الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ضرب لكم مثلا من أنفسكم هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء في ما رزقناكم فأنتم فيه سواء تخافونهم كخيفتكم أنفسكم كذلك نفصل الآيات لقوم يعقلون  بل اتبع الذين ظلموا أهواءهم بغير علم فمن يهدي من أضل الله وما لهم من ناصرين  

                                                                                                                                                                                                                                      ضرب لكم أيها المشركون، مثلا من أنفسكم أي: بين لكم شبها لحالكم ذلكم المثل، فقال: هل لكم من ما ملكت أيمانكم من عبيدكم، من شركاء في ما رزقناكم من المال والعبيد والأهل، أي: هل يشاركونكم في أموالكم، وهو قوله: فأنتم فيه سواء أي: أنتم وشركاؤكم من [ ص: 433 ] عبيدكم فيما رزقناكم شرع سواء "تخافونهم" أي: يشاركونكم فيما ترثونه من آبائكم، كخيفتكم أنفسكم كما يخاف الرجل الحر شريكه الحر في المال يكون بينهما أن ينفرد فيه دونه بأمر، فكما يخاف الرجل شريكه في الميراث أن يشاركه؛ لأنه يحب أن ينفرد به، فهو يخاف شريكه كما أن يرثه عصبته من ذريته، يعني أن هذه الخيفة لا تكون بين المالكين والمملوكين كما بين الأحرار، ومعنى أنفسكم هاهنا أمثالكم من الأحرار، كقوله: ولا تلمزوا أنفسكم ، وكقوله: ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا أي: بأمثالهم من المؤمنين، قال صاحب النظم: وهذا مثل ضربه الله للذين جعلوا له شركاء، فقال: هل يرضى أحد منكم أن يكون عبده شريكا له في ماله وولده حتى يكون هو ومملوكه سواء يخاف غيره من شريك لو كان له فيه شركة، فإذا لم ترضوا ذلك لأنفسكم فلم عدلتم بي من خلقي من هو مملوك لي فجعلتموهم شركاء لي.

                                                                                                                                                                                                                                      كذلك كما بينا في ضرب المثل من أنفسكم، نفصل الآيات لقوم يعقلون عن الله، ثم بين لهم أنهم إنما اتبعوا فيما أشركوا به الهوى، فقال: بل اتبع الذين ظلموا أشركوا بالله، أهواءهم في الشرك، بغير علم يعلمونه جاءهم من الله، فمن يهدي من أضل الله أي: لا هادي لمن أضله الله، وهذا يدل على أنهم إنما أشركوا بإضلال الله إياهم عن الحق، وما لهم من ناصرين مانعين من عذاب الله، قاله مقاتل .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية