فصل: قال النوبختي قد زعمت فرقة من المتجاهلين أنه ليس للأشياء حقيقة واحدة في نفسها، بل حقيقتها عند كل قوم على حسب ما يعتقد فيها، فإن العسل يجده صاحب المرة الصفراء مرا، ويجده غيره حلوا. واللون جسم عند من اعتقده جسما، وعرض عند من اعتقده عرضا. قالوا: فلو توهمنا عدم المعتقدين وقف الأمر على وجود من يعتقد، وهؤلاء من جنس السوفسطائية، فيقال لهم: أقولكم صحيح؟ فسيقولون هو صحيح عندنا، باطل عند خصمنا، قلنا: دعواكم صحة قولكم مردودة، وإقراركم بأن مذهبكم عند خصمكم باطل شاهد عليكم، ومن شهد على قولهم بالبطلان من وجه فقد كفى خصمه بتبيين فساد مذهبه، ومما يقال لهم: أتثبتون للمشاهدة حقيقة؟ فإن قالوا: لا، لحقوا بالأولين، وإن قالوا: حقيقتها على حسب الاعتقاد فقد نفوا عنها الحقيقة في نفسها، وصار الكلام معهم كالكلام مع الأولين. قالوا: وكذلك العالم هو قديم عند من اعتقد قدمه، محدث عند من اعتقد حدوثه،