220 - وقد أخذ أحمد بظاهره في رواية أبي الحرث، وقد سأله ما معنى قول النبي، صلى الله عليه وسلم: "إن الله يدني العبد يوم القيامة فيضع عليه كنفه"، كما قال ونقول به.
فقد نص أحمد على الأخذ بظاهره من غير تأويل، وإنما قال ذلك لأنه ليس في حمله على ذلك ما يحيل صفاته ولا يخرجها عما تستحقه، لأنا لا نصفه بالانتقال من مكان إلى مكان، وعلى هذا يحمل قوله تعالى: ( ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى ) وأن المراد بالدنو دنوه من الذات.
فإن قيل: في حمله على ذلك ما يفضي إلى إحالة صفاته وإخراجها عما تستحقه، لأنه تستحيل المساحة والمسافة وبعد المكان والنهاية عليه سبحانه، [ ص: 228 ] قيل: هذا غلط لما بينا، وهو أنا لا نصفه بالانتقال من مكان إلى مكان، حتى يجيء منه ما ذكرت، وإنما تلك صفة راجعة إلى العبد، ولأن هذا لا يقتضي كونه في مكان، كما أن إثباته مستويا على العرش لم يوجب كونه في مكان، وكذلك رؤيته سبحانه لا توجب كونه في مكان، كذلك الدنو منه لا يوجب كونه على مسافة.
فإن قيل: فيجب حمله على أنه يقربه من رحمته وأمانه وتعطفه ولطفه، وهذا شائع في اللغة، لأنه يقال: فلان قريب من فلان، والمراد به المنزلة وعلو الدرجة، قيل: هذا غلط لوجهين: أحدهما: أنه راحم له ومتعطف عليه وآمن له، مع عدم الدنو كما هو بعد الدنو، فلا يصح حمله على ما لا يفيد. والثاني: إن جاز هذا، جاز لقائل أن يقول في قوله: "ترون ربكم" معناه تعطفه ورحمته وثوابه.
الفصل الثاني: قوله: "يضع عليه كنفه حتى يستره من الناس" فلا نعلم معنى الكنف ما هو فنمر الخبر على ظاهره.
فإن قيل: يحمل ذلك على القرب من المنزلة والدرجة، لأنه يقال: أنا في كنف فلان، وفلان في كنفي يريد به تعطفه وتوفره، [ ص: 229 ] قيل: هذا غلط لما تقدم، وهو أنه متعطف متوفر عليه قبل ذلك، ولأن هذا يوجب تأويل حديث الرؤية على ذلك.
فأما قوله: ( ونحن أقرب إليه من حبل الوريد ) فالمراد به علمه، لأنه قد تقدم ذكر العلم في أول الآية بقوله تعالى: ( ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ) فوجب حمل ذلك على العلم [ ص: 230 ]