الصوفية بالشرع فصدر منهم من الأفعال والأقوال ما لا يحل مثل ما قد ذكرنا ثم تشبه بهم من ليس منهم وتسمى باسمهم وصدر عنهم مثل ما قد حكينا وكان الصالح منهم نادرا ذمهم خلق من العلماء وعابوهم حتى عابهم مشائخهم. ولما قل علم
وبإسناد عن عبد الملك بن زياد النصيبي ، قال: كنا عند فذكرت له صوفيين في بلادنا، فقلت له: يلبسون فواخر ثياب مالك اليمن ويفعلون كذا. قال ويحك ومسلمين هم؟ قال فضحك حتى استلقى قال فقال لي بعض جلسائه: يا هذا ما رأينا أعظم فتنة على هذا الشيخ منك ما رأيناه ضاحكا قط.
[ ص: 359 ] وبإسناد عن قال سمعت يونس بن عبد الأعلى يقول: لو أن رجلا تصوف أول النهار لا يأتي الظهر حتى يصير أحمق. وعنه أيضا أنه قال: ما لزم أحد الشافعي الصوفية أربعين يوما فعاد عقله إليه أبدا وأنشد الشافعي:
ودعوا الذين إذا أتوك تنسكوا وإذا خلوا كانوا ذئاب حقاف
وبإسناد عن حاتم قال حدثنا ، قال: قال أحمد بن أبي الحواري أبو سليمان ما رأيت صوفيا فيه خير إلا واحدا عبد الله بن مرزوق. قال وأنا أرق لهم.وبإسناد عن يقول: ما رأيت صوفيا عاقلا إلا يونس بن عبد الأعلى إدريس الخولاني. قال السلمي: هو مصري من قدماء مشايخهم قبل ذي النون.
وبإسناد عن يقول صحبت يونس بن عبد الأعلى: الصوفية ثلاثين سنة ما رأيت فيهم عاقلا إلا مسلما الخواص. وبإسناد عن يقول حدثنا أحمد بن أبي الحواري قال سمعت وكيع سفيان يقول سمعت عاصما يقول: ما زلنا نعرف الصوفية بالحماق إلا أنهم يستترون بالحديث. وبإسناد عن سفيان ، عن عاصم يقول قال لي لم تركت حديث وكيع قلت: صحبت قوما من هشام. الصوفية وكنت بهم معجبا. فقالوا: إن لم تمح حديث قاطعناك فأطعتم: قال إن فيهم حمقا. وبإسناد عن هشام قال يحيى بن يحيى الخوارج أحب إلي من الصوفية . وبإسناد عن يحيى بن معاذ يقول وقد ذكرنا في أول ردنا على اجتنب صحبة ثلاثة أصناف من الناس العلماء الغافلين، والفقراء المداهنين والمتصوفة الجاهلين. الصوفية من هذا الكتاب أن الفقهاء بمصر أنكروا على ما كان يتكلم به ذي النون وبسطام على أبي يزيد وأخرجوه وأخرجوا أبا سليمان الداراني ، وهرب من أيديهم ، أحمد بن أبي الحواري ، وذلك لأن وسهل التستري ولقد حدثني السلف كانوا ينفرون من أدنى بدعة ويهجرون عليها تمسكا بالسنة أبو الفتح بن السامري قال: جلس الفقهاء في بعض الأربطة للعزاء بفقيه مات فأقبل الشيخ أبو الخطاب الكلوذاني الفقيه متوكئا على يدي حتى وقف بباب الرباط وقال: يعز علي لو رآني بعض أصحابنا ومشايخنا القدماء وأنا أدخل هذا الرباط. قلت: على هذا كان أشياخنا.
فأما في زماننا هذا فقد اصطلح الذئب والغنم قال نقلته من [ ص: 360 ] خطه وأنا أذم ابن عقيل: الصوفية لوجوه يوجب الشرع ذم فعلها، منها أنهم اتخذوا مناخ البطالة وهي الأربطة فانقطعوا إليها عن الجماعات في المساجد فلا هي مساجد ولا بيوت ولا خانات وصمدوا فيها للبطالة عن أعمال المعاش وبدنوا أنفسهم بدن البهائم للأكل والشرب والرقص والغناء، وعولوا على الترقيع المعتمد به التحسين تلميعا والمشاوذ بألوان الحرير أوقع في نفوس العوام والنسوة من تلميع السقلاطون بألوان الحرير واستمالوا النسوة والمردان بتصنع الصور واللباس فما دخلوا بيتا فيه نسوة فخرجوا إلا عن فساد قلوب النسوة على أزواجهن ثم يقبلون الطعام والنفقات من الظلمة والفجار وغاصبي الأموال كالعداد والأجناد وأرباب المكوس، ويستصحبون المردان في السماعات يجلبونهم في الجموع مع ضوء الشموع، ويخالطون النسوة الأجانب ينصبون لذلك حجة إلباسهن الخرقة، ويستحلون بل يوجبون اقتسام ثياب من طرب فسقط ثوبه، ويسمون الطرب وجدا، والدعوة وقتا، واقتسام ثياب الناس حكما، ولا يخرجون عن بيت دعوا إليه إلا عن إلزام دعوة أخرى يقولون إنها وجبت واعتقاد ذلك كفر وفعله فسوق. ويعتقدون أن الغناء بالقضبان قربة وقد سمعنا عنهم أن الدعاء عند حدو الحادي وعند حضور المخذة مجاب اعتقادا منهم أنه قربة وهذا كفر أيضا لأن من اعتقد المكروه والحرام قربة كان بهذا الاعتقاد كافرا والناس بين تحريمه وكراهيته ويسلمون أنفسهم إلى شيوخهم فإن عدلوا إلى مرتبة شيخه قيل الشيخ لا يعترض عليه. فحد من حل رسن ذلك الشيخ وانحطاطه في سلك الأقوال المتضمنة للكفر والضلال المسمى شحطا وفي الأفعال المعلومة كونها في الشريعة فسقا. فإن قبل أمرد قيل رحمة، وإن خلا بأجنبية قيل بنته وقد لبست الخرقة، وإن قسم ثوبا على غير أربابه من غير رضا مالكه قيل حكم الخرقة، وليس لنا شيخ نسلم إليه حاله إذ ليس لنا شيخ غير داخل في التكليف وأن المجانين والصبيان يضرب على أيديهم وكذلك البهائم. والضرب بدل من الخطاب، ولو كان لنا شيخ يسلم إليه حاله لكان ذلك الشيخ رضي الله عنه. وقد قال إن اعوججت فقوموني ولم يقل فسلموا إلي. ثم انظر إلى [ ص: 361 ] الرسول صلوات الله عليه كيف اعترضوا عليه، فهذا أبا بكر الصديق عمر يقول: ما بالنا نقصر وقد أمنا. وآخر يقول: تنهانا عن الوصال وتواصل؟ وآخر يقول: أمرتنا بالفسخ ولم تفسخ! ثم إن الله تعالى تقول له الملائكة: ( أتجعل فيها ) ويقول موسى: ( أتهلكنا بما فعل السفهاء منا ) وإنما هذه الكلمة جعلها الصوفية ترفيها لقلوب المتقدمين، وسلطنة سلكوها على الأتباع والمريدين كما قال تعالى: ( فاستخف قومه فأطاعوه ) ولعل هذه الكلمة من القائلين منهم بأن العبد إذا عرف لم يضره ما فعل، وهذه نهاية الزندقة لأن الفقهاء أجمعوا على أنه لا حالة ينتهي إليها العارف إلا ويضيق عليه التكليف كأحوال الأنبياء يضايقون في الصغائر. فالله الله في الإصغاء إلى هؤلاء الفرغ الخالين من الإثبات، وإنما هم زنادقة جمعوا بين مدارع العمال مرقعات وصوف، وبين أعمال الخلعاء الملحدة أكل وشرب ورقص وسماع وإهمال لأحكام الشرع، ولم تتجاسر الزنادقة أن ترفض الشريعة حتى جاءت المتصوفة فجاؤوا بوضع أهل الخلاعة.
فأول ما وضعوا أسماء وقالوا حقيقة وشريعة وهذا قبيح لأن الشريعة ما وضعه الحق لمصالح الخلق، فما الحقيقة بعدها سوى ما وقع في النفوس من إلقاء الشياطين وكل من رام الحقيقة في غير الشريعة فمغرور مخدوع، وإن سمعوا أحدا يروي حديثا قالوا مساكين أخذوا علمهم ميتا عن ميت. وأخذنا علمنا عن الحي الذي لا يموت، فمن قال حدثني أبي عن جدي قلت: حدثني قلبي عن ربي فهلكوا وأهلكوا بهذه الخرافات قلوب الأغمار وأنفقت عليهم لأجلها الأموال; لأن الفقهاء كالأطباء في ثمن الدواء صعبة والنفقة على هؤلاء كالنفقة على المغنيات، وبعضهم الفقراء أكبر الزندقة لأن الفقهاء يخطرونهم بفتاواهم عن ضلالهم وفسقهم. والحق يثقل كما تثقل الزكاة. وما أخف البذل على المغنيات وإعطاء الشعراء على المدائح. وكذلك بغضهم لأصحاب الحديث وقد أبدلوا إزالة العقل بالخمر بشيء سموه الحشيش والمعجون والغناء المحرم، سموه السماع والوجد والتعرض بالوجد المزيل للعقل حرام كفى الله الشريعة شر هذه الطائفة الجامعة بين دهثمة في اللبس وطيبة في العيش وخداع بألفاظ معسولة ليس تحتها سوى إهمال التكليف وهجران الشرع ولذلك خفوا على القلوب ولا دلالة على أنهم أرباب باطل أوضح من محبة طباع الدنيا لهم [ ص: 362 ] كمحبتهم أرباب اللهو والمغنيات.