واحد ، وإن كان كل واحد منهما قد ينقص مع وفاء عدد صاحبه . 
				
						
						
