( ( وبعدهم فالتابعون أحرى بالفضل ثم تابعوهم طرا ) )
( ( وبعدهم ) ) أي بعد الصحابة المخصوصين بالفضل والعدالة العامة والإصابة ، ( ( فالتابعون ) ) لهم بإحسان ( ( أحرى ) ) أي أحق وأجدر ( ( بالفضل ) ) والإتقان والتقديم على غيرهم من سائر أهل الإيمان ، هو كل من صحب الصحابي ، ومطلقه مخصوص بالتابعي بإحسان ، ويقال للواحد تابع وتابعي ، ولا بد في التابعي من زيادة على ما تعتبر به الصحبة في الصحابي كما تقدم ، لأن الصحبة خصوصية كما بيناه ، ولهم طبقات بالنسبة إلى من اجتمع بعشرة أو ثلاثة من الصحابة ، وبالعلم والزهد وغير ذلك . وقد اختلف في وتعريف التابعي ، قال سيدنا أفضل التابعين وغيره من أهل العلم : أفضل التابعين الإمام أحمد ، وقال قوم : أفضل التابعين سعيد بن المسيب ، واستدلوا له بحديث : " أويس بن عامر ، ويقال : عمرو وكنيته أبو عمرو وهو القرني أويس " . رواه خير التابعين الحاكم عن عن النبي - صلى [ ص: 390 ] الله عليه وسلم - وفي صحيح علي بن أبي طالب مسلم : " أويس ، وله والدة ، وكان به بياض فمروه ، فليستغفر لكم " . قال إن خير التابعين رجل يقال له : النووي : هو . وكذا رواه أويس بن عامر مسلم ، وهو المشهور ، وقال : ويقال : ابن ماكولا - بفتح القاف والراء - وهو بطن من أويس بن عمرو ، وهو القرني مراد ، وهو قرن بن رمدان ، وغلطوا من نسبه إلى قرن المنازل الجبل المعروف ميقات أهل نجد في الإحرام ، وفيه ، وإن كان الطالب أفضل منهم ، فإن قيل : كيف استجاز طلب الدعاء والاستغفار من أهل الصلاح ومن نحا نحوه تفضيل الإمام أحمد على سائر التابعين مع وجود النص الصريح بالنقل الصحيح في تفضيل ابن المسيب ؟ فالجواب أن مراد سيدنا أويس القرني وأضرابه أفضلية الإمام أحمد سعيد في العلوم الشرعية كالتفسير والحديث والفقه ونفع الأمة بذلك ، وبما بلغه عن الصحابة الكرام عن النبي - عليه أفضل الصلاة والسلام - فإنه الإمام الحافظ الثقة المأمون حتى قيل فيه : أعلم أمة محمد بدين محمد بعد محمد - رحمه الله ورضي الله عنه - ، والدليل على سعيد بن المسيب قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : " أفضلية التابعين عمران : فلا أدري أذكر بعد قرنه قرنين أو ثلاثة - ثم إن بعدهم قوما يشهدون ولا يستشهدون ، ويخونون ولا يؤتمنون ، وينذرون ولا يوفون ويظهر فيهم السمن " . زاد في رواية ويحلفون ولا يستحلفون . رواه خير الناس قرني ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم - قال البخاري ومسلم من حديث والترمذي - رضي الله عنه - ، ورواه عمران بن حصين أبو داود ولفظه : " . ورواه خير أمتي القرن الذي بعثت فيهم ، ثم الذين يلونهم ، والله أعلم أذكر الثالث أم لا مسلم من حديث وفيه : والله أعلم أذكر الثالث أم لا . وقد قال - صلى الله عليه وسلم - : " أبي هريرة " . رواه لا تمس النار مسلما رآني أو رأى من رآني الترمذي من حديث جابر ، قال طلحة : فقد رأيت - رضي الله عنهما - ، وقال جابر بن عبد الله موسى : قد رأيت طلحة ، وقال يحيى : وقال لي موسى : وقد رأيتني ونحن نرجو الله تعالى . قال الإمام المحقق ابن القيم في أول كتابه إعلام الموقعين ألقى الصحابة الكرام إلى التابعين ما تلقوه من مشكاة النبوة خالصا صافيا ، وكان سندهم عن نبيهم - صلى الله عليه وسلم - عن جبريل عن رب [ ص: 391 ] العالمين سندا صحيحا عاليا ، وقالوا : هذا عهد نبينا إلينا ، وقد عهدناه إليكم ، وهذه وصية ربنا وفرضه علينا ، وهي وصيته وفرضه عليكم ، فجرى التابعون لهم بإحسان على منهاجهم ، واقتفوا آثار صراطهم المستقيم ، ولهذا قال ( ( ثم ) ) ( ( تابعوهم ) ) أي أتباع التابعين ، لما تقدم من صحيح الأخبار وصريح الآثار ( ( طرا ) ) أي جميعا ، وهو منصوب على المصدر أو الحال ، لأنهم سلكوا مسلكهم الرشيد ( الأفضل بعد التابعين وهدوا إلى الطيب من القول وهدوا إلى صراط الحميد ) وكانوا بالنسبة إلى من قبلهم كما قال أصدق القائلين : ( ثلة من الأولين وقليل من الآخرين ) ، ثم جاء الأئمة من القرن الرابع المفضل في إحدى الروايتين ، كما ثبت في الصحيح من حديث أبي سعيد ، ، وابن مسعود ، وأبي هريرة وعائشة ، - رضي الله عنهم - أجمعين من قوله - صلى الله عليه وسلم - : " وعمران بن حصين " الحديث ، والقرن أهل زمان واحد متقارب اشتركوا في أمر من الأمور المقصودة ، والأصح أنه لا ينضبط بمدة ، فقرنه - صلى الله عليه وسلم - هم أصحابه ، وكانت مدتهم من المبعث إلى آخر من مات من أصحابه ، وهو خير الناس قرني أبو الطفيل مائة وعشرين سنة ، من نحو مائة إلى سبعين سنة ، وقرن التابعين من ثم إلى حدود العشرين ومائتين ، وفي هذا الوقت ظهرت البدع ظهورا فاشيا ، وأطلقت وقرن أتباع التابعين المعتزلة ألسنتها ، وأظهرت الجهمية نحلتها ، ورفعت الفلاسفة رءوسها ، وامتحنت أئمة الدين وعلماء المسلمين ، ليقولوا بخلق القرآن ، وكان المقصود الأعظم منهم إمامنا ، فقام بأمر السنة أتم قيام ، وعاضده عليها أئمة أعلام ، وحفاظ للدين فخام ، شكر الله سعيهم ، وثبتنا على نهجهم ، آمين ، وظهر مصداق قوله - صلى الله عليه وسلم - كما في رواية : الإمام أحمد ، قال في النهاية : ثم يفشو الكذب - يعني الصحابة - ، ثم التابعين ، والقرن أهل كل زمان ، وهو مقدار التوسط في أعمار كل زمان ، مأخوذ من الاقتران ، فكأنه المقدار الذي يقترن فيه أهل ذلك الزمان في أعمارهم وأحوالهم ، وقيل القرن أربعون سنة ، وقيل مائة ، وقيل هو مطلق من الزمان ، وهو مصدر قرن يقرن قرنا . قال خير الناس قرني الحافظ جلال الدين السيوطي في الدر المنثور : القرن أهل كل زمان ، وهو المقدار الذي يقترن فيه أهل ذلك الزمان في أعمارهم وأحوالهم