ذكر إسلام أبي ذر الغفاري رضي الله عنه : 
 197  - حدثنا أبو علي محمد بن أحمد بن الحسن  قال : ثنا  بشر بن موسى  قال : ثنا  أبو عبد الرحمن المقري  قال : ثنا  سليمان بن المغيرة ،  عن  حميد بن هلال ،  عن عبد الله بن الصامت ،  عن  أبي ذر الغفاري  رضي الله عنه قال : خرجنا من قومنا غفار  وكانوا يحلون الشهر الحرام قال : فخرجت أنا وأخي أنيس  وأمنا فانطلقنا حتى نزلنا على خال لنا فأكرمنا خالنا وأحسن إلينا ، فحسدنا قومنا ، وقالوا له : إنك إذا خرجت من أهلك خالف إليهم أنيس ، فجاء خالنا فنثى علينا ما قيل له ، فقلت له : أما ما مضى من معروفك فقد كدرت ولا جماع لك فيما بعد ، قال : فقربنا صرمتنا  [ ص: 254 ] فاحتملنا عليها وتغطى خالنا بثوبه يبكي ، فانطلقنا حتى نزلنا بحضرة مكة   - وقد صليت يا ابن أخي قبل أن ألقى رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلاث سنين ، فقلت : لمن ؟ فقال : لله ، قلت : أين توجه ؟ قال : أتوجه حيث وجهني الله ، أصلي عشاء حتى إذا كان من السحر ألقيت كأني خفاء ، - يعني خباء - حتى تعلوني الشمس فقال أنيس :  إن لي حاجة بمكة ،  فاكفني حتى آتيك ، فانطلق أنيس  فراث علي - يعني أبطأ - ثم جاء فقلت له : ما حبسك ؟ قال : لقيت رجلا بمكة  على دينك يزعم أن الله أرسله ، قال : قلت له : فما يقول الناس له ؟ قال : يقولون : شاعر ، كاهن ، ساحر ، وكان أنيس  أحد الشعراء ، قال أنيس :  والله لقد سمعت قول الكهنة فما هو بقولهم ، ولقد وضعت قوله على أقراء الشعراء فما يلتئم على لسان أحد يقري أنه شعر ، والله إنه لصادق ، وإنهم لكاذبون ، فقلت : اكفني حتى أذهب فأنظر ، قال : نعم ، وكن من أهل مكة  على حذر ، فإنهم قد شنفوا له وقد تجهموا له . قال : فانطلقت ، وقدمت مكة  فاستضعفت رجلا منهم ، فقلت : أين هذا الذي تدعونه الصابئ ؟ فأشار إلي وقال : الصابئ ؟ قال : فمال علي أهل الوادي بكل مدرة وعظم ، فخررت مغشيا علي فارتفعت حين ارتفعت كأني نصب أحمر فأتيت زمزم فشربت من مائها ، وغسلت عني الدماء ، فلبثت بها - يا ابن أخي - ثلاثين من بين يوم وليلة ، ما لي طعام إلا ماء زمزم ،  فسمنت حتى تكسرت عكن بطني ، وما وجدت على بطني سخفة  [ ص: 255 ] جوع فبينا أهل مكة  في ليلة قمراء إضحيان إذ ضرب الله على أسمختهم فما يطوف بالبيت أحد غير امرأتين ، فأتتا علي وهما تدعوان إسافا ونائلة قال : قلت : أنكحا أحدهما الأخرى قال : فما تناهتا عن قولهما قال : فأتتا علي ، فقلت : هن مثل الخشبة ، غير أني لم أكن ، فانطلقتا تولولان وتقولان : لو كان ها هنا أحد من أنفارنا ؟ فاستقبلهما رسول الله صلى الله عليه وسلم  وأبو بكر  وهما هابطان من الجبل ، فقال : ما لكما ؟ قالتا : الصابئ بين الكعبة وأستارها قال : فما قال لكما ؟ قالتا : قال لنا كلمة تملأ الفم قال : فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه ، فاستلم الحجر وطاف بالبيت ، فأتيته حين قضى صلاته ، فكنت أول من حياه بتحية الإسلام قال : وعليك ورحمة الله ممن أنت ؟ قلت : من غفار ،  فأهوى بيده إلى جبهته هكذا ، فقلت في نفسي : كره أن انتميت إلى غفار ،  فذهبت لآخذ يده ، فدفعني عنه صاحبه وكان أعلم به مني ، فقال : متى كنت هاهنا ؟ فقلت : كنت هاهنا منذ ثلاثين من بين يوم وليلة قال : فمن كان يطعمك ؟ قلت : ما كان لي طعام إلا ماء زمزم ، فسمنت حتى تكسرت عكن بطني ، وما وجدت على بطني سخفة جوع ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنها مباركة إنها طعام طعم ، فقال  أبو بكر :  يا رسول الله ائذن لي في طعامه الليلة قال : ففعل ، فانطلق النبي صلى الله عليه وسلم  وأبو بكر  وانطلقت معهما ، ففتح  أبو بكر  بابا ، فجعل يقبض لنا من زبيب الطائف  قال  أبو ذر :  فذلك أول طعام أكلته بها قال : فغبرت ما  [ ص: 256 ] غبرت ، فلقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : إني وجهت إلى أرض ذات نخل ولا أحسبها إلا يثرب ،  فهل أنت مبلغ عني قومك ؛ عسى أن ينفعهم الله بك ويأجرك فيهم ؟ قال : فانطلقت حتى لقيت أخي أنيسا ،  فقال : ما صنعت ؟ قلت : صنعت أني قد أسلمت وصدقت قال : ما بي رغبة عن دينك ، فإني قد أسلمت وصدقت قال : فأتينا أمنا ، فقالت : ما بي رغبة عن دينكما ، فإني قد أسلمت وصدقت قال : فاحتملنا ، فأتينا قومنا ، فأسلم نصفهم قبل أن يقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وكان يؤمهم إيماء بن رحضة  وكان سيدهم وقال بقيتهم : إذا قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم أسلمنا ، فقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأسلم بقيتهم وجاءت أسلم ، فقالوا : يا رسول الله نسلم على الذي أسلم عليه إخوتنا ، فأسلموا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " غفار غفر الله لها وأسلم سالمها الله .  وفي رواية  ابن عباس :  فخرج ، فنادى : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا  رسول الله ، فقال المشركون : صبأ الرجل صبأ الرجل ، فضربوه حتى سقط ، فمر به  العباس بن عبد المطلب ،  فأكب عليه وقال : يا معشر قريش إنكم تجار وإن طريقكم على غفار  تريدون أن تقطع الطريق عليكم ؟ فأمسكوا عنه ، فلما كان اليوم الثاني عاد لمثل مقامه ، فعادوا لضربه ، فمر به  العباس ،  فقال لهم تلك ، فأمسكوا . 
قال الشيخ : فسر  النضر بن شميل  وغيره غريب الألفاظ . 
قوله : (ألقيت كأني خفاء) : يعني كساء غليظا يتخذ من وبر . 
(شنفوا) : أبغضوا . 
(وتجهموا) : أسمعوه ما يكره . 
(والنصب) : حجر يذبحون عليه . 
(سخفة جوع) : خفته .  [ ص: 257 ] 
. 
(الصابئ) : الذي لا عقل له . 
(الأنفار) : جمع نفر . 
				
						
						
