خرجت يوم الخندق أقفو آثار الناس ، فوالله إني لأمشي إذ سمعت وئيد الأرض من خلفي - تعني حس الأرض - فالتفت فإذا أنا بسعد بن معاذ ، فجلست إلى الأرض ، ومعه ابن أخيه الحارث بن أوس - شهد بدرا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم - يحمل مجنة ، وعلى سعد درع من حديد ، وقد خرجت أطرافه منها ، قالت ، وكان من أعظم الناس وأطولهم ، قالت ، وأنا أخاف على أطراف سعد ، قالت ، فمر بي وهو يرتجز يقول :
لبث قليلا يدرك الهيجا حمل ما أحسن الموت إذا حان الأجل
قالت : فلما جاوزني قمت فاقتحمت حديقة فيها نفر من المسلمين ، فيهم ومنهم رجل عليه تسبغة له - والتسبغة : المغفر لا يرى إلا عيناه - قال عمر بن الخطاب : لعمرك إنك لجرية ، ما جاء بك ؟ ما [ ص: 503 ] يدريك لعله يكون تحرف أو بلاء ؟ فوالله ما زال يلومني حتى وددت أن الأرض تنشق بي ، فأدخل فيها ، فكشف الرجل التسبغة عن وجهه فإذا هو عمر طلحة قال : إنك قد أكثرت ، أين الفرار وأين التحرف إلا إلى الله ؟ قال ، سعد يومئذ بسهم ، رماه رجل يقال له ابن العرقة فقال : خذها وأنا ابن العرقة ، فقال له سعد : عرق الله وجهك في النار ، فأصاب الأكحل منه فقطعه ، - قال فرمي فزعموا أنه لم يقطع من أحد إلا لم يزل يبض دما حتى يموت - فقال محمد بن عمرو سعد : اللهم لا تمتني حتى تقر عيني من بني قريظة ، وكانوا حلفاءه ومواليه في الجاهلية ، وكانوا ظاهروا المشركين على رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ ، فرقأ كلمه ، فبعث الله عليهم الريح فلم تترك لهم إناء إلا أكفأته ، ولا بناء إلا قلعته ، ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال .