إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا
الأبرار واحدهم بر وبار . وهو الصادق المطيع قوله تعالى : يشربون من كأس أي : من إناء فيه شراب كان مزاج الكأس كافورا . والمطلوب من الكافور برده وريحه .
قوله تعالى : عينا قال المعنى : أعني عينا . وقال الأخفش : الأجود أن يكون المعنى من عين . الزجاج :
قوله تعالى : يشرب بها أي منها عباد الله أي أولياؤه يفجرونها قال يقودونها إلى حيث شاؤوا من الجنة . مجاهد :
قوله تعالى : يوفون بالنذر فيه إضمار (أي ) كانوا يوفون بالنذر إذا نذروا في طاعة الله ويخافون يوما كان شره مستطيرا أي فاشيا منتشرا فانشقت السماوات وتناثرت [ ص: 364 ] الكواكب وكورت الشمس والقمر ونسفت الجبال وغارت المياه وتكسر كل شيء على وجه الأرض من بناء أو جبل .
قوله تعالى : ويطعمون الطعام على حبه روى عن عطاء أنها نزلت في ابن عباس رضي الله عنه أجر نفسه يسقي نخلا بشيء من شعير ليلة حتى أصبح ، فلما قبض الشعير طحنوا ثلثه وأصلحوا منه ما يأكلونه فلما استوى أتى مسكين فأخرجوه إليه ، ثم عملوا الثلث الثاني فلما تم أتى يتيم فأطعموه ، ثم عملوا الباقي ، فلما تم أتى أسير من المشركين فأطعموه وطووا فنزلت هذه الآيات . علي بن أبي طالب
على حبه أي على حب الطعام . المعنى : وهم يشتهونه . وقال على حب الله عز وجل . أبو سليمان الداراني : قوله تعالى : إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد قال ما تكلموا بذلك إنما علم الله تعالى من قلوبهم فأثنى عليهم . سعيد بن جبير :
واليوم العبوس ، الذي تعبس فيه الوجوه ، فجعل ذلك من صفة اليوم . والقمطرير : الشديد . قال أبو عبيدة : العبوس القمطرير والقماطر والعصيب والعصبصب : أشد ما يكون من الأيام وأطوله في البلاء .
فوقاهم الله شر ذلك اليوم بطاعته في الدنيا ولقاهم نضرة أي حسنا وبياضا في الوجوه وسرورا في القلوب وجزاهم بما صبروا على طاعته جنة وحريرا وهو لباس أهل الجنة والأرائك : السرر في الحجال . والزمهرير : البرد الشديد ودانية وجزاهم دانية عليهم ظلالها أي قريبة منهم ظلال أشجارها وذللت قطوفها يتناولون منها قياما وقعودا ومضطجعين . والأكواب : الأباريق التي لا عرى لها كانت قواريرا أي تلك الأكواب قوارير ولكنها من فضة . قال لو ضربت فضة الدنيا حتى جعلتها مثل جناح الذباب لم ير الماء من ورائها ، وقوارير الجنة من فضة في صفاء القارورة . ابن عباس :
وقال الفراء : هذا على التشبيه ، المعنى كأنها من فضة أي لها بياض الفضة وصفاء كصفاء القوارير .
وفي قوله تعالى : قدروها تقديرا قولان : أحدهما : قدروها في أنفسهم فجاءت على ما قدروا . قاله قال الحسن . جعل الإناء على قدر ما يحتاجون إليه . الزجاج :
[ ص: 365 ] والثاني : قدرها السقاة والخدم على قدر ما يحتاج إليه السادة ، فلا يزيد على ريهم فيثقل الكف ولا ينقص منه فيطلب الزيادة ويسقون فيها أي في الجنة كأسا كان مزاجها زنجبيلا وهو معروف في الدنيا ، وهو عروق تسري في الأرض يؤكل رطبا ، والعرب تضرب المثل بالزنجبيل والخمر ممزوجين .
وكأن طعم الزنجبيل به إذ ذقته وسلافة الخمر
فشراب الجنة على برد الكافور وطعم الزنجبيل وريح المسك .
عينا فيها أي يسقون عينا . وسلسبيل : اسم العين وهو صفة لماء كان على غاية السلامة . قال مجاهد : سلسبيلا : حديدة الجرية . وقال ابن الأنباري : السلسبيل : صفة للماء لسلسه وسهولة مدخله في الحلق ، يقال شراب سلسل وسلسال وسلسبيل . حكى الماوردي أن عليا رضي الله عنه قال : معنى الكلام سل سبيلا إليها .
قوله تعالى : ويطوف عليهم ولدان مخلدون من الخلد ومنه الخلدة وهي القرط إذا رأيتهم منتشرين في الخدم حسبتهم لؤلؤا منثورا وإذا رأيت ثم يعني في الجنة رأيت نعيما لا يوصف وملكا كبيرا واسعا لا يريدون شيئا إلا قدروا عليه ولا يدخل عليهم ملك إلا باستئذان .
قوله تعالى : عاليهم ثياب يعني أهل الجنة . والسندس : رقيق الديباج . والإستبرق : غليظه . والخضرة : لون بين البياض والسواد فهي أصلح للعين من غيرها من الألوان وقد ألبس القوم الأساور وسقاهم ربهم شرابا طهورا لا يحدثون منه ولا يبولون إن هذا الذي وصف من النعيم كان لكم جزاء بأعمالكم وكان سعيكم في الدنيا بطاعة الله مشكورا قال شكرتكم عليه وأثبتكم أفضل الثواب . عطاء :
وقد ذكرنا أن هذا نزل في حق رضي الله عنه وأهل بيته لإيثارهم بالطعام . علي
كان رضي الله عنه قد خطب أبو بكر من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : انتظر بها القضاء . فذكر ذلك فاطمة لعمر فقال : ردك يا فخطبها أبا بكر . فقال له مثل ما قال عمر . لأبي بكر . علي اخطب لعلي : فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم عليه فقال : ما حاجتك ؟ فقال : ذكرت فاطمة . فقال : مرحبا وأهلا . فاطمة . فخرج فأخبر الناس بما قال . فقالوا : قد أعطاك الأهل والمرحب . ثم قال له : ما تصدقها ؟ قال : ما عندي ما أصدقها . قال : " فأين درعك [ ص: 366 ] الحطمية " . قال : عندي . قال : أصدقها إياها . فتزوجها فأهديت إليه ومعها خميلة ومرفقة من أدم حشوها ليف وقربة ومنخل وقدح ورحى وجرابان . ودخلت عليه وما لها فراش غير جلد كبش ينامان عليه بالليل وتعلف عليه الناضح بالنهار ، وكانت هي خادمة نفسها . فقال أهل
تالله ما ضرها ذلك .
وفي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها : " ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء هذه الأمة أو نساء المؤمنين " .
أخبرنا عبد الأول ، أخبرنا الداودي ، حدثنا ابن أعين ، حدثنا الفربري ، حدثنا ، حدثنا البخاري الوليد بن عيينة ، عن ، عن عمرو بن دينار ، ابن أبي مليكة عن ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " المسور بن مخرمة " . فاطمة بضعة مني فمن أغضبها أغضبني
أخرجاه في الصحيحين .
لما تبختر جمال في جلباب كمالها ، حين شروع الشرع في وصف جلالها ، أنهض فاطمة خاطبا لها في خطابه فسكت الرسول عن جوابه ، فنهض الصديق نهوض الليث في غابه فلم يجبه فاشتد الجوى به ، فلما نقل عمر أقدامه لخطبتها وجد الوحي قد سبقه قدامه : علي من فاطمة " علي إن الله أمرني أن أزوج فتزوجها في صفر وبنى بها في ذي الحجة ، فولدت له " في نصف رمضان سنة ثلاث من الهجرة ، وولدت الحسن الحسين لثلاث خلون من شعبان سنة أربع .
وفي الصحيحين البراء قال : على عاتقه وهو يقول : " اللهم إني أحبه فأحبه " . الحسن بن علي رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم واضعا وفيهما من حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه التزم أبي هريرة وقال : " اللهم إني أحبه فأحبه وأحب من يحبه " . الحسن من حديث
وفي أفراد البخاري من حديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في حق عمر الحسن والحسين : " هما ريحانتاي " .
[ ص: 367 ] وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : أبو سعيد الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة " . "
وكان يقول : علي بن أبي طالب أشبه الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم من الصدر إلى الرأس ، الحسن والحسين أشبه برسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان أسفل من ذلك .
أن النبي صلى الله عليه وسلم جلل على أم سلمة الحسن والحسين وعليا كساء ثم قال : " اللهم هؤلاء أهل بيتي وخاصتي أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا . فقالت وفاطمة وأنا معهم ؟ قال : إنك إلى خير . أم سلمة : وفي حديث
وكان إذا سئل عن أحمد بن حنبل وأهل بيته . قال : أهل بيت لا يقاس بهم أحد . علي
يا بني بنت النبي المصطفى حبكم ينفي عن المرء الظنن
إن لله علينا مننا حبكم شكر لهاتيك المنن
أنتم من لم يرد معطي الهدى غير ود الناس إياكم ثمن
أنا عبد الحق لا عبد الهوى لعن الله الهوى فيمن لعن
لما وقف المسكين ببابهم آثر فوافقت علي فاطمة .
ملك حاز العلا وأذل العدى واستعبد الزمنا
طبعه بالجود ممتزج هل رأيت الماء واللبنا
كفه تهوى السماح ولو أنفقت من غير ظهر غنى
خلقت للجود راحته فأرتك العارض الهتنا
ما يريد الواصفون له حيرت أوصافه الفطنا
أنطقت صم الصخور فلا عجب أن تخرس اللسنا
لما جاءت المديحة على الإيثار ووصف نعيم الجنة لم يذكر في ذلك الحور حفظا لقلب ، وكيف يذكر الحور وهن مماليك مع الحرة . فاطمة
سبحان من كسا أهل البيت نورا وجعل عليهم خندقا يقي الرجس وسورا ، فإذا تلقوا يوم القيامة تلقوا حبورا إن هذا كان لكم جزاء وكان سعيكم مشكورا .
[ ص: 368 ] ادخرنا لكم نعيما مقيما ، ومنحنا لكم فضلا جزيلا عميما ، وجزينا من كان للفقراء رحيما ، أولستم قد أطعمتم مسكينا ويتيما ورحمتم مأسورا وكان سعيكم مشكورا .
من مثل من مثل علي ، كم صبرا على أمواج بلايا متلاطمة ، وآثروا الفقر ونار الجوع حاطمة ، فلهم نضارة الوجوه والأهوال للوجوه خاطمة ، يا سرعان ما انقلب حزنهم سرورا فاطمة وكان سعيكم مشكورا .
كانت أحب الناس إليه ، وكان فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم أعز الخلق عليه ، وجعل الله ريحانته من الدنيا ولديه ، فإذا أحضرهم الحق غدا عنده ولديه أكرمهم إكراما عظيما موفورا ، علي وكان سعيكم مشكورا .
واعجبا ! ذكر في هذه الآيات نعيم الجنات من الملبوس والمشروبات والمطعومات ، والأرائك والقصور والعيون الجاريات ، ولم يذكر النساء وهن غاية اللذات ، احتراما أشرف البنات ، ومن يصف لفاطمة لا يذكر حورا فاطمة الزهراء إن هذا كان لكم جزاء وكان سعيكم مشكورا .
[ ص: 369 ]