[ ص: 102 ] ( ( فكل من أول في الصفات كذاته من غير ما إثبات ) ) ( ( فقد تعدى واستطال واجترى
وخاض في بحر الهلاك وافترى ) ) ( ( ألم تر اختلاف أصحاب النظر
فيه وحسن ما نحاه ذو الأثر ) ) ( ( فإنهم قد اقتدوا بالمصطفى
وصحبه فاقنع بهذا وكفى ) )
( ( فكل من أول في الصفات ) ) الثابتة للذات المقدسة عن سمات المحدثات ،
nindex.php?page=treesubj&link=28710والمراد بالتأويل هنا أن يراد باللفظ ما يخالف ظاهره ، أو صرف اللفظ عن ظاهره لمعنى آخر ، أو عن حقيقته لمجازه ، وهو في آيات الصفات المقدسة من المنكرات عند أئمة الدين من علماء السلف المعتبرين ، فإنا حيث أثبتنا ذاتا لا كالذوات ، فما المانع من إثبات صفات لا كصفات المحدثات ؟ فالكلام في الصفات فرع على الكلام في الذات ، فصفاته - تعالى - قديمة ثابتة ( كذاته ) - تعالى ، فليس لنا أن نتأول في صفات الله - تعالى - ولا في ذاته ، ( من غير ما ) ما زائدة تأكيد للنفي ولإقامة الوزن ، ( إثبات ) عن صاحب الشرع وأصحابه ، وأئمة التابعين المعتبرين من علماء السلف وأتباعهم ، فهم العمدة دون غيرهم . وعلم من النظم أن الله - سبحانه - يطلق عليه الذات ، كما يقال : إنه شيء لا كالأشياء ، والله ذات لا كالذوات ، بخلاف الماهية ، فأكثر المتكلمين
[ ص: 103 ] منع إطلاقها على الله - تعالى - ; لأن معنى الماهية المجانسة ، وهي المشاركة في الجنس والفصل ، قالوا : وما روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11990الإمام أبي حنيفة - رحمه الله تعالى - من أنه كان يقول : إن لله ماهية لا يعلمها إلا هو ، لم يصح عنه ، فإن هذا اللفظ لم يوجد في كتبه ، ولم ينقله عنه أحد من أصحابه العارفين بأقواله ، فلو ثبت عنه ، لحمل على أن مراده أنه - تعالى - يعلم ذاته لا بدليل ، أو أن له أسماء لا يعلمها غيره كما في حديث "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1026071وأسألك بكل اسم هو لك ، أنزلته في كتابك ، أو علمته أحدا من خلقك ، أو استأثرت به في علم الغيب عندك " ، فلله أسماء لا يعلمها إلا هو .
وأما قوله - عليه السلام : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1026072إن لله تسعة وتسعين اسما ، من أحصاها دخل الجنة " ، يعني الأسماء الحسنى ، متصفة بأن من أحصاها دخل الجنة ، والله أعلم . ( فقد تعدى ) فهذا خبر للمبتدإ الذي هو كل من أول ، وتعديه تجريه على ما لم يأذن به الله ورسوله ، فإنه فعل ما ليس له ، وقال على الله بما لم يأذن الله ورسوله له به ، ( واستطال ) على السلف الصالح ، فكأنه استدرك عليهم ما يزعم أنهم أغفلوه ، وحرر فيما يدعي أنهم أهملوه ، ( واجترى ) افتعال من الجرأة ، أي تشجع وافتات حده وتعدى طوره ، ولم يقتد بالصادق المصدوق ولا بأصحابه والتابعين لهم بإحسان ، ( وخاض ) ، يقال : خاض الماء يخوضه خوضا وخياضا دخله ، كخوضه واختاضه بالفرس أورده كإخاضة ، وخاض الغمرات اقتحمها ، أي اقتحم ( في بحر الهلاك ) أي الموت والانمحاق ، يعني رمى نفسه في بحر يذهب بدينه ويئول به إلى الهلاك الأبدي والعذاب السرمدي ، ( وافترى ) على مولاه الذي خلقه وسواه ، ومن أظلم ممن افترى على الله ، فإن من لم يسلم لم يسلم ، ومن لم يقتف طريقة السلف الصالح ، لم يربح ويغنم ، فعلى العاقل أن يتبع طريقة أهل الأثر ، فإنها أسلم ، ودع عنك ما قيل من أن مذهب الخلف أعلم ، فإنها من النزعات الفلسفية ، والزخارف البدعية ، والأحداس النفسية ، والوساوس
الجهمية ، والتحذلقات الزندقية . فأين علم زيد وعمرو ممن شاهد الرسول وعاين الأمر ؟ ومن ثم قلنا ( ( ألم تر اختلاف أصحاب النظر ) ) ، يعني نظار المتكلمة من سائر الفرق والطوائف ، ورد بعضهم على بعض ، وتضليل بعضهم بعضا ، ( فيه ) أي في نظرهم الذي يزعم كل فريق
[ ص: 104 ] منهم أنه هو العلم الحق والقول الصدق ، فيأتي غير ذلك الفريق ، فينقضه ويرمي صاحبه بالزندقة والتحميق ، فكل فرقة من المتأولين تخطئ الأخرى ، وتزعم أن ما اهتدت إليه بعقلها أحق وأحرى ، فترد ما زعمت تلك أنه برهان ، فتجيء الأخرى فتبرهن على بطلانه ، وتزعم أنه هذيان ، وتعتقد أن الذي زخرفته هو حق اليقين ، فتأتي فرقة أخرى فتزعم أنه من وحي الشياطين ، فكل من طالع كتب أهل الكلام
والمتصوفة ، علم ما في قولهم من الهذرمة والزخرفة .
والناس شتى وآراء مفرقة كل يرى الحق فيما قال واعتقدا
( و ) ألم تر ( حسن ما ) أي المذهب الذي ذهب إليه ، والمنحى الذي ( نحاه ) وقصده ونهجه ( ذو ) أي صاحب مذهب ( الأثر ) من النبي الأمين والصحابة والتابعين والأئمة المعتبرين الذين هم عمدة هذا الدين ، ( فإنهم ) أي الأثرية المفهومين من قوله : وحسن ما نحاه ذو الأثر ، ( قد اقتدوا ) فيما اعتقدوه ، وعولوا فيما اعتمدوه ( بـ ) النبي ( المصطفى ) افتعال من الصفوة ، وهو نبينا رسول الله
محمد - صلى الله عليه وسلم - ( و ) اقتدوا من بعده - صلى الله عليه وسلم - ( بصحبه ) الذين صحبوه ، ونقلوا عنه الشريعة ، وعاينوا الوحي والتنزيل ، وعلموا من الرسول بما جاء به
جبريل ، فإن كنت تبغي السلامة ، وتسلم من البدع والندامة ، ( فاقنع ) أي : ارض ( بهذا ) البيان ، المسند إلى آيات القرآن ، وإلى حديث سيد ولد عدنان ، وإلى الصحابة والتابعين والأئمة المهتدين ، ( وكفى ) بهؤلاء مستندا ومعتقدا ، فالسلامة فيما نحوه وأصلوه ، لا فيما زخرفه أهل التأويل وتقولوه .
[ ص: 102 ] ( ( فَكُلُّ مَنْ أَوَّلَ فِي الصِّفَاتِ كَذَاتِهِ مِنْ غَيْرِ مَا إِثْبَاتِ ) ) ( ( فَقَدْ تَعَدَّى وَاسْتَطَالَ وَاجْتَرَى
وَخَاضَ فِي بَحْرِ الْهَلَاكِ وَافْتَرَى ) ) ( ( أَلَمْ تَرَ اخْتِلَافَ أَصْحَابِ النَّظَرْ
فِيهِ وَحُسْنَ مَا نَحَاهُ ذُو الْأَثَرْ ) ) ( ( فَإِنَّهُمْ قَدِ اقْتَدَوْا بِالْمُصْطَفَى
وَصَحْبِهِ فَاقْنَعْ بِهَذَا وَكَفَى ) )
( ( فَكُلُّ مَنْ أَوَّلَ فِي الصِّفَاتِ ) ) الثَّابِتَةِ لِلذَّاتِ الْمُقَدَّسَةِ عَنْ سِمَاتِ الْمُحْدَثَاتِ ،
nindex.php?page=treesubj&link=28710وَالْمُرَادُ بِالتَّأْوِيلِ هُنَا أَنْ يُرَادَ بِاللَّفْظِ مَا يُخَالِفُ ظَاهِرَهُ ، أَوْ صَرْفُ اللَّفْظِ عَنْ ظَاهِرِهِ لِمَعْنًى آخَرَ ، أَوْ عَنْ حَقِيقَتِهِ لِمَجَازِهِ ، وَهُوَ فِي آيَاتِ الصِّفَاتِ الْمُقَدَّسَةِ مِنَ الْمُنْكَرَاتِ عِنْدَ أَئِمَّةِ الدِّينِ مِنْ عُلَمَاءِ السَّلَفِ الْمُعْتَبِرِينَ ، فَإِنَّا حَيْثُ أَثْبَتْنَا ذَاتًا لَا كَالذَّوَاتِ ، فَمَا الْمَانِعُ مِنْ إِثْبَاتِ صِفَاتٍ لَا كَصِفَاتِ الْمُحْدَثَاتِ ؟ فَالْكَلَامُ فِي الصِّفَاتِ فَرْعٌ عَلَى الْكَلَامِ فِي الذَّاتِ ، فَصِفَاتُهُ - تَعَالَى - قَدِيمَةٌ ثَابِتَةٌ ( كَذَاتِهِ ) - تَعَالَى ، فَلَيْسَ لَنَا أَنْ نَتَأَوَّلَ فِي صِفَاتِ اللَّهِ - تَعَالَى - وَلَا فِي ذَاتِهِ ، ( مِنْ غَيْرِ مَا ) مَا زَائِدَةٌ تَأْكِيدٌ لِلنَّفْيِ وَلِإِقَامَةِ الْوَزْنِ ، ( إِثْبَاتِ ) عَنْ صَاحِبِ الشَّرْعِ وَأَصْحَابِهِ ، وَأَئِمَّةِ التَّابِعِينَ الْمُعْتَبَرِينَ مِنْ عُلَمَاءِ السَّلَفِ وَأَتْبَاعِهِمْ ، فَهُمُ الْعُمْدَةُ دُونَ غَيْرِهِمْ . وَعُلِمَ مِنَ النَّظْمِ أَنَّ اللَّهَ - سُبْحَانَهُ - يُطْلَقُ عَلَيْهِ الذَّاتُ ، كَمَا يُقَالُ : إِنَّهُ شَيْءٌ لَا كَالْأَشْيَاءِ ، وَاللَّهُ ذَاتٌ لَا كَالذَّوَاتِ ، بِخِلَافِ الْمَاهِيَّةِ ، فَأَكْثَرُ الْمُتَكَلِّمِينَ
[ ص: 103 ] مَنَعَ إِطْلَاقَهَا عَلَى اللَّهِ - تَعَالَى - ; لِأَنَّ مَعْنَى الْمَاهِيَّةِ الْمُجَانَسَةُ ، وَهِيَ الْمُشَارَكَةُ فِي الْجِنْسِ وَالْفَصْلِ ، قَالُوا : وَمَا رُوِيَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11990الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مِنْ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ : إِنَّ لِلَّهِ مَاهِيَّةً لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ ، لَمْ يَصِحَّ عَنْهُ ، فَإِنَّ هَذَا اللَّفْظَ لَمْ يُوجَدْ فِي كُتُبِهِ ، وَلَمْ يَنْقُلْهُ عَنْهُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ الْعَارِفِينَ بِأَقْوَالِهِ ، فَلَوْ ثَبَتَ عَنْهُ ، لَحُمِلَ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ أَنَّهُ - تَعَالَى - يَعْلَمُ ذَاتَهُ لَا بِدَلِيلٍ ، أَوْ أَنَّ لَهُ أَسْمَاءً لَا يَعْلَمُهَا غَيْرُهُ كَمَا فِي حَدِيثِ "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1026071وَأَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ ، أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ ، أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ " ، فَلِلَّهِ أَسْمَاءٌ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ .
وَأَمَّا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1026072إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا ، مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ " ، يَعْنِي الْأَسْمَاءَ الْحُسْنَى ، مُتَّصِفَةً بِأَنَّ مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ . ( فَقَدْ تَعَدَّى ) فَهَذَا خَبَرٌ لِلْمُبْتَدَإِ الَّذِي هُوَ كُلُّ مَنْ أَوَّلَ ، وَتَعَدِّيهِ تَجَرِّيهِ عَلَى مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ، فَإِنَّهُ فَعَلَ مَا لَيْسَ لَهُ ، وَقَالَ عَلَى اللَّهِ بِمَا لَمْ يَأْذَنِ اللَّهُ وَرَسُولُهُ لَهُ بِهِ ، ( وَاسْتَطَالَ ) عَلَى السَّلَفِ الصَّالِحِ ، فَكَأَنَّهُ اسْتَدْرَكَ عَلَيْهِمْ مَا يَزْعُمُ أَنَّهُمْ أَغْفَلُوهُ ، وَحَرَّرَ فِيمَا يَدَّعِي أَنَّهُمْ أَهْمَلُوهُ ، ( وَاجْتَرَى ) افْتِعَالٌ مِنَ الْجُرْأَةِ ، أَيْ تَشَجَّعَ وَافْتَاتَ حَدَّهُ وَتَعَدَّى طَوْرَهُ ، وَلَمْ يَقْتَدِ بِالصَّادِقِ الْمَصْدُوقِ وَلَا بِأَصْحَابِهِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ ، ( وَخَاضَ ) ، يُقَالُ : خَاضَ الْمَاءُ يَخُوضُهُ خَوْضًا وَخِيَاضًا دَخَلَهُ ، كَخَوْضِهِ وَاخْتَاضَهُ بِالْفَرَسِ أَوْرَدَهُ كَإِخَاضَةٍ ، وَخَاضَ الْغَمَرَاتِ اقْتَحَمَهَا ، أَيِ اقْتَحَمَ ( فِي بَحْرِ الْهَلَاكِ ) أَيِ الْمَوْتِ وَالِانْمِحَاقِ ، يَعْنِي رَمَى نَفْسَهُ فِي بَحْرٍ يَذْهَبُ بِدِينِهِ وَيَئُولُ بِهِ إِلَى الْهَلَاكِ الْأَبَدِيِّ وَالْعَذَابِ السَّرْمَدِيِّ ، ( وَافْتَرَى ) عَلَى مَوْلَاهُ الَّذِي خَلَقَهُ وَسَوَّاهُ ، وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ ، فَإِنَّ مَنْ لَمْ يُسَلِّمْ لَمْ يَسْلَمْ ، وَمَنْ لَمْ يَقْتَفِ طَرِيقَةَ السَّلَفِ الصَّالِحِ ، لَمْ يَرْبَحْ وَيَغْنَمْ ، فَعَلَى الْعَاقِلِ أَنْ يَتَّبِعَ طَرِيقَةَ أَهْلِ الْأَثَرِ ، فَإِنَّهَا أَسْلَمُ ، وَدَعْ عَنْكَ مَا قِيلَ مِنْ أَنَّ مَذْهَبَ الْخَلَفِ أَعْلَمُ ، فَإِنَّهَا مِنَ النَّزَعَاتِ الْفَلْسَفِيَّةِ ، وَالزَّخَارِفِ الْبِدْعِيَّةِ ، وَالْأَحْدَاسِ النَّفْسِيَّةِ ، وَالْوَسَاوِسِ
الْجَهْمِيَّةِ ، وَالتَّحَذْلُقَاتِ الزَّنْدَقِيَّةِ . فَأَيْنَ عِلْمُ زَيْدٍ وَعَمْرٍو مِمَّنْ شَاهَدَ الرَّسُولَ وَعَايَنَ الْأَمْرَ ؟ وَمِنْ ثَمَّ قُلْنَا ( ( أَلَمْ تَرَ اخْتِلَافَ أَصْحَابِ النَّظَرِ ) ) ، يَعْنِي نُظَّارَ الْمُتَكَلِّمَةِ مِنْ سَائِرِ الْفِرَقِ وَالطَّوَائِفِ ، وَرَدَّ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ ، وَتَضْلِيلَ بَعْضِهِمْ بَعْضًا ، ( فِيهِ ) أَيْ فِي نَظَرِهِمُ الَّذِي يَزْعُمُ كُلُّ فَرِيقٍ
[ ص: 104 ] مِنْهُمْ أَنَّهُ هُوَ الْعِلْمُ الْحَقُّ وَالْقَوْلُ الصِّدْقُ ، فَيَأْتِي غَيْرُ ذَلِكَ الْفَرِيقِ ، فَيَنْقُضُهُ وَيَرْمِي صَاحِبَهُ بِالزَّنْدَقَةِ وَالتَّحْمِيقِ ، فَكُلُّ فِرْقَةٍ مِنَ الْمُتَأَوِّلِينَ تُخَطِّئُ الْأُخْرَى ، وَتَزْعُمُ أَنَّ مَا اهْتَدَتْ إِلَيْهِ بِعَقْلِهَا أَحَقُّ وَأَحْرَى ، فَتَرُدُّ مَا زَعَمَتْ تِلْكَ أَنَّهُ بُرْهَانٌ ، فَتَجِيءُ الْأُخْرَى فَتُبَرْهِنُ عَلَى بُطْلَانِهِ ، وَتَزْعُمُ أَنَّهُ هَذَيَانٌ ، وَتَعْتَقِدُ أَنَّ الَّذِي زَخْرَفَتْهُ هُوَ حَقُّ الْيَقِينِ ، فَتَأْتِي فِرْقَةٌ أُخْرَى فَتَزْعُمُ أَنَّهُ مِنْ وَحْيِ الشَّيَاطِينِ ، فَكُلُّ مَنْ طَالَعَ كُتُبَ أَهْلِ الْكَلَامِ
وَالْمُتَصَوِّفَةِ ، عَلِمَ مَا فِي قَوْلِهِمْ مِنَ الْهَذْرَمَةِ وَالزَّخْرَفَةِ .
وَالنَّاسُ شَتَّى وَآرَاءٌ مُفَرَّقَةٌ كُلٌّ يَرَى الْحَقَّ فِيمَا قَالَ وَاعْتَقَدَا
( وَ ) أَلَمْ تَرَ ( حُسْنَ مَا ) أَيِ الْمَذْهَبِ الَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ ، وَالْمَنْحَى الَّذِي ( نَحَاهُ ) وَقَصَدَهُ وَنَهَجَهُ ( ذُو ) أَيْ صَاحِبُ مَذْهَبِ ( الْأَثَرِ ) مِنَ النَّبِيِّ الْأَمِينِ وَالصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَالْأَئِمَّةِ الْمُعْتَبَرِينَ الَّذِينَ هُمْ عُمْدَةُ هَذَا الدِّينِ ، ( فَإِنَّهُمْ ) أَيِ الْأَثَرِيَّةَ الْمَفْهُومِينَ مِنْ قَوْلِهِ : وَحُسْنَ مَا نَحَاهُ ذُو الْأَثَرِ ، ( قَدِ اقْتَدَوْا ) فِيمَا اعْتَقَدُوهُ ، وَعَوَّلُوا فِيمَا اعْتَمَدُوهُ ( بِـ ) النَّبِيِّ ( الْمُصْطَفَى ) افْتِعَالٌ مِنَ الصَّفْوَةِ ، وَهُوَ نَبِيُّنَا رَسُولُ اللَّهِ
مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ( وَ ) اقْتَدَوْا مِنْ بَعْدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ( بِصَحْبِهِ ) الَّذِينَ صَحِبُوهُ ، وَنَقَلُوا عَنْهُ الشَّرِيعَةَ ، وَعَايَنُوا الْوَحْيَ وَالتَّنْزِيلَ ، وَعَلِمُوا مِنَ الرَّسُولِ بِمَا جَاءَ بِهِ
جِبْرِيلُ ، فَإِنْ كُنْتَ تَبْغِي السَّلَامَةَ ، وَتَسْلَمُ مِنَ الْبِدَعِ وَالنَّدَامَةِ ، ( فَاقْنَعْ ) أَيِ : ارْضَ ( بِهَذَا ) الْبَيَانِ ، الْمُسْنَدِ إِلَى آيَاتِ الْقُرْآنِ ، وَإِلَى حَدِيثِ سَيِّدِ وَلَدِ عَدْنَانَ ، وَإِلَى الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَالْأَئِمَّةِ الْمُهْتَدِينَ ، ( وَكَفَى ) بِهَؤُلَاءِ مُسْتَنَدًا وَمُعْتَقَدًا ، فَالسَّلَامَةُ فِيمَا نَحَوْهُ وَأَصَّلُوهُ ، لَا فِيمَا زَخْرَفَهُ أَهْلُ التَّأْوِيلِ وَتَقَوَّلُوهُ .