105 - فصل .
المسألة الرابعة : إذا
nindex.php?page=treesubj&link=16964_27931ذبحوا ما يعتقدون حله ، فهل تحرم علينا الشحوم المحرمة عليهم ؟ هذا مما اختلف فيه .
قال عبد الله بن
أحمد : سألت أبي عن الشحوم ، تحرم على اليهود ؟ فقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=146وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما إلا ما حملت ظهورهما أو الحوايا أو ما اختلط بعظم ذلك جزيناهم ببغيهم وإنا لصادقون ، قال : والقرآن يقول : حرمنا ، وقال في آية أخرى بعد سورة المائدة :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=146وعلى الذين هادوا حرمنا ، يعني نزل بعد :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=5اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم ،
[ ص: 532 ] قلت : فيحل لمسلم أن يطعم يهوديا شحما ؟ قال : لا ; لأنه محرم عليه .
وقال مهنا : حدثني
أحمد عن
الزبيري عن
مالك ، في اليهودي يذبح الشاة ، قال : لا يأكل من شحمها ، قال :
أحمد هذا مذهب دقيق .
فاختلف أصحابه في ذلك ، فذهب
ابن حامد وأبو الخطاب وجماعة إلى الإباحة ، وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وأبي حنيفة .
وذهب القاضي
وأبو الحسن التميمي إلى التحريم ، وصنف فيه
التميمي مصنفا رد فيه على من قال بالإباحة ، واختاره
أبو بكر أيضا .
[ ص: 533 ] وذهب
مالك إلى الكراهة ، وهي عنده مرتبة بين الحظر والإباحة .
قال المبيحون : القول بالتحريم خلاف القرآن والسنن والمعقول .
أما القرآن فإن الله يقول :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=5وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم .
قالوا : وقد اتفقنا على أن المراد بذلك ما ذبحوه ، لا ما أكلوه ; لأنهم يأكلون الخنزير والميتة والدم .
قالوا : وقد جاء القرآن ، وصح الإجماع بأن دين الإسلام نسخ كل دين كان قبله ، وأن من التزم ما جاءت به التوراة والإنجيل ، ولم يتبع القرآن ، فإنه كافر وقد أبطل الله كل شريعة كانت في التوراة والإنجيل وسائر الملل ، وافترض على الجن والإنس شرائع الإسلام ، فلا حرام إلا ما حرمه الإسلام ، ولا فرض إلا ما أوجبه الإسلام .
وأما السنة فحديث
nindex.php?page=showalam&ids=5078عبد الله بن مغفل الذي رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في " صحيحه "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350351أن جرابا من شحم يوم " خيبر " دلي من الحصن ، فأخذه nindex.php?page=showalam&ids=5078عبد الله بن مغفل وقال : والله لا أعطي أحدا منه شيئا ، فضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وأقره على ذلك .
[ ص: 534 ] وثبت في " الصحيح "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350352أن يهودية أهدت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - شاة ، فأكل منها ولم يحرم شحم بطنها ولا غيره .
قالوا : وأما المعقول فمن المحال الباطل أن تقع الذكاة على بعض شحم الشاة دون بعضها .
قالوا : وقد قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=5وطعامكم حل لهم ، وهذا محض طعامنا .
قالوا : وقد قال لهم المسيح :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=50ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم ، وقد أحل سبحانه لهم الطيبات على لسان رسوله ، وهذا من الطيبات .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064ابن حزم : ويسألون عن الشحم والحمل أحلال هما اليوم لليهود أم حرام إلى اليوم ؟ فإن قالوا : بل هما حرام عليهم إلى اليوم كفروا بلا مرية إذ قالوا : إن ذلك لم ينسخه الله تعالى ، وإن قالوا : بل هما حلال
[ ص: 535 ] لهم صدقوا ، ولزمهم ترك قولهم الفاسد .
قال : ونسألهم عن يهودي مستخف بدينه [ يأكل الشحم ] ذبح شاة يعتقد حل شحمها ، هل يحرم علينا الشحم أم لا ؟ فإن قلتم : يحرم علينا كان محالا ، فإنه ذكى ما يعتقد حله ، ونحن نعتقد حله فمن أين جاء التحريم ؟ وإن قلتم : لا يحرم علينا كانت ذبيحة هذا المستخف بدينه أحسن حالا من ذبيحة المتمسك بدينه ، وهذا محال .
قال : ويلزمهم ألا يستحلوا كل ما ذبحه يهودي يوم سبت ، ولا أكل حيتان صادها يهودي يوم سبت وهذا مما تناقضوا فيه .
قال : وقد روينا عن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب وعلي وابن مسعود وعائشة أم المؤمنين
nindex.php?page=showalam&ids=4وأبي الدرداء وعبد الله بن يزيد nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=143والعرباض بن سارية وأبي أمامة nindex.php?page=showalam&ids=63وعبادة بن الصامت nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر رضي الله عنهم إباحة ما ذبحه أهل الكتاب دون اشتراط لما يستحلونه ، وكذلك عن جمهور التابعين [
nindex.php?page=showalam&ids=12354كإبراهيم النخعي ،
nindex.php?page=showalam&ids=15622وجبير بن نفير nindex.php?page=showalam&ids=12150وأبي مسلم الخولاني وضمرة بن حبيب nindex.php?page=showalam&ids=14947والقاسم بن مخيمرة ومكحول nindex.php?page=showalam&ids=15990وسعيد بن المسيب ومجاهد nindex.php?page=showalam&ids=16330وعبد الرحمن بن أبي ليلى والحسن nindex.php?page=showalam&ids=16972وابن سيرين والحارث العكلي وعطاء nindex.php?page=showalam&ids=14577والشعبي ومحمد [ ص: 536 ] بن علي بن الحسين nindex.php?page=showalam&ids=16248وطاوس nindex.php?page=showalam&ids=16699وعمرو بن الأسود nindex.php?page=showalam&ids=15741وحماد بن أبي سليمان وغيرهم ] ، لم نجد عن أحد منهم هذا القول إلا عن
قتادة ثم عن
مالك [ ص: 537 ] وعبيد الله بن الحسن ، وهذا مما خالفوا فيه طائفة من الصحابة لا مخالف لهم وخالفوا فيه جمهور العلماء .
قال المحرمون : إنما أباح الله سبحانه لنا طعام الذين أوتوا الكتاب ، والشحوم المحرمة عليهم ليست من طعامهم ، فلا تكون لنا مباحة ، والمقدمتان ظاهرتان غنيتان عن التقرير .
قالوا : ولأنه شحم محرم على ذابحه ، فكان محرما على غيره بطريق الأولى ، فإن الذكاة إذا لم تعمل في حله بالنسبة إلى المذكي لم تعمل في حله بالنسبة إلى غيره ، وهذا كذبح المحرم الصيد ، فإنه لما كان حراما عليه ، ولم تفد الذكاة الحل بالنسبة إليه ، لم تفده بالنسبة إلى الحلال .
قالوا : وطرد هذا تحريم الحمل إذا ذبحه اليهودي .
قالوا : وأيضا فللقصد تأثير في حل الذكاة كما تقدم ، فإذا كان الذابح غير قاصد للتذكية لم تحل ذكاته ولا ريب أنه غير قاصد لتذكية الشحم ، فإنه يعتقد تحريمه وأنه بمنزلة الميتة .
قالوا : ولا محذور في تجزء الذكاة ، فيحل بها بعض المذكى دون بعض ، فيكون ذكاة بالنسبة إلى ما يعتقد المذكي حله وليس ذكاة بالنسبة إلى ما يعتقد تحريمه فإن ما يأكله يعتقد ذكاته ويقصدها ، وما لا يأكله لا يعتقد ذكاته ولا يقصدها فصار كالميتة .
[ ص: 538 ] قالوا : والمعتمد في المسألة أن الله سبحانه حرم ذلك عليهم ، والتحريم باق لم ينسخ إلا عمن التزم الشريعة الإسلامية ، ويدل على بقاء التحريم وجوه :
أحدها : أن الله سبحانه أخبر أنه حرمه ولم يخبر بأنه نسخه بعد تحريمه ، وإنما يزول التحريم عمن التزم الإسلام .
الثاني : أنه علل التحريم بالبغي ، وهو لم يزل بكفرهم
بمحمد - صلى الله عليه وسلم - .
الثالث : ما في " الصحيح " عن
جابر رضي الله عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350353لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فجملوها فباعوها وأكلوا أثمانها " .
وفي " المسند " عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله
[ ص: 539 ] عليه وسلم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350354لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا أثمانها وإن الله لم يحرم على قوم أكل شيء إلا حرم عليهم ثمنه " .
فلو كان التحريم قد زال عنهم لم يلعنهم على فعل المباح .
قالوا : ولا يمتنع ورود الشرع بإقرارهم على آصارهم وأغلالهم تغليظا عليهم ، وقد قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=124إنما جعل السبت على الذين اختلفوا فيه ، فأخبر أنه جعل عليهم ، ولم يخبر بأنه رفعه عنهم ، وإنما يرفع عمن التزم أحكام الإسلام .
وفي بقاء تحريمه عليهم قولان للفقهاء ، وهما وجهان في مذهب
أحمد وعلى أحد القولين يلزمهم به ، ولا يمكنهم من كسره .
وقد نص
أحمد على بقاء تحريم الشحوم عليهم ، فقال في رواية ابنه
[ ص: 540 ] عبد الله : لا يحل لمسلم أن يطعم يهوديا شحما ; لأنه محرم عليه .
قال
أبو بكر عبد العزيز : ويدل على التحريم أن المسلم لما لم تعمل ذكاته فيما حرم عليه ، فاليهودي أولى .
قال : فذكاة اليهودي لا تعمل في الشحم ، كما لا تعمل ذكاة المسلم في الغدة وأذن القلب لنهي النبي - صلى الله عليه وسلم - .
[ ص: 541 ] [ ص: 542 ] قال : وقد نص
أحمد على ذلك ، فقال
ابن منصور : قلت
لأحمد : آكل أذن القلب ؟ فقال : لا تؤكل .
وقال
عبد الله : قلت لأبي :
nindex.php?page=treesubj&link=33222الغدة ؟ فقال : لا تؤكل ، النبي - صلى الله عليه وسلم - كرهها .
وقد روى
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=15550بقية بن الوليد عن
أبي المنذر عن
nindex.php?page=showalam&ids=113عبد الله بن زيد عن nindex.php?page=showalam&ids=54أم سلمة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سألها عن أذن القلب ، فقالت : ألقيتها ، فقال : " طابت قدرك وحل أكله " .
[ ص: 543 ] وقال
أبو طالب : قلت
لأحمد : حدثوني عن
عبد الله بن يحيى بن أبي كثير ، فقال : ثقة ، ثم قال : من حدثك عنه ؟ قلت : مسدد ، قال : سمع منه
باليمامة ، قلت : رواه عن أبيه عن رجل من الأنصار أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن أذن القلب .
قالوا : وقد ثبت أن القصد في الذكاة معتبر ، ولهذا اختلفت باختلاف المذكين ، وعكسه إزالة النجاسة ، لما لم يكن القصد فيها معتبرا لم يعتبر باختلاف المزيلين .
قالوا : وأما حديث
nindex.php?page=showalam&ids=5078عبد الله بن مغفل فجوابه من وجوه :
أحدها : أنه لم يقل : " فأخذته فأكلته " فلعله أخذه لغير الأكل .
[ ص: 544 ] الثاني : أنه لعله كانت رغبته في الظرف لا في المظروف .
الثالث : لعله كان مضطرا إلى أكله فلم ينهه عنه .
الرابع : أنه لعله من ذبيحة مسلم ، ولا يتعين أن يكون من ذبيحة كتابي ، وهذا من أفسد الأجوبة فإنه دلي من الحصن والمسلمون محاصروه .
الخامس : - وهو أصح الأجوبة - أنه لا يتعين كونه من الشحم المحرم عليهم ، بل الظاهر أنهم إنما كانوا يأكلون الشحوم المباحة لهم ، فيجوز لنا أكله كما يجوز لنا أكل ذبائحهم وأطعمتهم ، والظاهر أنه من شحم الظهر والحوايا وما اختلط بعظم ، فإنه هو الشحم الذي كانوا يأكلونه .
وأما أكل النبي - صلى الله عليه وسلم - من الشاة التي ذبحتها اليهودية فإنها كانت شاة مشوية ، والشاة إنما تشوى بعد نزع شحمها ، وهو إنما أكل من الذراع وليس بحرام .
وأما قولكم : إنه من المحال أن تقع التذكية على بعض الشاة دون بعض فهذا ليس بمحال عقلا ولا شرعا أن تعمل الذكاة فيما يباح من الشاة دون ما يحرم منها أو يكره ، والشريعة طافحة من تبعض الأحكام وهو محض الفقه ، وقد جعل الله سبحانه البنت من الرضاعة بنتا في الحرمة والمحرمة ، وأجنبية في الميراث والإنفاق .
[ ص: 545 ] وكذلك بنت الزنا عند جمهور الأمة بنت في تحريم النكاح ، وليست بنتا في الميراث .
وكذلك جعل النبي - صلى الله عليه وسلم - ابن وليدة
زمعة أخا
nindex.php?page=showalam&ids=93لسودة بنت زمعة في الفراش ، وأجنبيا في النظر لأجل الشبه بعتبة .
[ ص: 546 ] فلا يستحيل أن تكون الشاة مذكاة بالنسبة إلى اللحم والشحم المباح ، غير مذكاة بالنسبة إلى الشحم المحرم .
وأما استدلالكم بقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=5وطعامكم حل لهم ، وأن هذه الشحوم من طعامنا ، فلعمر الله إنها من طعامنا إذا ذكاها المسلم ومن تحل له ، فأما إذا ذكاها من يعتقد تحريمها فليست في هذه الحال من طعامه ولا من طعامنا .
[ ص: 547 ] وأما استدلالكم بقول المسيح :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=50ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم ، وبقوله تعالى عن
محمد - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=157ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ، فهذا الإحلال إنما هو لمن آمن بالمسيح
وبمحمد نعمة من الله عليه وكرامة له لا لمن أصر على كفره وتكذيبه ، وإنما هو لمن التزم الشريعة التي جاءت بالحل .
وأما سؤال
nindex.php?page=showalam&ids=13064ابن حزم : " هل الحمل والشحم اليوم حرام عليهم أم حلال لهم ؟ فإن قالوا : حرام عليهم ، كفروا وإن قالوا : حلال ، تركوا قولهم " ، فكلام متهور مقدم على تكفير من لم يكفره الله ورسوله ، وعلى التكفير بظنه الفاسد ، ولا يستحق هذا الكلام جوابا لخلوه عن الحجة ، وهم يقلبون عليه هذا السؤال فيقولون له : نحن نسألك هل أحل الله لهم هذه الشحوم مع إقامتهم على كفرهم
بمحمد - صلى الله عليه وسلم - فأباحها لهم وطيبها في هذه الحال ، أم أبقاهم على ما هم عليه من الآصار والأغلال ؟ فإن قلت : بل أباحها لهم وطيبها وأحلها مع بقائهم على اليهودية وتكذيب رسوله ، فهذا كفر وكذب على الله وعلى كتابه ، وإن قلت : أبقاهم على ما هم عليه تركت قولك وصرت إلى قولنا ، فلا بد لك من واحد من هذين الأمرين ، وأحسن أحوالك أن تتناقض ، لتسلم بتناقضك من الكفر .
وأما سؤالك عن
nindex.php?page=treesubj&link=16962_27931ذبيحة المستخف بدينه الذي يعتقد حل الشحوم ، فهذا السؤال جوابه فيه ، فإنه متى اعتقد حل الشحوم خرج عن اليهودية إما إلى الإسلام ، وإما إلى الزندقة ، فإن تحريم الشحوم ثابت بنص التوراة ، فإن
[ ص: 548 ] كذب التوراة وأقام على يهوديته فليس بيهودي ولا تحل ذبيحته ، وإن آمن بالتوراة واعتقد حل الشحوم ; لأن شريعة الإسلام أبطلت ما سواها من الشرائع ، والواجب اتباعها ، فهذا الاعتقاد حق ولكن لا يبيح له الشحوم المحرمة إلا بالتزام شريعة الإسلام التي رفع الله بها عنهم الآصار والأغلال ، فإذا لم يلتزم شريعة الإسلام وأقام على اليهودية لم ينفعه اعتقاده دون انقياده شيئا ، كما لو اعتقد أن محمدا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم ينقد للإسلام ومتابعته .
وأما قوله : ويلزمهم ألا يأكلوا
nindex.php?page=treesubj&link=27931ما ذبحه يهودي يوم سبت ، فهذا لا يمنع أن يلتزموه ، فإنهم إن اعتقدوا تحريم ما ذبحوه يوم السبت كان بمنزلة ما ذبحوه من دواب الظفر ، وإن لم يعتقدوا تحريمه كان من طعامهم ، فكان حلالا ، ولأصحاب هذا القول في بقاء تحريم السبت عليهم قولان .
وأما صيدهم الحيتان يوم السبت فخفي على
أبي محمد أن غايتها أن تكون ميتة ، وميتة السمك حلال ولهذا لا
nindex.php?page=treesubj&link=27931يحرم ما صاده منه المجوسي والوثني في أصح قولي العلماء ، وهما روايتان عن الإمام
أحمد في السمك والجراد ، فلم يتناقضوا فيه كما زعمت .
وأما فتاوى من ذكرت من الصحابة بحل ذبائح أهل الكتاب فنعم لعمر الله لا يعرف عنهم فيها خلاف ، وليس الكلام فيها ، والصحابة إنما أفتوا بحل جنس ذبائحهم ، وأنها تخالف ذبائح المجوس ، ولم يريدوا بذلك حل ما لا يعتقدونه حلالا من ذبائحهم وأطعمتهم ، فلا يحفظ عن الصحابة التصريح بهذا ولا هذا ، وبالله التوفيق .
105 - فَصْلٌ .
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ : إِذَا
nindex.php?page=treesubj&link=16964_27931ذَبَحُوا مَا يَعْتَقِدُونَ حِلَّهُ ، فَهَلْ تَحْرُمُ عَلَيْنَا الشُّحُومُ الْمُحَرَّمَةُ عَلَيْهِمْ ؟ هَذَا مِمَّا اخْتُلِفَ فِيهِ .
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
أَحْمَدَ : سَأَلْتُ أَبِي عَنِ الشُّحُومِ ، تُحَرَّمُ عَلَى الْيَهُودِ ؟ فَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=146وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ ، قَالَ : وَالْقُرْآنُ يَقُولُ : حَرَّمْنَا ، وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى بَعْدَ سُورَةِ الْمَائِدَةِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=146وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا ، يَعْنِي نَزَلَ بَعْدَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=5الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ ،
[ ص: 532 ] قُلْتُ : فَيَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُطْعِمَ يَهُودِيًّا شَحْمًا ؟ قَالَ : لَا ; لِأَنَّهُ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ .
وَقَالَ مُهَنَّا : حَدَّثَنِي
أَحْمَدُ عَنِ
الزُّبَيْرِيِّ عَنْ
مَالِكٍ ، فِي الْيَهُودِيِّ يَذْبَحُ الشَّاةَ ، قَالَ : لَا يَأْكُلُ مِنْ شَحْمِهَا ، قَالَ :
أَحْمَدُ هَذَا مَذْهَبٌ دَقِيقٌ .
فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُهُ فِي ذَلِكَ ، فَذَهَبَ
ابْنُ حَامِدٍ وَأَبُو الْخَطَّابِ وَجَمَاعَةٌ إِلَى الْإِبَاحَةِ ، وَهُوَ قَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ .
وَذَهَبَ الْقَاضِي
وَأَبُو الْحَسَنِ التَّمِيمِيُّ إِلَى التَّحْرِيمِ ، وَصَنَّفَ فِيهِ
التَّمِيمِيُّ مُصَنَّفًا رَدَّ فِيهِ عَلَى مَنْ قَالَ بِالْإِبَاحَةِ ، وَاخْتَارَهُ
أَبُو بَكْرٍ أَيْضًا .
[ ص: 533 ] وَذَهَبَ
مَالِكٌ إِلَى الْكَرَاهَةِ ، وَهِيَ عِنْدَهُ مُرَتَّبَةٌ بَيْنَ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ .
قَالَ الْمُبِيحُونَ : الْقَوْلُ بِالتَّحْرِيمِ خِلَافُ الْقُرْآنِ وَالسُّنَنِ وَالْمَعْقُولِ .
أَمَّا الْقُرْآنُ فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=5وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ .
قَالُوا : وَقَدِ اتَّفَقْنَا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ مَا ذَبَحُوهُ ، لَا مَا أَكَلُوهُ ; لِأَنَّهُمْ يَأْكُلُونَ الْخِنْزِيرَ وَالْمَيْتَةَ وَالدَّمَ .
قَالُوا : وَقَدْ جَاءَ الْقُرْآنُ ، وَصَحَّ الْإِجْمَاعُ بِأَنَّ دِينَ الْإِسْلَامِ نَسَخَ كُلَّ دِينٍ كَانَ قَبْلَهُ ، وَأَنَّ مَنِ الْتَزَمَ مَا جَاءَتْ بِهِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ ، وَلَمْ يَتَّبِعِ الْقُرْآنَ ، فَإِنَّهُ كَافِرٌ وَقَدْ أَبْطَلَ اللَّهُ كُلَّ شَرِيعَةٍ كَانَتْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَسَائِرِ الْمِلَلِ ، وَافْتَرَضَ عَلَى الْجِنِّ وَالْإِنْسِ شَرَائِعَ الْإِسْلَامِ ، فَلَا حَرَامَ إِلَّا مَا حَرَّمَهُ الْإِسْلَامُ ، وَلَا فَرْضَ إِلَّا مَا أَوْجَبَهُ الْإِسْلَامُ .
وَأَمَّا السُّنَّةُ فَحَدِيثُ
nindex.php?page=showalam&ids=5078عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ الَّذِي رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيُّ فِي " صَحِيحِهِ "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350351أَنَّ جِرَابًا مِنْ شَحْمٍ يَوْمَ " خَيْبَرَ " دُلِّيَ مِنَ الْحِصْنِ ، فَأَخَذَهُ nindex.php?page=showalam&ids=5078عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُغَفَّلٍ وَقَالَ : وَاللَّهِ لَا أُعْطِي أَحَدًا مِنْهُ شَيْئًا ، فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، وَأَقَرَّهُ عَلَى ذَلِكَ .
[ ص: 534 ] وَثَبَتَ فِي " الصَّحِيحِ "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350352أَنَّ يَهُودِيَّةً أَهْدَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَاةً ، فَأَكَلَ مِنْهَا وَلَمْ يُحَرِّمْ شَحْمَ بَطْنِهَا وَلَا غَيْرَهُ .
قَالُوا : وَأَمَّا الْمَعْقُولُ فَمِنَ الْمُحَالِ الْبَاطِلِ أَنْ تَقَعَ الذَّكَاةُ عَلَى بَعْضِ شَحْمِ الشَّاةِ دُونَ بَعْضِهَا .
قَالُوا : وَقَدْ قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=5وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ ، وَهَذَا مَحْضُ طَعَامِنَا .
قَالُوا : وَقَدْ قَالَ لَهُمُ الْمَسِيحُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=50وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ ، وَقَدْ أَحَلَّ سُبْحَانَهُ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ ، وَهَذَا مِنَ الطَّيِّبَاتِ .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13064ابْنُ حَزْمٍ : وَيَسْأَلُونَ عَنِ الشَّحْمِ وَالْحَمْلِ أَحَلَالٌ هُمَا الْيَوْمَ لِلْيَهُودِ أَمْ حَرَامٌ إِلَى الْيَوْمِ ؟ فَإِنْ قَالُوا : بَلْ هُمَا حَرَامٌ عَلَيْهِمْ إِلَى الْيَوْمِ كَفَرُوا بِلَا مِرْيَةٍ إِذْ قَالُوا : إِنَّ ذَلِكَ لَمْ يَنْسَخْهُ اللَّهُ تَعَالَى ، وَإِنْ قَالُوا : بَلْ هُمَا حَلَالٌ
[ ص: 535 ] لَهُمْ صَدَقُوا ، وَلَزِمَهُمْ تَرْكُ قَوْلِهِمُ الْفَاسِدِ .
قَالَ : وَنَسْأَلُهُمْ عَنْ يَهُودِيٍّ مُسْتَخِفٍّ بِدِينِهِ [ يَأْكُلُ الشَّحْمَ ] ذَبَحَ شَاةً يَعْتَقِدُ حِلَّ شَحْمِهَا ، هَلْ يَحْرُمُ عَلَيْنَا الشَّحْمُ أَمْ لَا ؟ فَإِنْ قُلْتُمْ : يَحْرُمُ عَلَيْنَا كَانَ مُحَالًا ، فَإِنَّهُ ذَكَّى مَا يَعْتَقِدُ حِلَّهُ ، وَنَحْنُ نَعْتَقِدُ حِلَّهُ فَمِنْ أَيْنَ جَاءَ التَّحْرِيمُ ؟ وَإِنْ قُلْتُمْ : لَا يَحْرُمُ عَلَيْنَا كَانَتْ ذَبِيحَةُ هَذَا الْمُسْتَخِفِّ بِدِينِهِ أَحْسَنَ حَالًا مِنْ ذَبِيحَةِ الْمُتَمَسِّكِ بِدِينِهِ ، وَهَذَا مُحَالٌ .
قَالَ : وَيَلْزَمُهُمْ أَلَّا يَسْتَحِلُّوا كُلَّ مَا ذَبَحَهُ يَهُودِيٌّ يَوْمَ سَبْتٍ ، وَلَا أَكْلَ حِيتَانٍ صَادَهَا يَهُودِيٌّ يَوْمَ سَبْتٍ وَهَذَا مِمَّا تَنَاقَضُوا فِيهِ .
قَالَ : وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَعَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ
nindex.php?page=showalam&ids=4وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ nindex.php?page=showalam&ids=11وَابْنِ عَبَّاسٍ nindex.php?page=showalam&ids=143وَالْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ وَأَبِي أُمَامَةَ nindex.php?page=showalam&ids=63وَعُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ nindex.php?page=showalam&ids=12وَابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ إِبَاحَةُ مَا ذَبَحَهُ أَهْلُ الْكِتَابِ دُونَ اشْتِرَاطٍ لِمَا يَسْتَحِلُّونَهُ ، وَكَذَلِكَ عَنْ جُمْهُورِ التَّابِعِينَ [
nindex.php?page=showalam&ids=12354كَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ ،
nindex.php?page=showalam&ids=15622وَجُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ nindex.php?page=showalam&ids=12150وَأَبِي مُسْلِمٍ الْخَوْلَانِيِّ وَضَمْرَةَ بْنِ حَبِيبٍ nindex.php?page=showalam&ids=14947وَالْقَاسِمِ بْنِ مُخَيْمِرَةَ وَمَكْحُولٍ nindex.php?page=showalam&ids=15990وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَمُجَاهِدٍ nindex.php?page=showalam&ids=16330وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى وَالْحَسَنِ nindex.php?page=showalam&ids=16972وَابْنِ سِيرِينَ وَالْحَارِثِ الْعُكْلِيِّ وَعَطَاءٍ nindex.php?page=showalam&ids=14577وَالشَّعْبِيِّ وَمُحَمَّدِ [ ص: 536 ] بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ nindex.php?page=showalam&ids=16248وَطَاوُسٍ nindex.php?page=showalam&ids=16699وَعَمْرِو بْنِ الْأَسْوَدِ nindex.php?page=showalam&ids=15741وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ وَغَيْرِهِمْ ] ، لَمْ نَجِدْ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ هَذَا الْقَوْلَ إِلَّا عَنْ
قَتَادَةَ ثُمَّ عَنْ
مَالِكٍ [ ص: 537 ] وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ ، وَهَذَا مِمَّا خَالَفُوا فِيهِ طَائِفَةً مِنَ الصَّحَابَةِ لَا مُخَالِفَ لَهُمْ وَخَالَفُوا فِيهِ جُمْهُورَ الْعُلَمَاءِ .
قَالَ الْمُحَرِّمُونَ : إِنَّمَا أَبَاحَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ لَنَا طَعَامَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ ، وَالشُّحُومُ الْمُحَرَّمَةُ عَلَيْهِمْ لَيْسَتْ مِنْ طَعَامِهِمْ ، فَلَا تَكُونُ لَنَا مُبَاحَةً ، وَالْمُقَدِّمَتَانِ ظَاهِرَتَانِ غَنِيَّتَانِ عَنِ التَّقْرِيرِ .
قَالُوا : وَلِأَنَّهُ شَحْمٌ مُحَرَّمٌ عَلَى ذَابِحِهِ ، فَكَانَ مُحَرَّمًا عَلَى غَيْرِهِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى ، فَإِنَّ الذَّكَاةَ إِذَا لَمْ تُعْمَلْ فِي حِلِّهِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمُذَكِّي لَمْ تُعْمَلْ فِي حِلِّهِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى غَيْرِهِ ، وَهَذَا كَذَبْحِ الْمُحْرِمِ الصَّيْدَ ، فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ حَرَامًا عَلَيْهِ ، وَلَمْ تُفِدِ الذَّكَاةُ الْحِلَّ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ ، لَمْ تُفِدْهُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْحَلَالِ .
قَالُوا : وَطَرَدَ هَذَا تَحْرِيمَ الْحَمْلِ إِذَا ذَبَحَهُ الْيَهُودِيُّ .
قَالُوا : وَأَيْضًا فَلِلْقَصْدِ تَأْثِيرٌ فِي حِلِّ الذَّكَاةِ كَمَا تَقَدَّمَ ، فَإِذَا كَانَ الذَّابِحُ غَيْرَ قَاصِدٍ لِلتَّذْكِيَةِ لَمْ تَحِلَّ ذَكَاتُهُ وَلَا رَيْبَ أَنَّهُ غَيْرُ قَاصِدٍ لِتَذْكِيَةِ الشَّحْمِ ، فَإِنَّهُ يَعْتَقِدُ تَحْرِيمَهُ وَأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَيْتَةِ .
قَالُوا : وَلَا مَحْذُورَ فِي تَجَزُّءِ الذَّكَاةِ ، فَيَحِلُّ بِهَا بَعْضُ الْمُذَكَّى دُونَ بَعْضٍ ، فَيَكُونُ ذَكَاةً بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا يَعْتَقِدُ الْمُذْكِي حِلَّهُ وَلَيْسَ ذَكَاةً بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا يَعْتَقِدُ تَحْرِيمَهُ فَإِنَّ مَا يَأْكُلُهُ يَعْتَقِدُ ذَكَاتَهُ وَيَقْصِدُهَا ، وَمَا لَا يَأْكُلُهُ لَا يَعْتَقِدُ ذَكَاتَهُ وَلَا يَقْصِدُهَا فَصَارَ كَالْمَيْتَةِ .
[ ص: 538 ] قَالُوا : وَالْمُعْتَمَدُ فِي الْمَسْأَلَةِ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ حَرَّمَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ ، وَالتَّحْرِيمُ بَاقٍ لَمْ يُنْسَخْ إِلَّا عَمَّنِ الْتَزَمَ الشَّرِيعَةَ الْإِسْلَامِيَّةَ ، وَيَدُلُّ عَلَى بَقَاءِ التَّحْرِيمِ وُجُوهٌ :
أَحَدُهَا : أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَخْبَرَ أَنَّهُ حَرَّمَهُ وَلَمْ يُخْبِرْ بِأَنَّهُ نَسَخَهُ بَعْدَ تَحْرِيمِهِ ، وَإِنَّمَا يَزُولُ التَّحْرِيمُ عَمَّنِ الْتَزَمَ الْإِسْلَامَ .
الثَّانِي : أَنَّهُ عَلَّلَ التَّحْرِيمَ بِالْبَغْيِ ، وَهُوَ لَمْ يَزَلْ بِكُفْرِهِمْ
بِمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - .
الثَّالِثُ : مَا فِي " الصَّحِيحِ " عَنْ
جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350353لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ حُرِّمَتْ عَلَيْهِمُ الشُّحُومُ فَجَمَّلُوهَا فَبَاعُوهَا وَأَكَلُوا أَثْمَانَهَا " .
وَفِي " الْمُسْنَدِ " عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
[ ص: 539 ] عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350354لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ حُرِّمَتْ عَلَيْهِمُ الشُّحُومُ فَبَاعُوهَا وَأَكَلُوا أَثْمَانَهَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يُحَرِّمْ عَلَى قَوْمٍ أَكْلَ شَيْءٍ إِلَّا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ ثَمَنَهُ " .
فَلَوْ كَانَ التَّحْرِيمُ قَدْ زَالَ عَنْهُمْ لَمْ يَلْعَنْهُمْ عَلَى فِعْلِ الْمُبَاحِ .
قَالُوا : وَلَا يَمْتَنِعُ وُرُودُ الشَّرْعِ بِإِقْرَارِهِمْ عَلَى آصَارِهِمْ وَأَغْلَالِهِمْ تَغْلِيظًا عَلَيْهِمْ ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=124إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ ، فَأَخْبَرَ أَنَّهُ جُعِلَ عَلَيْهِمْ ، وَلَمْ يُخْبِرْ بِأَنَّهُ رَفَعَهُ عَنْهُمْ ، وَإِنَّمَا يُرْفَعُ عَمَّنِ الْتَزَمَ أَحْكَامَ الْإِسْلَامِ .
وَفِي بَقَاءِ تَحْرِيمِهِ عَلَيْهِمْ قَوْلَانِ لِلْفُقَهَاءِ ، وَهُمَا وَجْهَانِ فِي مَذْهَبِ
أَحْمَدَ وَعَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ يَلْزَمُهُمْ بِهِ ، وَلَا يُمَكِّنُهُمْ مِنْ كَسْرِهِ .
وَقَدْ نَصَّ
أَحْمَدُ عَلَى بَقَاءِ تَحْرِيمِ الشُّحُومِ عَلَيْهِمْ ، فَقَالَ فِي رِوَايَةِ ابْنِهِ
[ ص: 540 ] عَبْدِ اللَّهِ : لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُطْعِمَ يَهُودِيًّا شَحْمًا ; لِأَنَّهُ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ .
قَالَ
أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ : وَيَدُلُّ عَلَى التَّحْرِيمِ أَنَّ الْمُسْلِمَ لَمَّا لَمْ تَعْمَلْ ذَكَاتُهُ فِيمَا حُرِّمَ عَلَيْهِ ، فَالْيَهُودِيُّ أَوْلَى .
قَالَ : فَذَكَاةُ الْيَهُودِيِّ لَا تَعْمَلُ فِي الشَّحْمِ ، كَمَا لَا تَعْمَلُ ذَكَاةُ الْمُسْلِمِ فِي الْغُدَّةِ وَأُذُنِ الْقَلْبِ لِنَهْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - .
[ ص: 541 ] [ ص: 542 ] قَالَ : وَقَدْ نَصَّ
أَحْمَدُ عَلَى ذَلِكَ ، فَقَالَ
ابْنُ مَنْصُورٍ : قُلْتُ
لِأَحْمَدَ : آكُلُ أُذُنَ الْقَلْبِ ؟ فَقَالَ : لَا تُؤْكَلُ .
وَقَالَ
عَبْدُ اللَّهِ : قُلْتُ لِأَبِي :
nindex.php?page=treesubj&link=33222الْغُدَّةُ ؟ فَقَالَ : لَا تُؤْكَلُ ، النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَرِهَهَا .
وَقَدْ رَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=15550بَقِيَّةَ بْنِ الْوَلِيدِ عَنْ
أَبِي الْمُنْذِرِ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=113عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ nindex.php?page=showalam&ids=54أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَأَلَهَا عَنْ أُذُنِ الْقَلْبِ ، فَقَالَتْ : أَلْقَيْتُهَا ، فَقَالَ : " طَابَتْ قِدْرُكِ وَحَلَّ أَكْلُهُ " .
[ ص: 543 ] وَقَالَ
أَبُو طَالِبٍ : قُلْتُ
لِأَحْمَدَ : حَدِّثُونِي عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ ، فَقَالَ : ثِقَةٌ ، ثُمَّ قَالَ : مَنْ حَدَّثَكَ عَنْهُ ؟ قُلْتُ : مُسَدَّدٌ ، قَالَ : سَمِعَ مِنْهُ
بِالْيَمَامَةِ ، قُلْتُ : رَوَاهُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ أُذُنِ الْقَلْبِ .
قَالُوا : وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ الْقَصْدَ فِي الذَّكَاةِ مُعْتَبَرٌ ، وَلِهَذَا اخْتَلَفَتْ بِاخْتِلَافِ الْمُذَكِّينَ ، وَعَكْسُهُ إِزَالَةُ النَّجَاسَةِ ، لَمَّا لَمْ يَكُنِ الْقَصْدُ فِيهَا مُعْتَبَرًا لَمْ يُعْتَبَرْ بِاخْتِلَافِ الْمُزِيلِينَ .
قَالُوا : وَأَمَّا حَدِيثُ
nindex.php?page=showalam&ids=5078عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ فَجَوَابُهُ مِنْ وُجُوهٍ :
أَحَدُهَا : أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ : " فَأَخَذْتُهُ فَأَكَلْتُهُ " فَلَعَلَّهُ أَخَذَهُ لِغَيْرِ الْأَكْلِ .
[ ص: 544 ] الثَّانِي : أَنَّهُ لَعَلَّهُ كَانَتْ رَغْبَتُهُ فِي الظَّرْفِ لَا فِي الْمَظْرُوفِ .
الثَّالِثُ : لَعَلَّهُ كَانَ مُضْطَرًّا إِلَى أَكْلِهِ فَلَمْ يَنْهَهُ عَنْهُ .
الرَّابِعُ : أَنَّهُ لَعَلَّهُ مِنْ ذَبِيحَةِ مُسْلِمٍ ، وَلَا يَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ مِنْ ذَبِيحَةِ كِتَابِيٍّ ، وَهَذَا مِنْ أَفْسَدِ الْأَجْوِبَةِ فَإِنَّهُ دُلِّيَ مِنَ الْحِصْنِ وَالْمُسْلِمُونَ مُحَاصِرُوهُ .
الْخَامِسُ : - وَهُوَ أَصَحُّ الْأَجْوِبَةِ - أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ كَوْنُهُ مِنَ الشَّحْمِ الْمُحَرَّمِ عَلَيْهِمْ ، بَلِ الظَّاهِرُ أَنَّهُمْ إِنَّمَا كَانُوا يَأْكُلُونَ الشُّحُومَ الْمُبَاحَةَ لَهُمْ ، فَيَجُوزُ لَنَا أَكْلُهُ كَمَا يَجُوزُ لَنَا أَكْلُ ذَبَائِحِهِمْ وَأَطْعِمَتِهِمْ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْ شَحْمِ الظَّهْرِ وَالْحَوَايَا وَمَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ، فَإِنَّهُ هُوَ الشَّحْمُ الَّذِي كَانُوا يَأْكُلُونَهُ .
وَأَمَّا أَكَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ الشَّاةِ الَّتِي ذَبَحَتْهَا الْيَهُودِيَّةُ فَإِنَّهَا كَانَتْ شَاةً مَشْوِيَّةً ، وَالشَّاةُ إِنَّمَا تُشْوَى بَعْدَ نَزْعِ شَحْمِهَا ، وَهُوَ إِنَّمَا أَكَلَ مِنَ الذِّرَاعِ وَلَيْسَ بِحَرَامٍ .
وَأَمَّا قَوْلُكُمْ : إِنَّهُ مِنَ الْمُحَالِ أَنْ تَقَعَ التَّذْكِيَةُ عَلَى بَعْضِ الشَّاةِ دُونَ بَعْضٍ فَهَذَا لَيْسَ بِمُحَالٍ عَقْلًا وَلَا شَرْعًا أَنْ تَعْمَلَ الذَّكَاةُ فِيمَا يُبَاحُ مِنَ الشَّاةِ دُونَ مَا يَحْرُمُ مِنْهَا أَوْ يُكْرَهُ ، وَالشَّرِيعَةُ طَافِحَةٌ مِنْ تَبَعُّضِ الْأَحْكَامِ وَهُوَ مَحْضُ الْفِقْهِ ، وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ الْبِنْتَ مِنَ الرَّضَاعَةِ بِنْتًا فِي الْحُرْمَةِ وَالْمَحْرَمَةِ ، وَأَجْنَبِيَّةً فِي الْمِيرَاثِ وَالْإِنْفَاقِ .
[ ص: 545 ] وَكَذَلِكَ بَنْتُ الزِّنَا عِنْدَ جُمْهُورِ الْأُمَّةِ بِنْتٌ فِي تَحْرِيمِ النِّكَاحِ ، وَلَيْسَتْ بِنْتًا فِي الْمِيرَاثِ .
وَكَذَلِكَ جَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ابْنَ وَلِيدَةِ
زَمْعَةَ أَخًا
nindex.php?page=showalam&ids=93لِسَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ فِي الْفِرَاشِ ، وَأَجْنَبِيًّا فِي النَّظَرِ لِأَجْلِ الشَّبَهِ بِعُتْبَةَ .
[ ص: 546 ] فَلَا يَسْتَحِيلُ أَنْ تَكُونَ الشَّاةُ مُذَكَّاةً بِالنِّسْبَةِ إِلَى اللَّحْمِ وَالشَّحْمِ الْمُبَاحِ ، غَيْرَ مُذَكَّاةٍ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الشَّحْمِ الْمُحَرَّمِ .
وَأَمَّا اسْتِدْلَالُكُمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=5وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ ، وَأَنَّ هَذِهِ الشُّحُومَ مِنْ طَعَامِنَا ، فَلَعَمْرُ اللَّهِ إِنَّهَا مِنْ طَعَامِنَا إِذَا ذَكَّاهَا الْمُسْلِمُ وَمَنْ تَحِلُّ لَهُ ، فَأَمَّا إِذَا ذَكَّاهَا مَنْ يَعْتَقِدُ تَحْرِيمَهَا فَلَيْسَتْ فِي هَذِهِ الْحَالِ مِنْ طَعَامِهِ وَلَا مِنْ طَعَامِنَا .
[ ص: 547 ] وَأَمَّا اسْتِدْلَالُكُمْ بِقَوْلِ الْمَسِيحِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=50وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ ، وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى عَنْ
مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=157وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ ، فَهَذَا الْإِحْلَالُ إِنَّمَا هُوَ لِمَنْ آمَنَ بِالْمَسِيحِ
وَبِمُحَمَّدٍ نِعْمَةً مِنَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَكَرَامَةً لَهُ لَا لِمَنْ أَصَرَّ عَلَى كُفْرِهِ وَتَكْذِيبِهِ ، وَإِنَّمَا هُوَ لِمَنِ الْتَزَمَ الشَّرِيعَةَ الَّتِي جَاءَتْ بِالْحِلِّ .
وَأَمَّا سُؤَالُ
nindex.php?page=showalam&ids=13064ابْنِ حَزْمٍ : " هَلِ الْحَمْلُ وَالشَّحْمُ الْيَوْمَ حَرَامٌ عَلَيْهِمْ أَمْ حَلَالٌ لَهُمْ ؟ فَإِنْ قَالُوا : حَرَامٌ عَلَيْهِمْ ، كَفَرُوا وَإِنْ قَالُوا : حَلَالٌ ، تَرَكُوا قَوْلَهُمْ " ، فَكَلَامٌ مُتَهَوِّرٌ مُقَدَّمٌ عَلَى تَكْفِيرِ مَنْ لَمْ يُكَفِّرْهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ، وَعَلَى التَّكْفِيرِ بِظَنِّهِ الْفَاسِدِ ، وَلَا يَسْتَحِقُّ هَذَا الْكَلَامُ جَوَابًا لِخُلُوِّهِ عَنِ الْحُجَّةِ ، وَهُمْ يَقْلِبُونَ عَلَيْهِ هَذَا السُّؤَالَ فَيَقُولُونَ لَهُ : نَحْنُ نَسْأَلُكَ هَلْ أَحَلَّ اللَّهُ لَهُمْ هَذِهِ الشُّحُومَ مَعَ إِقَامَتِهِمْ عَلَى كُفْرِهِمْ
بِمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَبَاحَهَا لَهُمْ وَطَيَّبَهَا فِي هَذِهِ الْحَالِ ، أَمْ أَبْقَاهُمْ عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ الْآصَارِ وَالْأَغْلَالِ ؟ فَإِنْ قُلْتَ : بَلْ أَبَاحَهَا لَهُمْ وَطَيَّبَهَا وَأَحَلَّهَا مَعَ بَقَائِهِمْ عَلَى الْيَهُودِيَّةِ وَتَكْذِيبِ رَسُولِهِ ، فَهَذَا كُفْرٌ وَكَذِبٌ عَلَى اللَّهِ وَعَلَى كِتَابِهِ ، وَإِنْ قُلْتَ : أَبْقَاهُمْ عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ تَرَكْتَ قَوْلَكَ وَصِرْتَ إِلَى قَوْلِنَا ، فَلَا بُدَّ لَكَ مِنْ وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ ، وَأَحْسَنُ أَحْوَالِكَ أَنْ تَتَنَاقَضَ ، لِتَسْلَمَ بِتَنَاقُضِكَ مِنَ الْكُفْرِ .
وَأَمَّا سُؤَالُكَ عَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=16962_27931ذَبِيحَةِ الْمُسْتَخِفِّ بِدِينِهِ الَّذِي يَعْتَقِدُ حِلَّ الشُّحُومِ ، فَهَذَا السُّؤَالُ جَوَابُهُ فِيهِ ، فَإِنَّهُ مَتَى اعْتَقَدَ حِلَّ الشُّحُومِ خَرَجَ عَنِ الْيَهُودِيَّةِ إِمَّا إِلَى الْإِسْلَامِ ، وَإِمَّا إِلَى الزَّنْدَقَةِ ، فَإِنَّ تَحْرِيمَ الشُّحُومِ ثَابِتٌ بِنَصِّ التَّوْرَاةِ ، فَإِنْ
[ ص: 548 ] كَذَّبَ التَّوْرَاةَ وَأَقَامَ عَلَى يَهُودِيَّتِهِ فَلَيْسَ بِيَهُودِيٍّ وَلَا تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ ، وَإِنْ آمَنَ بِالتَّوْرَاةِ وَاعْتَقَدَ حِلَّ الشُّحُومِ ; لِأَنَّ شَرِيعَةَ الْإِسْلَامِ أَبْطَلَتْ مَا سِوَاهَا مِنَ الشَّرَائِعِ ، وَالْوَاجِبُ اتِّبَاعُهَا ، فَهَذَا الِاعْتِقَادُ حَقٌّ وَلَكِنْ لَا يُبِيحُ لَهُ الشُّحُومَ الْمُحَرَّمَةَ إِلَّا بِالْتِزَامِ شَرِيعَةِ الْإِسْلَامِ الَّتِي رَفَعَ اللَّهُ بِهَا عَنْهُمُ الْآصَارَ وَالْأَغْلَالَ ، فَإِذَا لَمْ يَلْتَزِمْ شَرِيعَةَ الْإِسْلَامِ وَأَقَامَ عَلَى الْيَهُودِيَّةِ لَمْ يَنْفَعْهُ اعْتِقَادُهُ دُونَ انْقِيَادِهِ شَيْئًا ، كَمَا لَوِ اعْتَقَدَ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَنْقَدْ لِلْإِسْلَامِ وَمُتَابَعَتِهِ .
وَأَمَّا قَوْلُهُ : وَيَلْزَمُهُمْ أَلَّا يَأْكُلُوا
nindex.php?page=treesubj&link=27931مَا ذَبَحَهُ يَهُودِيٌّ يَوْمَ سَبْتٍ ، فَهَذَا لَا يَمْنَعُ أَنْ يَلْتَزِمُوهُ ، فَإِنَّهُمْ إِنِ اعْتَقَدُوا تَحْرِيمَ مَا ذَبَحُوهُ يَوْمَ السَّبْتِ كَانَ بِمَنْزِلَةِ مَا ذَبَحُوهُ مِنْ دَوَابِّ الظُّفُرِ ، وَإِنْ لَمْ يَعْتَقِدُوا تَحْرِيمَهُ كَانَ مِنْ طَعَامِهِمْ ، فَكَانَ حَلَالًا ، وَلِأَصْحَابِ هَذَا الْقَوْلِ فِي بَقَاءِ تَحْرِيمِ السَّبْتِ عَلَيْهِمْ قَوْلَانِ .
وَأَمَّا صَيْدُهُمُ الْحِيتَانَ يَوْمَ السَّبْتِ فَخَفِيَ عَلَى
أَبِي مُحَمَّدٍ أَنَّ غَايَتَهَا أَنْ تَكُونَ مَيْتَةً ، وَمَيْتَةُ السَّمَكِ حَلَالٌ وَلِهَذَا لَا
nindex.php?page=treesubj&link=27931يَحْرُمُ مَا صَادَهُ مِنْهُ الْمَجُوسِيُّ وَالْوَثَنِيُّ فِي أَصَحِّ قَوْلَيِ الْعُلَمَاءِ ، وَهُمَا رِوَايَتَانِ عَنِ الْإِمَامِ
أَحْمَدَ فِي السَّمَكِ وَالْجَرَادِ ، فَلَمْ يَتَنَاقَضُوا فِيهِ كَمَا زَعَمْتَ .
وَأَمَّا فَتَاوَى مَنْ ذَكَرْتَ مِنَ الصَّحَابَةِ بِحِلِّ ذَبَائِحِ أَهْلِ الْكِتَابِ فَنَعَمْ لَعَمْرُ اللَّهِ لَا يُعْرَفُ عَنْهُمْ فِيهَا خِلَافٌ ، وَلَيْسَ الْكَلَامُ فِيهَا ، وَالصَّحَابَةُ إِنَّمَا أَفْتَوْا بِحِلِّ جِنْسِ ذَبَائِحِهِمْ ، وَأَنَّهَا تُخَالِفُ ذَبَائِحَ الْمَجُوسِ ، وَلَمْ يُرِيدُوا بِذَلِكَ حِلَّ مَا لَا يَعْتَقِدُونَهُ حَلَالًا مِنْ ذَبَائِحِهِمْ وَأَطْعِمَتِهِمْ ، فَلَا يُحْفَظُ عَنِ الصَّحَابَةِ التَّصْرِيحُ بِهَذَا وَلَا هَذَا ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ .