وقال بهذا القول الذي ذكرنا من نفي الاعتكاف بلا صيام :  سعيد بن المسيب ،   وعروة بن الزبير .  
 1085  - حدثنا الربيع ،  قال : أخبرنا  ابن وهب ،  قال : أخبرني يونس ،  عن  ابن شهاب ،  قال : سمعت سعيدا ،  يقول : " من اعتكف فعليه الصيام ،  وإن لم يوجب على نفسه صياما " . 
 1086  - حدثنا يونس ،  قال : حدثنا  أنس بن عياض ،  عن  هشام بن عروة ،  عن أبيه ، قال : " المعتكف عليه الصوم ، ولا يكون إلا بصوم   " . 
ولما اختلفوا في ذلك ، ولم نجد في كتاب الله عز وجل ما يطلق الاعتكاف بغير صوم ، بل وجدنا فيه ما هو أقرب إلى إيجاب الصوم في الاعتكاف من إطلاق الاعتكاف بلا صوم ، وهو قوله عز وجل : ( ثم أتموا الصيام إلى الليل ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد   ) ، وكان الاعتكاف الذي ذكره هاهنا قد ذكر معه الصوم ، ولم نجد في سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إطلاقه بلا صوم ، إلا ما تعلق به من ذكرنا من حديث  ابن عيينة ،  عن أيوب ،  عن  نافع ،  عن  ابن عمر  في إطلاق النبي - صلى الله عليه وسلم - لعمر  اعتكافه ليلة في المسجد الحرام ،  وقد ذكرنا من خالف  ابن عيينة  في ذلك ، عن أيوب ،  ومن خالف أيوب  في ذلك ، عن  نافع ،  وذكرهما أن سؤال  عمر  رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنما كان على اعتكاف يوم ، لا على اعتكاف ليلة ، ولم نجد في أقوال أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إطلاق ذلك بلا صوم ، إلا ما رويناه عن أبي سهل بن مالك ،  عن  طاوس ،  عن  ابن عباس ،  وروينا مع ذلك عن  عطاء ،  ومجاهد ،  وأبي فاختة ،  عن  ابن عباس  خلاف ذلك ، فكان ثلاثة أولى بالحفظ من واحد . 
ولم نجد في النظر ما يطلق ذلك ، غير أن بعضهم قد كان يحتج في ذلك ، فيقول : لما كان الاعتكاف يكون في الليل الذي لا صوم فيه ، كما يكون في النهار الذي فيه الصوم ثبت بذلك أن الاعتكاف لو كان إنما أطلق في الصوم لخرج منه المعتكف بخروجه من الصوم ، فدخل عليه في ذلك ، أنا وجدنا الاعتكاف لم يطلق للرجال إلا في المساجد ، ولم يطلق  [ ص: 476 ] لهم فيما سواها من الطرقات والمنازل ، ورأينا المعتكف قد يخرج من المسجد للغائط وللبول  إلى المكان الذي ليس من مواطن الاعتكاف ، فلا يخرج بذلك من الاعتكاف ، إذ كان فيهما جميعا معتقدا للاعتكاف غير تارك له ، وإذا كان ما صار إليه من الليل الذي لا صوم فيه ، ومن موطن الغائط والبول الذي لا اعتكاف فيه مما لا بد له منه ، ولم نجد في القياس ما يوجب في ذلك غير أنا وجدنا بعضهم قد كان يدعي القياس في ذلك ويقول : رأيت مواطن الحج كعرفة ،  وهي ليس للإقامة فيها حكم ، إلا أن يكون المقيم فيه في حرمة شيء ، ولا حرمة نجدها تكون عليه إلا الصوم ، فدخل عليه في ذلك أنه في حرمة ، وهي الاعتكاف كما لا يحتاج المقيم في مواطن الحج في حرمة الحج . 
ثم وجدنا المطالبة بعدنا فيه لكل واحد من الفريقين على صاحبه في إيجاب الاعتكاف بالصيام ، أو في إطلاق الاعتكاف بلا صيام ، ولم نجد لذلك مثلا فنعطفه عليه قياسا . 
ووفقنا بما ذكرنا على أن هذا المعنى لا يوصل إليه إلا بالتوقيف ، ووجدنا عن علي ،   وابن عمر ،   وعائشة   - رضي الله عنهم - ، وعن ثلاثة عن  ابن عباس :  أن الاعتكاف لا يكون إلا بصوم ، أثبتنا بذلك الصوم في الاعتكاف ، ولم يطلق لأحد اعتكافا إلا في صوم . 
فإن قال قائل : فقد أطلقتم له الاعتكاف في رمضان الذي قد وجب عليه صومه بغير الاعتكاف . 
قيل له : إنا لم نقل : إن الاعتكاف لا يجب إلا بوجوب الصوم له ، إنما قلنا : لا اعتكاف إلا في صوم ، فمن اعتكف وهو كذلك كان معتكفا ، ومن اعتكف وليس كذلك لم يكن معتكفا ، وهكذا كان  أبو حنيفة ،   ومالك ،   وزفر ،   وأبو يوسف  يقولونه في هذا حتى كانوا يقولون : لو أصبح رجل يوما صائما ، ثم أوجب الاعتكاف على نفسه يومه ودخل معتكفه ،  فأقام فيه كذلك حتى غابت الشمس كان معتكفا . 
				
						
						
