فصل:
وقد ليشيدوا بزعمهم أمر القوم والحق لا يحتاج إلى تشييد بباطل فكشف الله تعالى أمرهم بعلماء النقل أخبرنا لبس إبليس على قوم من المتأخرين فوضعوا حكايات في [ ص: 371 ] كرامات الأولياء أنبأنا محمد بن ناصر الحسن بن أحمد الفقيه قال نا محمد بن محمد الحافظ قال نا عبيد الله بن محمد الفقيه قال أحمد بن عبد الله بن الحسن الآدمي قال حدثني أبي قال قال قال سهل بن عبد الله عمرو بن واصل كذا في الرواية والصواب قال عمرو بن واصل قال صحبت رجلا من الأولياء في طريق سهل بن عبد الله مكة فنالته فاقة ثلاثة أيام فعدل إلى مسجد في أصل جبل وإذا فيه بئر عليه بكرة وحبل ودلو ومطهرة وعند البئر شجرة رمان ليس فيها حمل فأقام في المسجد إلى المغرب فلما دخل الوقت إذا بأربعين رجلا عليهم المسوح وفي أرجلهم نعال الخوص قد دخلوا المسجد فسلموا وأذن أحدهم وأقام الصلاة وتقدم فصلى بهم فلما فرغ من صلاته تقدم إلى الشجرة فإذا فيها أربعون رمانة غضة طريفة فأخذ كل واحد منهم رمانة وانصرف قال وبت على فاقتي فلما كان في الوقت الذي أخذوا فيه الرمان أقبلوا أجمعين فلما صلوا وأخذوا الرمان قلت: يا قوم أنا أخوكم في الإسلام وبي فاقة شديدة فلا كلمتموني ولا واسيتموني فقال رئيسهم إنا لا نكلم محجوبا بما معه فامض واطرح ما معك وراء هذا الجبل في الوادي وارجع إلينا حتى تنال ما ننال قال فرقيت الجبل فلم تسمح نفسي برمي ما معي فدفنته ورجعت فقال لي رميت ما معك قلت: نعم قال فرأيت شيئا قلت: لا قال ما رميت شيئا إذن فارجع فارم به في الوادي فرجعت ففعلت فإذا قد غشيني مثل الدرع نور الولاية فرجعت فإذا في الشجرة رمانة فأكلتها واستقللت بها من الجوع والعطش ولم ألبث دون المضي إلى مكة فإذا أنا بالأربعين بين زمزم والمقام فأقبلوا إلي بأجمعهم يسألونني عن حالي ويسلمون علي فقلت: قد غنيت عنكم وعن كلامكم آخرا كما أغناكم الله عن كلامي أولا فما في لغير الله موضع.
قال المصنف رحمه الله: عمرو بن واصل ضعفه ، ابن أبي حاتم والآدمي وأبوه مجهولان ويدل على أنها حكاية موضوعة قولهم اطرح ما معك لأن الأولياء لا يخالفون الشرع والشرع قد وقوله غشيني نور الولاية فهذه حكاية مصنوعة وحديث فارغ ومثل هذه الحكاية لا يغتر بها من شم رائحة العلم إنما يغتر بها الجهال الذين لا بصيرة لهم أخبرنا نهى عن إضاعة المال قال نا محمد بن ناصر السهلكي [ ص: 372 ] قال سمعت محمد بن علي الواعظ قال وفيما أفادني بعض الصوفية حاكيا عن الجنيد قال قال أبو موسى الديبلي دخلت على أبي يزيد فإذا بين يديه ماء واقف يضطرب فقال لي تعال ثم قال إن رجلا سألني عن الحياء فتكلمت عليه بشيء من علم الحياء فدار دورانا حتى صار كذا كما ترى وذاب قال الجنيد وقال أحمد بن حضرويه بقي معه قطعة كقطعة جوهر فاتخذت منه فصا فكلما تكلمت بكلام القوم أو سمعت من كلام القوم يذوب ذلك الفص حتى لم يبق منه شيء قلت: وهذه من النحالة القبيحة التي وضعوها الجهال ولولا أن الجهالة يروونها مسندة فيظنونها شيئا لكان الإضراب عن ذكرها أولى أنبأنا أبو بكر بن حبيب قال نا ابن أبي صادق قال ثنا قال ثنا ابن باكويه أبو حنيفة البغدادي قال ثنا عبد العزيز البغدادي قال كنت أنظر في حكايات الصوفية فصعدت يوما السطح فسمعت قائلا يقول وهو يتولى الصالحين فالتفت فلم أر شيئا فطرحت نفسي من السطح فوقفت في الهواء.
قال المصنف رحمه الله هذا كذب محال لا يشك فيه عاقل فلو قدرنا صحته فإن طرح نفسه من السطح حرام وظنه أن الله يتولى من فعل المنهي عنه فقد قال تعالى: ( ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ) فكيف يكون صالحا وهو يخالف ربه وعلى تقدير ذلك فمن أخبره أنه منهم وقد تقدم قول عيسى صلوات الله عليه للشيطان لما قال له ألق نفسك قال إن الله يختبر عباده وليس للعبد أن يختبر ربه.