193  - أخبرنا  أبو سعيد بن أبي عمرو ،  ثنا  أبو العباس الأصم ،  أبنا  الربيع ،  أبنا  الشافعي  في كتاب الإقرار بالحكم الظاهر ، فذكر فصلا طويلا في رد الاجتهاد على غير أصل ،  وذلك فيما احتج به قول الله تعالى وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول  فجعل الناس تبعا لهما لم يهملهم ، والاجتهاد ليس عينا قائمة ، إنما هو شيء يحدثه من نفسه ، ولم يؤمر باتباع نفسه إنما أمر باتباع غيره ، فإحداثه على الأصلين اللذين افترض الله عليه أولى به من إحداثه على غير أصل ، وذكر مثال ذلك : الكعبة من رآها صلى إليها ، ومن غاب عنها توجه إليها بالدلائل عليها لأنها الأصل ، فإن صلى غائبا عنها برأي نفسه بغير اجتهاد بالدلائل عليها كان مخطئا وكانت عليه الإعادة . 
وقال رضي الله عنه : فجزاء مثل ما قتل من النعم  والمثل للمقتول ، وقد يكون غائبا ، فإنما يجتهد على أصل الصيد المقتول ، فينظر إلى أقرب الأشياء به شبها فيهديه ، ومثل أذان  ابن أم مكتوم  في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان رجلا أعمى ، لا ينادي حتى يقال له : أصبحت ، أصبحت ، فلو جاز الاجتهاد على غير أصل  كان لابن أم مكتوم  أن يؤذن بغير إخبار غيره له أن الفجر قد طلع ، ولكن لما لم تكن فيه آلة الاجتهاد على الأصل لم يجز اجتهاده  [ ص: 182 ] حتى يخبره من قد اجتهد على الأصل ، ثم ساق الكلام إلى أن قال فإن قيل : فقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم سعدا أن يحكم في بني قريظة  ، فحكم برأيه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " وافقت حكم الله فيهم " ؟ قيل هو مثل قول الله تعالى : وشاورهم في الأمر   على معنى استطابة أنفس المستشارين ، أو المستشار منهم ، والرضى بالصلح على ذلك ، ووضع الحرب بذلك السبب لا أن برسول الله صلى الله عليه وسلم حاجة إلى مشورة أحد ، والله يؤيده بنصره ، بل لله ولرسوله المن والطول على جميع خلقه . 
فيحتمل أن يكون قوله له " احكم " على هذا المعنى . 
أو يكون قد علم من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، سنة في مثل هذا ، فحكم على مثلها ، أو يحكم فيوفقه الله لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم صواب ذلك ، فيقره عليه ، أو يعرف غير ذلك فيعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك بطاعة الله . قال : فإن قيل : فقد أكلوا الحوت بغير حضور النبي صلى الله عليه وسلم بلا أصل عندهم - يعني أصحاب  أبي عبيدة -  قيل : لموضع الضرورة والحاجة إلى أكله على أنهم ليسوا على يقين من حله ، ألا تراهم سألوا عن ذلك . 
أو لا ترى أصحاب  أبي قتادة  في الصيد الذي صاده ، إذ لم يكن بهم حاجة إلى أكله أمسكوا ، إذ لم يكن عندهم أصل ، حتى سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك . 
وذكر  الشافعي   - رضي الله عنه - لهم عند هذا من أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبعث عماله وسراياه ، ويأمر الناس بطاعتهم وقد فعلوا برائهم . 
ثم أجاب عنه بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر بطاعة الله عز وجل ورسوله - صلى الله عليه وسلم - ويأمر من أمر عليه أميرا (أن يطيعوه ما أطاع الله ، فإذا عصى الله فلا طاعة له عليهم ، وأنه كره لهم كل شيء فعلوه برأي أنفسهم من الحرق ، والقتل ، وأباح لهم كل ما عملوه مطيعين فيه لله ولرسوله ) . 
فلو لم يكن لنا حجة في رد الاجتهاد على غير أصل ، إلا ما احتججت به أن النبي صلى الله عليه وسلم كره لهم ، ونهاهم عن كل أمر فعلوه برأي أنفسهم لكان فيه كفاية  [ ص: 183 ]  . 
 194  - قال الإمام  أبو بكر البيهقي  رضي الله عنه : والأحاديث التي أشار إليها  الشافعي  رضي الله عنه مخرجة في كتاب السنن في مواضعها . 
 195  - وقوله أمسكوا يريد به بعض من كان مع  أبي قتادة .  
 [ ص: 184 ] 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					