193 - حدثنا قال : ثنا سليمان بن أحمد محمد بن عمر بن خالد الحراني قال : ثنا أبي قال : ثنا قال : ثنا ابن لهيعة عن أبو الأسود محمد بن عبد الرحمن ، في خروج عروة بن الزبير وأصحابه إلى جعفر بن أبي طالب الحبشة ، قال : فبعثت قريش في آثارهم عمارة بن الوليد بن المغيرة المخزومي وعمرو بن العاص السهمي وأمروهما أن يسرعا السير حتى يسبقاهم إلى النجاشي ، ففعلا ، فقدما على النجاشي فدخلا عليه ، فقالا له : " إن هذا الرجل الذي بين أظهرنا ، وأفسد فينا ، تناولك ليفسد عليك دينك ، وملكك وأهل سلطانك ، ونحن لك ناصحون ، وأنت لنا عيبة صدق ، تأتي إلى عشيرتنا بالمعروف ، ويأمن تاجرنا عندك ، فبعثنا قومنا إليك لننذرك فساد ملكك ، وهؤلاء نفر من أصحاب الرجل الذي خرج فينا ، ونخبرك بما نعرف من خلافهم الحق ، أنهم لا يشهدون أن عيسى ابن مريم ، أحسبه قال : (إلها) ولا يسجدون لك إذا دخلوا عليك ، فادفعهم إلينا فلنكفيكهم .
فلما قدم جعفر وأصحابه وهم على ذلك من الحديث وعمرو وعمارة عند النجاشي ، وجعفر وأصحابه على ذلك الحال ، قال : فلما رأوا أن الرجلين قد سبقا ودخلا ، صاح جعفر على الباب : يستأذن حزب الله ، فسمعها النجاشي ، فأذن لهم ، فدخلوا عليه ، فلما دخلوا عليه وعمرو وعمارة عند النجاشي ، قال : أيكم صاح عند الباب ؟ فقال جعفر : أنا هو ، فأمره فعاد لها ، فلما دخلوا سلموا تسليم أهل الإيمان ، ولم يسجدوا له ، فقال عمرو بن العاص وعمارة بن الوليد : ألم نبين لك خبر القوم ؟ فلما سمع النجاشي ذلك أقبل عليهم ، فقال : أخبروني أيها الرهط ما جاء بكم ؟ وما [ ص: 244 ] شأنكم ؟ ولم أتيتموني ولستم بتجار ، ولا سؤال ؟ وما نبيكم هذا الذي خرج ؟ وأخبروني ما لكم لم لا تحيوني كما يحييني من أتاني من أهل بلدكم ؟ وأخبروني ما تقولون في عيسى ابن مريم ؟
فقام وكان خطيب القوم فقال : إنما كلامي ثلاث كلمات ، إن صدقت فصدقني ، وإن كذبت فكذبني ، فأمر أحدا من هذين الرجلين فليتكلم ولينصت الآخر ، قال جعفر بن أبي طالب عمرو : أنا أتكلم ، قال النجاشي : أنت يا جعفر فتكلم قبله .
فقال جعفر : إنما كلامي ثلاث كلمات ، سل هذا الرجل أعبيد نحن أبقنا من أربابنا ؟ فارددنا إلى أربابنا .
فقال النجاشي : أعبيد هم يا عمرو ؟
قال عمرو : بل أحرار كرام .
قال جعفر : سل هذا الرجل : هل أهرقنا دما بغير حقه ؟ فادفعنا إلى أهل الدم .
فقال : هل أهرقوا دما بغير حقه ؟
فقال : ولا قطرة واحدة من دم .
ثم قال جعفر : سل هذا الرجل : أخذنا أموال الناس بالباطل فعندنا قضاء ؟
فقال النجاشي : يا عمرو إن كان على هؤلاء قنطار من ذهب فهو علي .
فقال عمرو : ولا قيراط .
فقال النجاشي : ما تطالبونهم به ؟ [ ص: 245 ]
قال عمرو : فكنا نحن وهم على دين واحد وأمر واحد فتركوه ، ولزمناه .
فقال النجاشي : ما هذا الذي كنتم عليه فتركتموه وتبعتم غيره ؟
فقال جعفر : أما الذي كنا عليه فدين الشيطان وأمر الشيطان ، نكفر بالله ونعبد الحجارة ، وأما الذي نحن عليه فدين الله عز وجل ، نخبرك : أن الله بعث إلينا رسولا كما بعث إلى الذين من قبلنا ، فأتانا بالصدق والبر ، ونهانا عن عبادة الأوثان فصدقناه وآمنا به واتبعناه ، فلما فعلنا ذلك عادانا قومنا وأرادوا قتل النبي الصادق ، وردنا في عبادة الأوثان ، ففررنا إليك بديننا ودمائنا ، ولو أقرنا قومنا لاستقررنا ، فذلك خبرنا .
وأما شأن التحية : فقد حييناك بتحية رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والذي يحيي به بعضنا بعضا ، أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تحية أهل الجنة السلام ، فحييناك بالسلام ، وأما السجود فمعاذ الله أن نسجد إلا لله ، وأن نعدلك بالله .
وأما في شأن عيسى ابن مريم : فإن الله عز جل أنزل في كتابه على نبينا أنه رسول قد خلت من قبله الرسل ، ولدته الصديقة العذراء البتول الحصان ، وهو روح الله وكلمته ألقاها إلى مريم ، وهذا شأن عيسى ابن مريم .
فلما سمع النجاشي قول جعفر أخذ بيده عودا ، ثم قال لمن حوله : صدق هؤلاء النفر ، وصدق نبيهم ، والله ما يزيد عيسى ابن مريم على ما يقول هذا الرجل ولا وزن هذا العود ، فقال لهم النجاشي : امكثوا فإنكم سيوم - والسيوم : الآمنون - قد منعكم الله ، وأمر لهم بما يصلحهم ، فقال النجاشي : أيكم أدرس للكتاب الذي أنزل على نبيكم ؟ قالوا : جعفر ، فقرأ عليهم جعفر سورة مريم ، فلما سمعها عرف أنه الحق ، وقال النجاشي : [ ص: 246 ] زدنا من هذا الكلام الطيب ، ثم قرأ عليه سورة أخرى ، فلما سمعها عرف الحق ، وقال : صدقتم وصدق نبيكم صلى الله عليه وسلم ، أنتم والله صديقون ، امكثوا على اسم الله وبركته آمنين ممنوعين ، وألقي عليهم المحبة من النجاشي .
فلما رأى ذلك عمارة بن الوليد سقط في أيديهما ، وألقى الله بين وعمرو بن العاص عمرو وعمارة العداوة في مسيرهما قبل أن يقدما على النجاشي ليدركا حاجتهما التي خرجا لها من طلب المسلمين ، فلما أخطأهما ذلك رجعا بشر ما كانا عليه من العداوة وسوء ذات البين ، فمكر عمرو بعمارة ، فقال : يا عمارة ، إنك رجل جميل وسيم ، فأت امرأة النجاشي فتحدث عندها إذا خرج زوجها ، تصيبها فتعيننا على النجاشي ، فإنك ترى ما وقعنا فيه من أمرنا لعلنا نهلك هؤلاء الرهط ، فلما رأى ذلك عمارة انطلق حتى أتى امرأة النجاشي ، فجلس إليها يحدثها ، وخالف إلى عمرو بن العاص النجاشي فقال : إني لم أكن أخونك في شيء علمته إذا طلعت عليه ، وإن صاحبي الذي رأيت لا يتمالك عن الزنا إذا هو قدر عليه ، وإنه قد خالف إلى امرأتك ، فأرسل النجاشي إلى امرأته ، فإذا هو عندها ، فلما رأى ذلك أمر به فنفخ في إحليله سحره ، ثم ألقي في جزيرة البحر فعاد وحشيا مع الوحش ، يرد ويصدر معها زمانا ، حتى ذكر لعشيرته ، فركب أخوه ، فانطلق معه بنفر من قومه ، فرصدوه حتى إذا ورد أوثقوه فوضعوه في سفينة ليخرجوا به ، فلما فعلوا به ذلك مات ، وأقبل عمرو إلى مكة قد أهلك الله صاحبه ومنع حاجته " .