الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون  فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا إن ظنا أن يقيما حدود الله وتلك حدود الله يبينها لقوم يعلمون  وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه ولا تتخذوا آيات الله هزوا واذكروا نعمت الله عليكم وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة يعظكم به واتقوا الله واعلموا أن الله بكل شيء عليم  وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف ذلك يوعظ به من كان منكم يؤمن بالله واليوم الآخر ذلكم أزكى لكم وأطهر والله يعلم وأنتم لا تعلمون  

[ ص: 121 ] ثم نسختها الآية التي بعدها، فأنزل الله بعد ذلك بأيام يسيرة، فبين للرجل كيف يطلق المرأة، وكيف تعتد، فقال: الطلاق مرتان فإمساك بمعروف ، يعني بإحسان، أو تسريح بإحسان ، يعني التطليقة الثالثة في غير ضرار، كما أمر الله سبحانه في وفاء المهر، ولا يحل لكم إذا أردتم طلاقها أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا ، وذلك أن الرجل كان إذا طلق امرأته، أخرجها من بيته، فلا يعطيها شيئا من المهر، ثم استثنى ورخص، فقال سبحانه: إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله ، يعني أمر الله عز وجل فيما أمرهما، وذلك أن تخاف المرأة الفتنة على نفسها، فتعصي الله فيما أمرها زوجها، أو يخاف الزوج إن لم تطعه امرأته أن يعتدي عليها، يقول سبحانه: فإن خفتم ، يعني علمتم، ألا يقيما ، يعني الحاكم، حدود الله ، يعني أمر الله في أنفسهما إن نشزت عليه، فلا جناح عليهما ، يعني الزوج والزوجة، فيما افتدت به من شيء، يقول: لا حرج عليهما إذا رضيا أن تفتدي منه ويقبل منها الفدية ثم يفترقا، وكانت نزلت في ثابت بن قيس بن شماس الأنصاري من بني الحارث بن الخزرج، وفي امرأته أم حبيبة بنت عبد الله بن أبي رأس المنافقين، وكان أمهرها حديقة فردتها عليه، واختلعت منه، فهي أول خلعة كانت في الإسلام،  ثم قال: تلك حدود الله ، يعني أمر الله فيهما، فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله ، يقول: ومن يخالف أمر الله إلى غيره، فأولئك هم الظالمون لأنفسهم.

ثم رجع إلى الآية الأولى في قوله: الطلاق مرتان فإن طلقها بعد التطليقتين تطليقة أخرى، سواء أكان بها حبل أم لا، فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره فيجامعها، فنسخت هذه الآية الآية التي قبلها في قوله عز وجل وبعولتهن أحق بردهن في ذلك ، ونزلت فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره في تميمة بنت وهب بن عتيك النقري، وفي زوجها رفاعة بن عبد الرحمن بن الزبير ، وتزوجها عبد الرحمن بن [ ص: 122 ] الزبير القرظي ، يقول: فإن طلقها الزوج الأخير عبد الرحمن، فلا جناح عليهما ، يعني الزوج الأول رفاعة ، ولا على المرأة تميمة، أن يتراجعا بمهر جديد ونكاح جديد، إن ظنا ، يعني إن حسبا، أن يقيما حدود الله أمر الله فيما أمرهما، وتلك حدود الله ، يعني أمر الله في الطلاق، يعني ما ذكر من أحكام الزوج والمرأة في الطلاق وفي المراجعة، يبينها لقوم يعلمون .

وإذا طلقتم النساء واحدة، فبلغن أجلهن ، يعني انقضاء عدتهن من قبل أن تغتسل من قرئها الثالث، فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف ، يعني بإحسان من غير ذرار، فيوفيها المهر والمتعة، نزلت في ثابت بن ياسر الأنصاري في الطعام والكسوة وغير ذلك، فقال سبحانه: ولا تمسكوهن ضرارا ، وذلك أنه طلق امرأته، فلما أرادت أن تبين منه راجعها، فما زال يضارها بالطلاق ويراجعها، يريد بذلك أن يمنعها من الزواج لتفتدي منه،  فذلك قوله سبحانه: لتعتدوا ، وكان ذلك عدوانا، ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه ولا تتخذوا آيات الله هزوا ، يعني استهزاء فيما أمر الله عز وجل في كتابه من إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان، ولا تتخذوها لعبا، واذكروا ، يعني واحفظوا نعمت الله عليكم بالإسلام، "و" احفظوا وما أنزل الله عليكم من الكتاب ، يعني القرآن والحكمة والموعظة التي في القرآن من أمره ونهيه، يقول: يعظكم به ، يعني بالقرآن، واتقوا الله ، يعظكم فلا تعصوه فيهن، ثم حذرهم، فقال: واعلموا أن الله بكل شيء من أعمالكم عليم ، فيجزيكم بها.

وإذا طلقتم النساء تطليقة واحدة، فبلغن أجلهن ، يقول: انقضت عدتهن، نزلت في أبي البداح بن عاصم بن عدي الأنصاري ، من بني العجلان الأنصاري، وهو حي من قضاعة، وفي امرأته جمل بنت يسار المزني، بانت منه بتطليقة، فأراد مراجعتها، فمنعها أخوها، وقال: لئن فعلت لا أكلمك أبدا، أنكحتك وأكرمتك وآثرتك على قومي فطلقتها، وأجحفت بها، والله لا أزوجكها أبدا، فقال الله عز وجل، يعني معقل: فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن ، يعني فلا تمنعوهن أن يراجعهن أزواجهن، إذا تراضوا بينهم بالمعروف ، يعني بمهر جديد ونكاح جديد، ذلك الذي ذكر من النهي ألا يمنعها من الزوج ذلك، يوعظ به من كان منكم يؤمن بالله واليوم الآخر ، يعني يصدق بالله بأنه واحد لا شريك له، ويصدق بالبعث الذي فيه جزاء الأعمال، فليفعل ما [ ص: 123 ] أمره الله عز وجل من المراجعة، ذلكم أزكى لكم ، يعني خير لكم من الفرقة، وأطهر لقلوبكم من الريبة، والله يعلم حب كل واحد منهما لصاحبه، وأنتم لا تعلمون ذلك منهما.

فلما نزلت هذه الآية، قال صلى الله عليه وسلم: " يا معقل ، إن كنت تؤمن بالله واليوم الآخر، فلا تمنع أختك فلانا "، يعني أبا البداح ، قال: فإني أنا أؤمن بالله واليوم الآخر، وأشهدك أني قد أنكحته.  

التالي السابق


الخدمات العلمية