97 - فحدثني عبد الصمد بن محمد السعدي ، عن أبيه ، عن جده قال : [ ص: 160 ] حدثني بعض من كان يرعى غنم حليمة : إنهم كانوا يرون غنما لها ما ترفع رؤوسها ، ويرى الخضر في أفواهها وأبعارها ، وما تزيد غنمنا على أن تربض ، ما تجد عودا تأكله ، فتروح الغنم أغرث منها حين غدت ، وتروح غنم حليمة يخاف عليها الحبط .
قالوا : بوادي السرر لقيت نفرا من الحبشة وهم خارجون منها ، فرافقتهم ، فسألوها ، فنظروا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم نظرا شديدا ، ثم نظروا إلى خاتم النبوة بين كتفيه ، وإلى حمرة في عينيه ، فقالوا : يشتكي أبدا عينيه ؟ للحمرة التي فيها ، قالت : لا ، ولكن هذه الحمرة لا تفارقه ، فقالوا : هذا والله نبي ، فغالبوها عليه فخافتهم ، أن يغلبوها ، فمنعه الله عز وجل ، فدخلت به على أمه وأخبرتها بخبره وما رأوا من بركته وخبر فمكث سنتين صلى الله عليه وسلم حتى فطم ، فكأنه ابن أربع سنين ، فقدموا به على أمه زائرين لها وهم أحرص شيء على مكانه ؛ لما رأوا من عظم بركته ، فلما كانوا الحبشة ، فقالت آمنة : ارجعي بابني ؛ فإني أخاف عليه وباء مكة ، فوالله ليكونن له شأن ، فرجعت به .
وقام سوق ذي المجاز ، فحضرت به ، وبها يومئذ عراف من هوازن يؤتى إليه بالصبيان ينظر إليهم ، فلما نظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى الحمرة في عينيه ، وإلى خاتم النبوة ؛ صاح : يا معشر العرب فاجتمع إليه أهل [ ص: 161 ] الموسم قال : اقتلوا هذا الصبي ، فانسلت به حليمة ، فجعل الناس يقولون : أي صبي هو ؟ فيقول : هذا الصبي ، فلا يرون شيئا ، قد انطلقت به أمه ، فيقال له : ما هو ؟ فيقول : رأيت غلاما ، وآلهته ليغلبن أهل دينكم ، وليكسرن أصنامكم ، وليظهرن أمره عليكم ، فطلب بعكاظ فلم يوجد ، ورجعت به حليمة إلى منزلها ، فكانت لا تعرضه لأحد من الناس ، وقد نزل بهم عراف فأخرج إليه الصبيان أهل الحاضر ، وأبت حليمة أن تخرجه إليه ، إلى أن غفلت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج من الظلة ، فرآه العراف ، فدعاه ، فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخل الخيمة ، فجهد بهم العراف أن يخرج إليه فأبت ، فقال : هذا نبي ، هذا نبي .
فلما بلغ أربع سنين كان يغدو مع أخيه وأخته في البهم قريبا من الحي ، قال : فبينما هو يوما مع أخيه في البهم إذ رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أخذته غمية ، فجعل يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يجيبه ، فخرج الغلام يصيح بأمه : أدركي أخي القرشي ، فخرجت أمه تعدو ومعها أبوه ، فيجدان رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعدا منتقع اللون ، فسألت أمه أخاه : ما رأيت ؟ قال : طائرين أبيضين فوقنا ، فقال أحدهما : أهو هو ؟ قال : نعم ، فأخذاه فاستلقياه على ظهره ، فشقا بطنه ، فأخرجا ما كان في بطنه ، ثم قال أحدهما : ائتني بماء ثلج ، فجاء به فغسل بطنه ، ثم قال : ائتني بماء ورد ، فجاء فغسل بطنه ، ثم أعاده كما هو ، قال : فلما رأى أبوه ما أصابه شاورت أمه أباه وقالت : نرى أن نرده إلى أمه ، إنا نخاف [ ص: 162 ] أن يصيبه عندنا ما هو أشد من هذا ، فنرده إلى أمه فيعالج ، فإني أخاف أن يكون به لمم ، فقال أبوه : لا والله ما به لمم ، إن هذا أعظم مولود رآه أحد بركة ، والله إن أصابه ما أصابه إلا حسدا من آل فلان ، لما يرون من عظم بركته مذ كان بين أظهرنا يا حليمة ، قالت : إني أخاف عليه ، فنزلت به إلى أمه فذكرت من بركته وخيره ، ولكنه قد كان من شأنه ، فأخبرتها خبره .
قال رجع إلى أمه وهو ابن خمس سنين . وكان غيره يقول : رد إلى أمه وهو ابن أربع سنين ، وكان معها إلى أن بلغ ست سنين . ابن عباس :