الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              معلومات الكتاب

              تهذيب الآثار للطبري

              الطبري - محمد بن جرير الطبري

              صفحة جزء
              898 - حدثنا عمرو بن علي الباهلي ، قال: حدثنا سفيان بن حبيب ، قال: حدثنا يونس ، عن الحسن ، في رجل زنى بأخته،  قال: "حده حد الزاني"

              فإن قال: وما علة قائلي هذه المقالة؟

              قيل: علتهم فيها أن الله تعالى ذكره أوجب في كتابه على الزناة الأبكار الأحرار جلد مائة،  وعلى لسان رسوله تغريب عام وعلى المحصنين منهم بالأزواج الرجم،  ولم يخص بحكمه على من حكم بذلك عليه الزناة بالأجنبيين، دون الزناة بذوات المحارم.

              قالوا: فالزاني بذات محرمه  زان لحكمه حكم الزاني بغير ذات المحرم منه، وأنكروا صحة الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم بأنه أمر بضرب عنق المعرس بامرأة أبيه.

              وقالوا: أما حديث البراء ، فإنه رواه أشعث النقاش ، عن عدي بن ثابت ، وأشعث "وعدي" ممن لا يحتج في الدين بنقلهما.

              وأما "أبو الجهم" ، الذي روى عنه "مطرف" ، فإنه شيخ مجهول. قالوا: وحديث "معاوية بن قرة" أوهى وأضعف، لأنه خبر لا يعرف له مخرج إلا من حديث خالد بن أبي كريمة ، ومثل خالد بن أبي كريمة ، لا يحتج به في الدين.

              [ ص: 572 ] قالوا: ويزيد حديث خالد وهاء، ما فيه من أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن يخمس مال من عرس بامرأة أبيه بعد قتله. قالوا: وذلك مما لا خلاف بين جميع علماء الأمة أنه غير جائز أن يحكم به على من فعل ذلك، ما دام على الإسلام مقيما .

              والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال: أمر الله تعالى ذكره بجلد الزاني الحر البكر مائة جلدة ورجم رسول الله صلى الله عليه وسلم الحر المحصن الثيب من الزناة ولم يخصص الله تعالى ذكره بحكمه ذلك، الزناة بالغرائب منهم دون ذوات المحارم في كتابه ولا على لسان رسوله، بل عم به جميع الزناة في كتابه فقال: الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا صح خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بخصوصه بالرجم بعضهم دون بعض، فذلك عام في كل زانية وزان، بغريبة منه زنى الزاني أو بذات محرم منه

              فإن قال لنا قائل: فإنك قد قلت بتصحيح خبر عباد بن منصور الذي ذكرته قبل، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من وقع على ذات محرم فاقتلوه ".  

              قيل: قد بينا معنى قوله عليه السلام "فاقتلوه" ، وما يحتمل ذلك من الوجوه، وأولى وجوهه بالصواب في قوله: "ومن وقع على بهيمة فاقتلوه" ،  وقد مضى بيان ذلك قبل بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. فإن قال: فإنك وجهت معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ومن وقع على بهيمة فاقتلوه" ، إلى أنه قتل بالرجم إذ كان حرا محصنا، والأخبار التي ذكرتها آنفا عن البراء بن عازب وغيره، واردة عنهم، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أمر بضرب عنق الذي عرس بزوجة أبيه، وذلك غير الرجم . [ ص: 573 ] قيل: إن الذي أمر عليه السلام بضرب عنقه، لم يكن أمرا بضرب عنقه على إتيانه زوجة أبيه فقط دون معنى غيره، وإنما كان لإتيانه إياها بعقد نكاح كان بينه وبينها وذلك مبين في الأخبار التي ذكرتها قبل، وذلك قول الرسول الذي أرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الذي فعل ذلك للبراء إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسلني إلى رجل تزوج امرأة أبيه لأضرب عنقه ولم يقل: إنه أرسلني إلى رجل زنى بامرأة أبيه لأضرب عنقه وكان الذي عرس بزوجة أبيه، متخطيا بفعله حرمتين، وجامعا بين كبيرتين من معاصي الله=

              إحداهما: عقد نكاح على من حرم الله عقد النكاح عليه بنص تنزيله بقوله: ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء

              والثانية: إتيانه فرجا محرما عليه إتيانه وأعظم من ذلك تقدمه على ذلك بمشهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإعلانه عقد النكاح على من حرم الله عليه عقده عليه بنص كتابه الذي لا شبهة في تحريمها عليه، وهو حاضره. فكان فعله ذلك من أدل الدليل على تكذيبه رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما أتاه به عن الله تعالى ذكره، وجحوده آية محكمة في تنزيله فكان بذلك من فعله كذلك، عن الإسلام إن كان قد كان للإسلام مظهرا مرتدا، أو إن كان من الكفار الذين لهم عهد، كان بذلك من فعله وإظهاره ما ليس له إظهاره في أرض الإسلام للعهد ناقضا، وكان بذلك من فعله، حكمه القتل وضرب العنق. فلذلك أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله وضرب عنقه إن شاء الله، لأن ذلك كان سنته في المرتد عن الإسلام،  والناقض عهده من أهل العهد.

              [ ص: 574 ] وفي خبر البراء الذي ذكرناه قبل أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بضرب عنق الذي تزوج امرأة أبيه  الدليل الواضح والبيان البين، عن خطإ قول من زعم أن رجلا من المسلمين لو تزوج أخته أو عمته أو غيرها من محارمه التي نص الله على تحريمها في كتابه، وعقد عليها عقدة نكاح، ثم وطئها وهو بتحريم الله ذلك عليه عالم أن للمنكوحة من محارمه مهر متاعها وأنه لا حد عليه، ولا عليها عقوبة ولا تعزير وأن النكاح الذي عقد عليها شبهة توجب درأ الحد عنهما، ويلزم الرجل لها به مهر إذا وطئها وذلك أن فاعل ذلك على علم منه بتحريم الله ذلك على خلقه إن كان من أهل الإسلام، إن لم يكن مسلوكا به في العقوبة سبيل أهل الردة بإعلانه استحلال ما لا لبس فيه على ناشئ نشأ في أرض الإسلام أنه حرام، فغير مقصر به عن عقوبة الزناة الذين جعل الله عقوبة البكر غير المحصن منهم الجلد، والثيب المحصن منهم الرجم، لأنه بفعله ذلك آت فرجا حرم الله عليه إتيانه، على علم منه بتحريم الله ذلك عليه في حال إتيانه إياه.

              ويسأل: قائلو هذه المقالة عن صفة "الزنا" ،  فلن يصفوا: ذلك بصفة إلا أوجدوها في الناكح ذات المحرم منه، فإنها موجودة فيه.

              [ ص: 575 ]

              التالي السابق


              الخدمات العلمية