الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      فأقم وجهك للدين حنيفا فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون  منيبين إليه واتقوه وأقيموا الصلاة ولا تكونوا من المشركين  من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون  

                                                                                                                                                                                                                                      فأقم وجهك أي : وجهتك للدين حنيفا أي : مخلصا . فطرت الله التي فطر خلق الناس عليها .

                                                                                                                                                                                                                                      قال محمد : (فطرت الله) نصب بمعنى : اتبع فطرة الله .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 362 ] قال يحيى : وهو قوله : (وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم) الآية . إن أول ما خلق الله القلم  فقال : اكتب . قال : رب ما أكتب! قال : ما هو كائن . قال : فجرى القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة ، فأعمال العباد تعرض كل يوم اثنين وخميس  عرضة (فيجدونها) على ما في الكتاب ، ثم مسح بعد ذلك على ظهر آدم فأخرج (منها) كل نسمة هو خالقها ، فأخرجهم مثل الذر ، فقال : ألست بربكم قالوا بلى شهدنا ، ثم أعادهم في صلب آدم ، ثم يكتب العبد في بطن أمه : شقيا أو سعيدا ، على الكتاب الأول ، فمن كان في الكتاب الأول شقيا عمر حتى يجري عليه القلم فينقض الميثاق الذي أخذ عليه في صلب آدم بالشرك ، ومن كان في الكتاب الأول سعيدا عمر حتى يجري عليه القلم [فيؤمن] فيصير سعيدا ، ومن مات صغيرا من أولاد المؤمنين قبل أن يجري عليه القلم ؛ فيكونون مع آبائهم في [الجنة من ملوك] أهل الجنة ، ومن كان من أولاد المشركين ، فمات قبل أن يجري عليه القلم ،  فليس يكونون مع آبائهم في النار ؛ لأنهم ماتوا على الميثاق الذي أخذ عليهم في صلب آدم ، ولم ينقضوا الميثاق .

                                                                                                                                                                                                                                      قال يحيى : وقد حدثني الوليد بن ( . . . ) عن الربيع بن صبيح ، عن [ ص: 363 ] يزيد الرقاشي ، عن أنس بن مالك قال : " سئل رسول الله عن أولاد المشركين ؟  فقال : لم تكن لهم حسنات ؛ فيجزوا بها فيكونوا من ملوك أهل الجنة ، ولم تكن لهم سيئات فيعاقبوا بها فيكونوا من أهل النار ؛ فهم خدم لأهل الجنة " .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 364 ] يحيى : (عن ابن أبي ذئب) عن الزهري [عن عطاء بن يزيد] عن أبي هريرة قال : " سئل رسول الله عن أولاد المشركين ،  فقال : الله أعلم بما كانوا عاملين " .

                                                                                                                                                                                                                                      قال يحيى : يعني : لو بلغوا .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : لا تبديل لخلق الله يعني : لدين الله كقوله من يهد الله فهو المهتدي لا يستطيع أحد أن يضله ولكن أكثر الناس لا يعلمون وهم المشركون .

                                                                                                                                                                                                                                      منيبين إليه : أي مقبلين بالإخلاص .

                                                                                                                                                                                                                                      قال محمد : قال الزجاج : (منيبين إليه) نصب على الحال بفعل (فأقم وجهك) قال : وزعم جميع النحويين أن معنى هذا : فأقيموا وجوهكم ؛ لأن [ ص: 365 ] مخاطبة النبي عليه السلام تدخل فيها الأمة . ولا تكونوا من المشركين من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا فرقا يعني : أهل الكتاب كل حزب كل قوم بما لديهم أي : بما هم عليه فرحون أي : راضون .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية