[ ص: 206 ] 26 - فصل
في بني تغلب وأحكامهم .
بنو تغلب بن وائل بن ربيعة بن نزار ، من صميم العرب انتقلوا في الجاهلية إلى النصرانية وكانوا قبيلة عظيمة لهم شوكة قوية واستمروا على ذلك حتى جاء الإسلام فصولحوا على مضاعفة الصدقة عليهم عوضا من الجزية واختلفت الرواية متى صولحوا .
ففي " سنن أبي داود " من حديث إبراهيم بن مهاجر عن زياد بن [ ص: 207 ] حدير قال : علي : " لئن بقيت لنصارى بني تغلب لأقتلن المقاتلة ، ولأسبين الذرية فإني كتبت الكتاب بينهم وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - ألا ينصروا أبناءهم " . قال
لكن قال أبو داود : " هذا حديث منكر ، بلغني عن أنه كان ينكر هذا الحديث إنكارا شديدا " . أحمد بن حنبل
وقال : " لم يقرأه أبو علي اللؤلؤي أبو داود في العرضة الثانية " انتهى .
وإبراهيم بن مهاجر ضعفه غير واحد والمشهور أن عمر هو الذي صالحهم .
قال أبو عبيد : " ثنا أبو معاوية ثنا عن أبو إسحاق الشيباني عن السفاح داود بن كردوس قال : صالحت رضي الله عنه عن عمر بن الخطاب بني [ ص: 208 ] تغلب - بعدما قطعوا الفرات وأرادوا أن يلحقوا بالروم - على ألا يصبغوا صبيا ، ولا يكرهوا على دين غير دينهم وعلى أن عليهم العشر مضاعفا من كل عشرين درهما درهم ، فكان داود يقول : ليس لبني تغلب ذمة قد صبغوا في دينهم .
قال أبو عبيد : قوله : " لا يصبغوا في دينهم " يعني لا ينصروا أولادهم .
قال أبو عبيد : وكان يزيد في إسناد هذا [ ص: 209 ] الحديث بلغني ذلك عنه عن عبد السلام بن حرب الملائي الشيباني عن عن السفاح داود عن عبادة بن النعمان عن عمر .
وحدثني عن سعيد بن سليمان هشيم قال : ثنا مغيرة عن السفاح بن المثنى عن زرعة بن النعمان - أو النعمان بن زرعة - أنه سأل رضي الله عنه ، وكلمه في عمر بن الخطاب نصارى بني تغلب ، وكان عمر رضي الله عنه قد هم أن يأخذ منهم الجزية فتفرقوا في البلاد ، فقال النعمان لعمر : يا أمير المؤمنين إن بني تغلب قوم عرب يأنفون من الجزية ، وليست لهم أموال إنما هم أصحاب حروث ومواش ، ولهم نكاية في العدو فلا تعن عدوك عليك بهم ، فصالحهم عمر رضي الله عنه على أن أضعف عليهم الصدقة واشترط عليهم ألا ينصروا أولادهم .
قال مغيرة : فحدثت أن عليا قال : لئن تفرغت لبني تغلب ليكونن لي فيهم رأي : لأقتلن مقاتلتهم ولأسبين ذراريهم ، فقد نقضوا العهد ، وبرئت منهم الذمة حين نصروا أولادهم .
[ ص: 210 ] وحدثنا عن عبد الرحمن بن مهدي شعبة عن الحكم عن إبراهيم عن زياد بن حدير : أن عمر رضي الله عنه أمره أن يأخذ من نصارى بني تغلب العشر ، ومن نصارى أهل الكتاب نصف العشر .
قال أبو عبيد : " والحديث الأول - حديث داود بن كردوس وزرعة - هو الذي عليه العمل : أن يكون عليهم الضعف مما على المسلمين ، ألا تسمعه يقول : من كل عشرين درهما درهم ؟ وإنما يؤخذ من المسلمين إذا مروا بأموالهم على العاشر من كل أربعين درهما درهم ، فذلك ضعف هذا ، وهو المضاعف الذي اشترط عمر عليهم ، وكذلك سائر أموالهم من المواشي والأرضين يكون عليها في تأويل هذا الحديث الضعف أيضا ، فيكون في كل خمس من الإبل شاتان ، وفي العشر أربع شياه ثم على هذا ما زادت ، وكذلك الغنم والبقر وعلى هذا الحب والثمار ، فيكون ما سقته السماء فيه عشران وفيما سقي بالغرب عشر ، وفي حديث عمر رضي الله عنه وشرطه عليهم : أن يكون على أموال نسائهم وصبيانهم مثلما على أموال رجالهم ، وكذلك يقول أهل الحجاز ، انتهى .
فهذا الذي فعله عمر رضي الله عنه وافقه عليه جميع الصحابة والفقهاء بعدهم .
ويروى عن أنه أبى عليهم إلا الجزية وقال : " لا والله [ ص: 211 ] إلا الجزية ، وإلا فقد آذنتم بالحرب . عمر بن عبد العزيز
ولعله رأى أن شوكتهم ضعفت ، ولم يخف منهم ما خاف رضي الله عنه فإن عمر بن الخطاب عمر رضي الله عنه كان بعد مشغولا بقتال الكفار وفتح البلاد فلم يأمن أن يلحقوا بعده فيقوونهم عليه ، ] أمن ذلك . وعمر [ بن عبد العزيز
وأما رضي الله عنه فقال : " لئن بقيت لهم لأقتلن مقاتلتهم ولأسبين ذريتهم ، فإنهم نقضوا العهد ونصروا أولادهم " . علي بن أبي طالب
وعلى هذا فلا تجري هذه الأحكام التي ذكرها الفقهاء فيهم فإنهم ناقضون للعهد ، ولكن العمل على جريانها عليهم فلعل بعض الأئمة جدد لهم صلحا على أن حكم أولادهم حكمهم كسائر أهل الذمة والله أعلم .