(أنا ) ، نا أبو سعيد ، أنا أبو العباس ، أنا الربيع ، قال : " قال الله (تبارك وتعالى ) لنبيه (صلى الله عليه وسلم ) في أهل الكتاب : ( الشافعي فإن جاؤوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم وإن تعرض عنهم فلن يضروك شيئا وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط ) ".
" قال : في هذه الآية ، بيان (والله أعلم ) : أن الله (عز وجل ) جعل لنبيه (صلى الله عليه وسلم ) الخيار : في أن يحكم بينهم ، أو يعرض عنهم . وجعل عليه - : إن حكم . - : أن يحكم بينهم بالقسط . والقسط : حكم الله الذي أنزل على نبيه (صلى الله عليه وسلم ) : المحض الصادق ، أحدث الأخبار عهدا بالله (عز وجل ) . قال الله عز وجل : ( الشافعي وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم ) الآية. قال : وفي هذه الآية ، ما في التي قبلها : من أمر الله (عز وجل ) [ ص: 74 ] له ، بالحكم : بما أنزل الله إليه ".
" قال : وسمعت من أرضى - : من أهل العلم . - يقول في قول الله عز وجل : ( وأن احكم بينهم بما أنزل الله ) : إن حكمت ؛ لا : عزما أن تحكم ". .
ثم ساق الكلام ، إلى أن قال : " أنا ، عن إبراهيم بن سعد ، عن ابن شهاب ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة - أنه قال : كيف تسألون أهل الكتاب عن شيء : وكتابكم الذي أنزل الله على نبيه (صلى الله عليه وسلم ) : أحدث الأخبار ، تقرؤونه محضا : لم يشب . ؟ ! [ ص: 75 ] ألم يخبركم الله في كتابه : أنهم حرفوا كتاب الله (عز وجل ) وبدلوا ، وكتبوا كتابا بأيديهم ، فقالوا : ( ابن عباس هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا ) . ؟ ! ألا ينهاكم العلم الذي جاءكم ، عن مسألتهم ؟ ! والله : ما رأينا رجلا منهم قط : يسألكم عما أنزل الله إليكم ". .
هذا : قوله في كتاب الحدود ؛ وبمعناه : أجاب في كتاب القضاء باليمين مع الشاهد ؛ وقال فيه :
" فسمعت من أرضى علمه ، يقول : ( وأن احكم بينهم ) : إن حكمت ؛ على معنى قوله : ( فاحكم بينهم أو أعرض عنهم ) . فتلك : مفسرة ؛ وهذه : جملة ".
" وفي قوله عز وجل : ( فإن تولوا ) ؛ دلالة : على أنهم إن تولوا : لم يكن عليه الحكم بينهم . ولو كان قول الله عز وجل : ( وأن احكم بينهم بما أنزل الله ) ؛ إلزاما منه للحكم بينهم - : [ ص: 76 ] ألزمهم الحكم : متولين . لأنهم إنما يتولون : بعد الإتيان ؛ فأما : ما لم يأتوا ؛ فلا يقال لهم : تولوا ". .
وقد أخبرنا - في كتاب الجزية - : نا أبو سعيد ، أنا أبو العباس ، أنا الربيع ، قال : " لم أعلم مخالفا - : من أهل العلم بالسير . - : أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) لما نزل الشافعي المدينة : وادع يهود كافة على غير جزية ؛ [و ] أن فإن جاؤوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم ) ؛ إنما نزلت : في اليهود الموادعين : الذين لم يعطوا جزية ، ولم يقروا : بأن تجري عليهم . وقال بعضهم : نزلت في اليهوديين اللذين زنيا ". قول الله (عز وجل ) : (
" قال : والذي قالوا ، يشبه ما قالوا ؛ لقول الله عز وجل : ( وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله ) ؛ [ ص: 77 ] وقال : ( وأن احكم بينهم بما أنزل الله ) . . . ( فإن تولوا ) ؛ يعني (والله أعلم ) : فإن تولوا عن حكمك [بغير رضاهم ] . فهذا يشبه : أن يكون ممن أتاك : غير مقهور على الحكم ".
" والذين حاكموا إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) - في امرأة منهم ورجل : زنيا . - : موادعون ؛ فكان في التوراة : الرجم ؛ ورجوا : أن لا يكون من حكم رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) . فجاؤوا بهما : فرجمهما رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) ". . وذكر فيه حديث . ابن عمر
قال : " فإذا وادع الإمام قوما - : من أهل الشرك . [ ص: 78 ] ولم يشترط : أن يجري عليهم الحكم ؛ ثم جاؤوه متحاكمين - : فهو بالخيار : بين أن يحكم بينهم ، أو يدع الحكم . فإن اختار أن يحكم بينهم : حكم بينهم حكمه بين المسلمين . فإن امتنعوا - بعد رضاهم بحكمه - : حاربهم ". الشافعي
" قال : وليس للإمام الخيار في أحد - : [من ] المعاهدين : الذين يجري عليهم الحكم . - : إذا جاؤوه في حد لله (عز وجل ) . وعليه : أن يقيمه ".
" قال : وإذا أبى بعضهم على بعض ، ما فيه [له ] حق عليه ؛ فأتى طالب الحق إلى الإمام ، يطلب حقه - : فحق لازم للإمام (والله أعلم ) : أن يحكم [له ] على من كان له عليه حق : منهم ؛ [ ص: 79 ] وإن لم يأته المطلوب : راضيا بحكمه ؛ وكذلك : إن أظهر السخط لحكمه . لما وصفت : من قول الله عز وجل : ( وهم صاغرون ) . فكان الصغار (والله أعلم ) : أن يجري عليهم حكم الإسلام ". . وبسط الكلام في التفريع .
وكأنه وقف - حين صنف كتاب الجزية - : أن آية الخيار وردت في الموادعين ؛ فرجع عما قال - في كتاب الحدود - في المعاهدين : فأوجب الحكم بينهم بما أنزل الله (عز وجل ) . إذا ترافعوا إلينا .
* * *
[ ص: 80 ]