وحكى الخطيب الخوارزمي أن كلب الروم أرسل إلى الخليفة مالا جزيلا على يد رسوله وأمره أن يسأل العلماء عن ثلاث مسائل ; فإن هم أجابوك ابذل لهم المال وإن لم يجيبوك فاطلب من المسلمين الخراج فسأل العلماء فلم يأت أحد بما فيه مقنع ، وكان الإمام إذ ذاك صبيا حاضرا مع أبيه ; فاستأذنه في جواب الرومي فلم يأذن له ، فقام واستأذن من الخليفة فأذن له ; وكان الرومي على المنبر فقال له : أسائل أنت ؟ قال : نعم قال : انزل ; مكانك الأرض ومكاني المنبر فنزل الرومي وصعد أبو حنيفة رحمه الله تعالى فقال : سل فقال : ؟ قال : هل تعرف العدد ؟ قال : نعم قال : ما قبل الواحد . قال : هو الأول ليس قبله شيء قال : إذا لم يكن قبل الواحد المجازي اللفظي شيء ، فكيف يكون قبل الواحد الحقيقي ؟ فقال الرومي : أي شيء كان قبل الله تعالى ؟ قال : إذا أوقدت السراج ; فإلى أي وجه [ ص: 309 ] نوره ؟ فإن ذاك نور يستوي فيه الجهات الأربع فقال : إذا كان النور المجازي المستفاد الزائل لا وجه له إلى جهة ، فنور خالق السموات والأرض الباقي الدائم المفيض : كيف يكون له جهة ؟ قال الرومي : في أي جهة وجه الله تعالى ؟ قال : إذا كان على المنبر مشبه مثلك أنزله ، وإذا كان على الأرض موحد مثلي رفعه { بماذا يشتغل وجه الله تعالى كل يوم هو في شأن } .
16 - فترك المال وعاد إلى الروم .
[ ص: 309 ]