[ ص: 146 ] 7 - فصل
[ ؟ ] متى تجب الجزية
وتجب الجزية في آخر الحول ، ولا يطالبون بها قبل ذلك ، هذا قول الإمام أحمد . والشافعي
وقال أبو حنيفة : تجب بأول الحول ، وتؤخذ منه كل شهر بقسطه ولأبي حنيفة رحمه الله تعالى أصل في الجزية ، وهي أنها عنده عقوبة محضة يسلك بها مسلك العقوبات البدنية ، ولهذا يقول : إذا اجتمعت عليه جزية سنين تداخلت كما تتداخل العقوبات ، ولو سقطت كلها كما تسقط العقوبات ، ولو مات بعد الحول وقبل الأخذ سقطت عنه . أسلم وعليه جزية سنين
وفي " الجامع الصغير " : ، لم يؤخذ منه وهذا عند ومن لم يؤخذ منه خراج رأسه حتى مضت السنة وجاءت السنة الأخرى أبي حنيفة .
وقالا : تؤخذ منه ، فإن مات عند تمام السنة لم تؤخذ منه في قولهم جميعا ؟ وعلى هذا فلو كانت تجب بآخر الحول لاستقرت بمضيه ولم تسقط ولم تتداخل كالزكاة والدية والجزية وجبت بدلا عن القتل وعصمة الدم في حقه ، وعوضا عن النصرة لهم في حقنا وهذا إنما يكون في المستقبل لا في الماضي ; لأن القتال إنما يفعل لحراب قائم في الحال لا لحراب ماض ، وكذا النصرة في المستقبل لأن الناصر وقعت الغنية عنه .
[ ص: 147 ] وسر المسألة أن سبب الجزية قائم في الحال ، ويعطيها على المستقبل شيئا فشيئا بحسب احتمال المحل لتعويض الضربات في الحدود .
ولهذا قالوا : تؤخذ كل شهر بقسطه فإنها لو أخرت حتى دخل العام الثاني سقطت كما قال محمد في " الجامع " .
وعلى هذا فلا تستقر عليه جزية أبدا ، ولا سبيل إلى أن تؤخذ سلفا وتعجيلا فأخذت مفرقة على شهور العام لقيام مقتضى لصدقته من الكفر وفي الأخذ من الذب عنه والنصرة .
وقال محمد في كتاب " الزيادات " في : أنه لا تجب عليه الجزية لأنها إنما تجب على الصحيح المعتمل . نصراني مرض السنة كلها فلم يقدر على أن يعمل وهو موسر
وكذلك إن مرض نصف السنة أو أكثرها ، فإن صح ثمانية أشهر أو أكثر فعليه الجزية ولأن المريض لا يقدر على العمل فهو خال من الغنى .
وكذلك إذا مرض أكثر السنة أن الأكثر يقوم مقام الجميع .
وكذلك إذا مرض نصف السنة أن الموجب والمسقط تساويا فيما طريقه العقوبة وكان الحكم للمسقط كالحدود .
واحتج لهذا القول بأن الله سبحانه أمر بقتالهم حتى يعطوا الجزية وبأنها عقوبة وإذلال وصغار للكفر وأهله ، فلا يتأخر عن القدرة على أخذها .
[ ص: 148 ] قالوا : وهذا - على أصل من جعلها أجرة سكنى الدار - أطرد فإن الأجرة تجب عقيب العقد ، وإنما أخذت منهم مقسطة بتكرر الأعوام رفقا بهم وليستمر نفع الإسلام بها وقوته كل عام بخراج الأرضين .
قال الأكثرون : لما ضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الجزية على أهل الكتاب والمجوس لم يطالبهم بها حتى ضربها عليهم ، ولا ألزمهم بأدائها في الحال وقت نزول الآية بل صالحهم عليها ، وكان يبعث رسله وسعاته فيأتون بالجزية والصدقة عند محلهما ، واستمرت على ذلك سيرة خلفائه من بعده ، وهذا مقتضى قواعد الشريعة وأصولها ، فإن كالزكاة والدية ، ولو أن رجلا أجل على رجل مالا كل عام يعطيه كذا وكذا لم يكن له المطالبة بقسط العام الأول عقيب العقد . الأموال التي تتكرر بتكرر الأعوام إنما تجب في آخر العام لا في أوله
وأما قوله تعالى : حتى يعطوا الجزية ، فليس المراد به العطاء الأول وحده بل العطاء المستمر المتكرر ، ولو كان المراد به ما ذكرتم لكان الواجب أخذ الجميع عقيب العقد ، وهذا لا سبيل إليه على أن المعنى : حتى يلتزموا عطاء الجزية وبذلها ، وهذه كانت سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيهم أنهم إذا التزموا له بذل الجزية كف عنهم بمجرد التزامهم ، ولهذا يحرم قتالهم إذا التزموها قبل إعطائهم إياها اتفاقا ، ولهذا قال - في حديث بريدة - : " " وإنما كان يدعوهم إلى الإقرار بها والتزامها دون الأخذ في الحال . فادعهم إلى الجزية فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم
واختلف أصحاب فقال بعضهم : تجب بأول السنة دفعة واحدة ولكن تستقر جزءا بعد جزء . الشافعي
[ ص: 149 ] وقال بعضهم : معنى إضافة الوجوب إلى أول السنة انبساطه على جميع الأوقات ، لا أنها تجب دفعة واحدة بأول السنة ، وبنوا على ذلك الأخذ بالقسط إذا أسلم أو مات أو جن .
وقال بعضهم : إنما يدخل عند انقضاء السنة وهذا هو المشهور . وقت وجوبها