ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله إن الله غفور رحيم فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار أولئك لهم نصيب مما كسبوا والله سريع الحساب
[ ص: 106 ] ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس ، وذلك قريش، وكنانة، وخزاعة، وعامر بن صعصعة، كانوا يبيتون بالمشعر الحرام، ولا يخرجون من الحرم خشية أن يقتلوا، وكانوا لا يقفون بعرفات، فأنزل الله عز وجل فيهم يأمرهم بالوقوف بعرفات، فقال لهم: الحمس، ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس ، يعني ربيعة، واليمن كانوا يفيضون من عرفات قبل غروب الشمس، ويفيضون من جمع إذا طلعت الشمس، فخالف النبي صلى الله عليه وسلم في الإفاضة، واستغفروا الله لذنوبكم، إن الله غفور لذنوب المؤمنين، رحيم بهم.
فإذا قضيتم مناسككم بعد أيام التشريق، فاذكروا الله كذكركم آباءكم ، وذلك فقال الله عز وجل: أنهم كانوا إذا فرغوا من المناسك وقفوا بين مسجد منى وبين الجبل يذكر كل واحد منهم أباه ومحاسنه، ويذكر صنائعه في الجاهلية أنه كان من أمره كذا وكذا، ويدعو له بالخير، فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله ، كذكر الأبناء الآباء، فإني فعلت ذلك الخير إلى آبائكم الذين تثنون عليهم، ثم قال سبحانه: أو أشد ، يعني أكثر ذكرا لله منكم لآبائكم، وكانوا إذا قضوا مناسكهم قالوا: اللهم أكثر أموالنا، وأبناءنا، ومواشينا، وأطل بقاءنا، وأنزل علينا الغيث، وأنبت لنا المرعى، واصحبنا في سفرنا، وأعطنا الظفر على عدونا، ولا يسألون ربهم عن أمر آخرتهم شيئا، فأنزل الله تعالى فيهم: فمن الناس من يقول ربنا آتنا ، يعني أعطنا في الدنيا ، يعني هذا الذي ذكر، فقال سبحانه: وما له في الآخرة من خلاق ، يعني من نصيب، نظيرها في براءة: فاستمتعوا بخلاقهم ، يعني بنصيبهم، فهؤلاء مشركو العرب. فلما أسلموا وحجوا دعوا ربهم، فقال سبحانه: ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ، أي دعوا ربهم أن يؤتيهم في الدنيا حسنة ، يعني الرزق الواسع، وأن يؤتيهم وفي الآخرة حسنة ، [ ص: 107 ] فيجعل ثوابهم الجنة، وأن يقيهم عذاب النار .
ثم أخبر عنهم، فقال: أولئك لهم نصيب مما كسبوا ، يقول: حظ من أعمالهم الحسنة، والله سريع الحساب ، يقول: كأنه قد كان، فهؤلاء المؤمنون.