في موسى والخضر عليهما السلام قصة
الحمد لله جعل العلم للعلماء نسبا ، وأغناهم به وإن عدموا مالا ونشبا ، ولأجله سجدت الملائكة إلا إبليس أبى ، وبحيلة العلم اتكأ إدريس في الجنة واحتبى ، ولطلبه قام الكليم ويوشع وانتصبا ، فسارا إلى أن لقيا من سفرهما نصبا : وإذ قال موسى لفتاه لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين أو أمضي حقبا ، أحمده حمدا يدوم ما هبت جنوب وصبا ، وأصلي على رسوله محمد أشرف الخلائق عجما وعربا ، وعلى الذي أنفق المال وما قلل حتى تخلل بالعبا ، وعلى أبي بكر الذي من هيبته ولى الشيطان وهربا ، وعلى عمر الذي حيته الشهادة فقال مرحبا ، وعلى عثمان الذي ما فل سيف شجاعته قط ولا نبا ، وعلى عمه علي بن أبي طالب العالي نسبه على جبال الشرف والربى . العباس
وإذ قال موسى لفتاه لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين أو أمضي حقبا . قال الله تعالى :
معنى الكلام : اذكر يا محمد وإذ قال موسى وهو موسى بن عمران ، لفتاه وهو يوشع بن نون ، وإنما سمي فتاه لأنه كان يلازمه ويأخذ عنه العلم ويخدمه : لا أبرح أي لا أزال ، أي لا أنفك . وليس المراد به لا أزول لأنه إذا لم يزل لم يقطع أرضا . قال الشاعر :
إذا أنت لم تبرح تؤدي أمانة وتحمل أخرى أفرحتك الودائع
أي أثقلتك . ومعنى الآية لا أزال أسير حتى أبلغ مجمع البحرين أي ملتقاهما .وهو الذي وعده الله تعالى بلقاء الخضر فيه . قال قتادة : بحر فارس وبحر الروم فبحر الروم نحو الغرب وبحر فارس نحو الشرق .
وفي قولان : أحدهما : اسم البلد الذي بمجمع البحرين إفريقية . قاله والثاني : أبي بن كعب . طنجة . قاله محمد بن كعب القرظي .
أو أمضي حقبا وقرأ قوله تعالى : الحسن وقتادة حقبا بإسكان القاف وهما لغتان . قال ابن قتيبة : الحقب : الدهر . يقال حقب وحقب ، كما يقال قفل وقفل ، وأكل وأكل ، وعمر وعمر . ومعنى الآية : لا أزال أسير ولو احتجت أن أسير حقبا .
[ ص: 197 ] فلما بلغا يعني موسى وفتاه مجمع بينهما نسيا حوتهما وكانا قد تزودا حوتا مالحا في مكتل ، فكانا يصيبان منه عند الغداء والعشاء ، فلما بلغا هناك وضع يوشع المكتل فأصاب الحوت بلل البحر فعاش واسترب في البحر ، وقد كان لموسى تزود حوتا مالحا فإذا فقدته وجدت الرجل . قيل
وكان موسى حين ذهب الحوت قد مضى لحاجة ، فعزم يوشع أن يخبره بما جرى فنسي ، وإنما قيل نسيا توسعا في الكلام ، لأنهما جميعا تزوداه . ومثله : يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان وإنما يخرج من المالح لا من العذب .
فاتخذ سبيله في البحر سربا أي مسلكا . قال جعل الحوت لا يمس شيئا من البحر إلا يبس حتى يكون صخرة . وفي حديث ابن عباس : أن الماء صار مثل الطاق على الحوت . أبي بن كعب
فلما جاوزا ذلك المكان أدركهما النصب فدعا موسى بالطعام فقال يوشع : أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت فيه قولان : أحدهما : نسيت أن أخبرك خبر الحوت . والثاني : نسيت حمل الحوت .
واتخذ سبيله في هاء الكناية قولان : أحدهما أنها ترجع إلى الحوت . والثاني :
إلى موسى ، اتخذ سبيل الحوت في البحر ، أي دخل في مدخله فرأى الخضر . فعلى الأول : المخبر يوشع وعلى الثاني المخبر الله عز وجل .
قال موسى : ذلك ما كنا نبغ أي الذي كنا نطلب من العلامة الدالة على مطلوبنا ، لأنه كان قد قيل له : حيث تفقد الحوت تجد الرجل .
فارتدا أي رجعا في الطريق التي سلكاها يقصان الأثر . فوجدا عبدا من عبادنا وهو الخضر . قال وهب : اسمه اليسع . وقال ابن المنادي : أرميا .
بالخضر قولان : أحدهما : أنه جلس على فروة بيضاء فاهتز ما تحته خضرا . رواه وفي تسميته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . والفروة : الأرض اليابسة . والثاني : أنه كان إذا جلس اخضر ما حوله . قاله أبو هريرة وقال عكرمة . كان إذا صلى اخضر ما حوله . مجاهد :
فيه قولان : وهل كان نبيا ؟
[ ص: 198 ] آتيناه رحمة من عندنا أي نعمة قوله تعالى : وعلمناه من لدنا أي من عندنا علما قال أعطي من علم الغيب . ابن عباس :
قال له موسى هل أتبعك وهذا وإنما قال تحريض على طلب العلم وحث على الأدب والتواضع المصحوب ، الخضر : إنك لن تستطيع معي صبرا لأنه كان يعمل بعلم الغيب . والخبر : العلم بالشيء . والمعنى : أنت تنكر ظاهر ما ترى ولا تعلم باطنه . الخضر منها لوحا فحشاها فلما ركبا السفينة قلع موسى بثوبه وأنكر عليه بقوله : أخرقتها والإمر : العجب .
ثم اعتذر لا تؤاخذني بما نسيت وفيه ثلاثة أقوال : أحدها : أنه نسي حقيقة ، والثاني : أنه من معاريض الكلام ، تقديره : لا تؤاخذني بنسياني الذي نسيت في عمري ، فأوهمه بنسيان هذا الأمر . والثالث : أنه بمعنى الترك . والمعنى : لا تؤاخذني بتركي ما عاهدتك عليه . وترهقني بمعنى تعجلني . والمعنى : عاملني باليسر . بقوله :
الخضر ، وهل كان بالغا أم لا ؟ فيه قولان . فلما لقيا الغلام قتله أحدها : أنه اقتلع رأسه ، وهو في حديث وفي صفة قتله إياه ثلاثة أقوال : عن النبي صلى الله عليه وسلم . والثاني : كسر عنقه . قاله أبي والثالث : أنه أضجعه وذبحه بسكين . قاله ابن عباس : سعيد بن جبير .
(قال أقتلت نفسا زاكية) وقرأ ابن عامر : زكية . قال الكسائي : فيها وجهان كالقاسية والقسية . وقال الزاكية التي لم تذنب . والزكية التي أذنبت ثم تابت . وقال أبو عمرو بن العلاء : أبو عبيدة : الزاكية في البدن والزكية في الدين .