وما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وزينتها وما عند الله خير وأبقى أفلا تعقلون أفمن وعدناه وعدا حسنا فهو لاقيه كمن متعناه متاع الحياة الدنيا ثم هو يوم القيامة من المحضرين ويوم يناديهم فيقول أين شركائي الذين كنتم تزعمون قال الذين حق عليهم القول ربنا هؤلاء الذين أغوينا أغويناهم كما غوينا تبرأنا إليك ما كانوا إيانا يعبدون وقيل ادعوا شركاءكم فدعوهم فلم يستجيبوا لهم ورأوا العذاب لو أنهم كانوا يهتدون ويوم يناديهم فيقول ماذا أجبتم المرسلين فعميت عليهم الأنباء يومئذ فهم لا يتساءلون فأما من تاب وآمن وعمل صالحا فعسى أن يكون من المفلحين وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة سبحان الله وتعالى عما يشركون وربك يعلم ما تكن صدورهم وما يعلنون وهو الله لا إله إلا هو له الحمد في الأولى والآخرة وله الحكم وإليه ترجعون
وما أوتيتم من شيء يقول: وما أعطيتم من خير، يعني به كفار مكة فمتاع الحياة الدنيا وزينتها يقول: تمتعون في أيام حياتكم، فمتاع الحياة الدنيا وزينتها إلى فناء [ ص: 503 ] وما عند الله من الثواب خير وأبقى يعني أفضل وأدوم لأهله مما أعطيتم في الدنيا أفلا تعقلون أن الباقي خير من الفاني الذاهب.
أفمن وعدناه يعني أفمن وعده الله عز وجل، يعني النبي صلى الله عليه وسلم في الدنيا وعدا حسنا يعني الجنة فهو لاقيه فهو معاينه يقول: مصيبه كمن متعناه متاع الحياة الدنيا بالمال ثم هو يوم القيامة من المحضرين النار، يعني أبا جهل بن هشام ، لعنه الله، ليسا بسواء، نظيرها في الأنعام.
ويوم يناديهم يعني كفار مكة فيقول أين شركائي الذين كنتم تزعمون في الدنيا أن معي شريكا قال الذين حق عليهم القول يعني وجب عليهم كلمة العذاب وهم الشياطين، حق عليهم القول يوم قال الله تعالى وذكره لإبليس: لأملأن جهنم منكم أجمعين ، فقالت الشياطين في الآخرة: ربنا هؤلاء الذين أغوينا أغويناهم كما غوينا يعنون كفار بني آدم، يعني هؤلاء الذين أضللناهم كما ضللنا تبرأنا إليك منهم يا رب ما كانوا إيانا يعبدون فتبرأت الشياطين ممن كان يعبدها.
وقيل لكفار بني آدم ادعوا شركاءكم يقول سلوا الآلهة: أهم الآلهة ؟ فدعوهم فلم يستجيبوا لهم يقول: سألوهم فلم تجبهم الآلهة، نظيرها في الكهف. يقول الله تعالى: ورأوا العذاب لو أنهم كانوا يهتدون من الضلالة يقول: لو أنهم كانوا مهتدين في الدنيا ما رأوا العذاب في الآخرة.
ويوم يناديهم يقول: ويوم يسألهم، يعني كفار مكة يسألهم الله عز وجل، فيقول ماذا أجبتم المرسلين في التوحيد فعميت عليهم الأنباء يعني الحجج يومئذ فهم لا يتساءلون يعني لا يسأل بعضهم بعضا عن الحجج، لأن الله تعالى أدحض حجتهم، وأكل ألسنتهم، فذلك قوله تعالى: فعميت عليهم الأنباء يومئذ فهم لا يتساءلون فأما من تاب من الشرك وآمن يعني وصدق بتوحيد الله عز وجل، وعمل صالحا فعسى والعسى من الله عز وجل واجب أن يكون من المفلحين . وربك يخلق ما يشاء ويختار وذلك أن الوليد قال في "حم" الزخرف: لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم يعني نفسه، وأبا مسعود الثقفي ، فذلك قوله سبحانه: ويختار أي للرسالة والنبوة من يشاء، فشاء [ ص: 504 ] جل جلاله، لأن يجعلها في النبي صلى الله عليه وسلم، وليست النبوة والرسالة بأيديهم، ولكنها بيد الله عز وجل، ثم قال سبحانه: ما كان لهم الخيرة من أمرهم، ثم نزه نفسه تبارك وتعالى عن قول الوليد حين قال: أجعل محمد صلى الله عليه وسلم الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب ، فكفر بتوحيد الله عز وجل، فأنزل الله سبحانه ينزه نفسه عز وجل عن شركهم، فقال: سبحان الله وتعالى يعني وارتفع عما يشركون به غيره عز وجل.
ثم قال عز وجل: وربك يعلم ما تكن صدورهم يعني ما تسر قلوبهم وما يعلنون بألسنتهم، نظيرها في النمل، ثم وحد الرب نفسه تبارك وتعالى حين لم يوحده كفار مكة ، الوليد وأصحابه.
فقال سبحانه: وهو الله لا إله إلا هو له الحمد في الأولى والآخرة يعني يحمده أولياؤه في الدنيا، ويحمدونه في الآخرة، يعني أهل الجنة وله الحكم وإليه ترجعون بعد الموت في الآخرة فيجزيكم بأعمالكم.