وخاطب غيره من الأنبياء وقومهم وأخبر عنهم بأسمائهم ، ولم يذكرهم بالكناية التي هي غاية المرتبة ، إلا أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم في جملتهم بمشاركته معهم في الخطاب والخبر ، فأما في حال الانفراد ، فما ذكرهم إلا بأسمائهم ، والكناية عن الاسم غاية التعظيم للمخاطب المجلل والمدعو العظيم ، لأن من بلغ به غاية التعظيم كني عن اسمه ، إن كان ملكا قيل له : يا أيها الملك ، وإن كان أميرا قيل له : يا أيها الأمير ، وإن كان خليفة قيل : يا أيها الخليفة ، وإن كان ديانا قيل : يا أيها الحبر ، أيها القس ، أيها العالم ، أيها الفقيه ، ففضل الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم ، وبلغ به غاية الرتبة وأعالي الرفعة فقال لنبيه : ومن فضائله : إخبار الله عز وجل عن إجلال قدر نبيه صلى الله عليه وسلم ، وتبجيله ، وتعظيمه ، وذلك أنه ما خاطبه في كتابه ، ولا أخبر عنه إلا بالكناية التي هي النبوة والرسالة التي لا أجل منها فخرا ، ولا أعظم خطرا ، يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا ، يا أيها النبي حسبك الله ، يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر ، يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك في آيات كثيرة [ ص: 41 ] ، وخاطب آدم ومن دونه من النبيين بأسمائهم وكذلك الإخبار عنهم ، فقال : يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة ، وعصى آدم ربه فغوى في الإخبار عنه ، و يا نوح اهبط ، ونادى نوح ابنه ، و يا إبراهيم أعرض عن هذا ، و وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت ، و يا موسى إني اصطفيتك على الناس ، وقال : فوكزه موسى فقضى عليه ، و يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك ، وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل ، وكذلك غيرهم من الأنبياء يا هود ما جئتنا ببينة ، و يا صالح ائتنا بما تعدنا ، و يا داود إنا جعلناك ، ولقد فتنا سليمان ، و يا زكريا إنا نبشرك ، و يا يحيى خذ الكتاب ، كل أولئك خوطبوا بأسمائهم .
فكل موضع ذكر محمدا عليه السلام باسمه أضاف إليه ذكر الرسالة ، فقال : وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل ، وقال : محمد رسول الله ، وقال : ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله ، وقال : وآمنوا بما نزل على محمد وهو الحق من ربهم ، بمحمد ، ولو لم يسمه لم يعلم اسمه من الكتاب ، وكذلك سائر الأنبياء لو لم يسموا في الكتاب ما عرفت أساميهم ، كتسمية الله له محمدا ، وذلك كله زيادة في جلالته ونبالته ونباهته ، وشرفه ؛ لأن اسمه مشتق من اسم لله ، كما مدحه عمه فقال : فسماه ليعلم من جحده أن أمره وكتابه هو الحق ؛ ولأنهم لم يعرفوه إلا
وشق له من اسمه ليجله فذو العرش محمود وهذا محمد
ثم جمع في الذكر بين اسم خليله ونبيه ، فسمى خليله باسمه [ ص: 42 ] وكنى حبيبه بالنبوة ، فقال : إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي ، فكناه إجلالا ، ورفعه لفضل مرتبته ، ونباهته عنده .
ثم قدمه في الذكر على من تقدمه في البعث ، فقال : إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب إلى قوله تعالى : وآتينا داود زبورا ، وقال : وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح .