فصل: قال الشيخ أبو الفرج رحمه الله: خلقتني من نار وخلقته من طين ) ثم أردف ذلك بالاعتراض على الملك الحكيم، فقال: ( وينبغي أن تعلم أن إبليس شغله التلبيس أول ما التبس عليه الأمر فأعرض عن النص الصريح على السجود، فأخذ يفاضل بين الأصول، فقال: ( أرأيتك هذا الذي كرمت علي ) والمعنى أخبرني لم كرمته علي؟ غرر ذلك الاعتراض أن الذي فعلته ليس بحكمة، ثم أتبع ذلك بالكبر فقال: ( أنا خير منه ) ثم امتنع عن السجود، فأهان نفسه التي أراد تعظيمها باللعنة، والعقاب.
فمتى سول للإنسان أمرا فينبغي أن يحذر منه أشد الحذر، وليقل له حين أمره إياه بالسوء: إنما تريد بما تأمر به نصحي ببلوغي شهوتي، وكيف يتضح صواب النصح للغير لمن لا ينصح نفسه؟ كيف أثق بنصيحة عدو؟ فانصرف، فما في لقولك منفذ، فلا يبقى إلا أنه يستعين بالنفس، لأنه يحث على هواها، فليستحضر العقل إلى بيت الفكر في عواقب الذنب لعل مدد توفيق يبعث جند عزيمته فيهزم عسكر الهوى والنفس.
أخبرنا ، نا عبد الوهاب بن المبارك عاصم بن الحسن ، نا أبو عمر بن مهدي ، ثنا الحسين بن إسماعيل ، ثنا ، ثنا زكريا بن يحيى شامة بن سوار ، ثنى المغيرة ، عن ، مطرف بن الشخير عياض بن حمار قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ". يا أيها الناس إن الله تعالى أمرني أن أعلمكم ما جهلتم مما علمني في يومي هذا إن كل مال نحلته عبدي فهو له حلال، وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم، فأتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم، وأمرتهم أن لا يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا، وإن الله تعالى نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب". عن
أخبرنا ابن الحصين ، قال: أخبرنا ، نا ابن المذهب أحمد بن جعفر ، ثنا عبد الله ابن أحمد ، ثنى أبي ، ثنا ، ثنا يحيى بن سعيد ، ثنا هشام ، عن قتادة مطرف ، عن عياض بن حمار أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب ذات يوم، فقال في خطبته: "إن ربي . . . " إلى آخر الحديث المتقدم.
[ ص: 26 ] أخبرنا ابن الحصين ، نا ، نا ابن المذهب أحمد بن جعفر ، ثنا ، ثنى عبد الله بن أحمد أبي ، ثنا ، ثنا أبو معاوية الأعمش ، عن ، أبي سفيان رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن إبليس يضع عرشه على الماء ثم يبعث سراياه فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة يجيء أحدهم فيقول: فعلت كذا وكذا فيقول: ما صنعت شيئا قال: ثم يجيء أحدهم فيقول: ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته، قال: فيدنيه منه أو قال: فيلتزمه ويقول: نعم أنت"، جابر بن عبد الله وبه قال عن أحمد ، وحدثنا ، ثنا أبو نعيم سفيان ، عن ، أبي الزبير جابر رضي الله عنه يرفعه قال: "إن إبليس قد يئس أن يعبده المصلون ولكن في التحريش بينهم". قال المصنف: انفرد به عن البخاري ، والذي قبله مسلم ، وفي لفظ حديثه: "قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب".
أنبأنا إسماعيل السمرقندي ، نا عاصم بن الحسن ، نا ، نا ابن بشران ابن صفوان ، نا أبو بكر القرشي ، ثنى الحسين بن السكن ، ثنا ، ثنى المعلى بن أسد عدي بن أبي عمارة ، ثنا زياد النميري ، عن رضي الله عنه يرفعه قال: أنس بن مالك "إن الشيطان واضع خطمه على قلب ابن آدم فإن ذكر الله خنس، وإن نسي الله التقم قلبه".
أخبرنا محمد بن أبي منصور ، نا عبد القادر ، نا ، نا الحسن بن علي التميمي أبو بكر بن ملك ، ثنا ، ثنا عبد الله بن أحمد أبي ، ثنا ، عن عبد الرحمن ، عن حماد بن سلمة ، عن عطاء بن السائب ، عن عمرو بن ميمون رضي الله عنه قال: إن الشيطان طاف بأهل مجلس الذكر ليفتنهم فلم يستطع أن يفرق بينهم، فأتى حلقة يذكرون الدنيا، فأغرى بينهم حتى اقتتلوا، فقام أهل الذكر فحجزوا بينهم فتفرقوا. قال ابن مسعود عبد الله: وحدثني ، ثنا علي بن مسلم سيار ، ثنا حبان الحريري ، ثنا سويد القناوي ، عن رضي الله عنه قال: "إن لإبليس شيطانا له قبقب يجمه أربعين سنة، فإذا دخل الغلام في هذا الطريق قال له: دونك إنما كنت [ ص: 27 ] أجمك لمثل هذا أجلب عليه، وافتنه. قال قتادة سيار: وحدثنا جعفر ، ثنا رضي الله عنه قال: بلغنا أن إبليس ظهر ثابت البناني ليحيى بن زكريا عليهما السلام فرأى عليه معاليق من كل شيء، فقال يحيى: يا إبليس، ما هذه المعاليق التي أرى عليك؟ قال: هذه الشهوات التي أصيد بها ابن آدم قال: فهل لي فيها من شيء؟ قال: ربما شبعت فثقلناك عن الصلاة، وثقلناك عن الذكر، قال: فهل غير ذلك؟ قال: لا والله، قال: لله علي أن لا أملأ بطني من طعام أبدا قال إبليس: ولله علي أن لا أنصح مسلما أبدا.