الباب الثاني عشر: في ذكر تلبيس إبليس على العوام.
قد بينا أن إبليس إنما يقوى تلبيسه على قدر قوة الجهل وقد أفتن فيما فتن به العوام وحضر ما فتنهم ولبس عليهم فيه لا يمكن ذكره لكثرته وإنما نذكر من الأمهات ما يستدل به على جنسه والله الموفق فمن ذلك أنه يأتي إلى العامي فيحمله على فيتشكك وقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فيما رواه التفكر في ذات الله عز وجل وصفاته رضي الله عنه قال أبو هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "تسألون حتى تقولوا هذا الله خلقنا فمن خلق الله" قال فوالله إني لجالس يوما إذ قال لي رجل من أهل أبو هريرة العراق هذا الله خلقنا فمن خلق الله قال فجعلت أصبعي في أذني ثم صحت صدق رسول الله الله الواحد الأحد الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد. أبو هريرة وبإسناد قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : عائشة فيقول من خلق السماوات والأرض فيقول الله فيقول من خلق الله فإذا وجد أحدكم شيئا من ذلك فليقل آمنت بالله ورسوله". "إن الشيطان يأتي أحدكم فيقول من خلقك عن
قال المصنف رحمه الله: وإنما وقعت هذه المحنة لغلبة الحس وهو أنه ما رأى شيئا إلا مفعولا وليقل لهذا العامي ألست تعلم أنه خلق الزمان لا في الزمان والمكان لا في المكان فإذا كانت هذه الأرض وما فيها لا في مكان ولا تحتها شيء وحسك ينفر من هذا لأنه ما ألف شيئا إلا في مكان فلا يطلب بالحس من لا يعرف بالحس وشاور عقلك فإنه سليم المشاورة وتارة يلبس عليهم من جهة العصبية للمذاهب فترى العامي يلاعن ويقاتل في أمر لا يعرف حقيقته فمنهم من يخص بعصبيته وتارة يلبس إبليس على العوام عند سماع صفات الله عز وجل فيحملونها على مقتضى الحس فيعتقدون التشبيه رضي الله عنه ومنهم من يخص أبا بكر عليا وكم قد جرى في هذا من الحروب وقد جرى في هذا بين أهل الكوخ وأهل باب البصرة على مر السنين من القتل وإحراق المحال ما يطول ذكره وترى كثيرا ممن يخاصم في هذا يلبس الحرير ويشرب الخمر ويقتل [ ص: 376 ] النفس ، وأبو بكر وعلي بريئان منهم وقد يحس العامي في نفسه نوع فهم فيسول له إبليس مخاصمة ربه فمنهم من يقول لربه كيف قضى وعاقب ومنهم من يقول لم ضيق رزق المتقي وأوسع على العاصي ومنهم طائفة تشكر على النعم فإذا جاء البلاء اعترض وكفر ومنهم من يقول أي حكمة في هدم هذه الأجساد يعذبها بالفناء بعد بنائها ومنهم من يستبعد البحث ومن هؤلاء من يحتل عليه مقصوده أو يبتلى ببلاء فيكفر ويقول أنا ما أريد أصلي وربما غلب فاجر نصراني مؤمنا فقتله أو ضربه فيقول العوام قد غلب الصليب ولماذا نصلي إذا كان الأمر كذلك وكل هذه الآفات تمكن بها منهم إبليس لبعدهم عن العلم والعلماء فلو أنهم استفهموا أهل العلم لأخبروهم أن الله عز وجل حكيم ومالك فلا يبقى مع هذا اعتراض.