" فصل في مبحث
nindex.php?page=treesubj&link=28742القرآن العظيم والكلام المنزل القديم "
اعلم - رحمك الله - أن الناس اختلفوا في هذا الكتاب المنزل على النبي المرسل - صلى الله عليه وسلم - ما نزل قطر وهطل ، فمذهب السلف الصالح وأئمة أهل الأثر هو ما أشير إليه بقوله ( ( وأن ) ) أي نجزم ونتحقق فهو معطوف على قوله بأنه واحد البيت وما بعده فالواجب اعتقاده ، والملزوم اعتماده ، بأن ( ( ما ) ) أي الوحي والكلام الذي ( ( جاء ) ) من الله ( ( مع
جبريل ) ) الملك المكرم أمين الله على وحيه لأنبيائه ورسله ، وفيه لغات عديدة منها :
جبرائيل ( (
وجبرئيل ) ) كجبرعيل وكحزقيل كما في النظم
وجبرين بنون وغيرها .
( ( من محكم القرآن ) ) العظيم ( ( و ) ) محكم ( ( التنزيل ) ) الذي أنزله الله تعالى على نبيه
محمد - صلى الله عليه وسلم - بواسطة أمينه الفضيل الملك المعظم
جبريل فهو عطف مرادف ( ( كلامه سبحانه ) ) وتعالى ( ( قديم ) ) ، قال الشيخ الإمام
[ ص: 162 ] أبو الحسن محمد بن عبد الملك الكرخي الشافعي في كتابه الذي سماه ( الفصول في الأصول ) : سمعت الإمام
أبا منصور محمد بن أحمد ، يقول : سمعت الإمام
أبا بكر عبد الله بن أحمد ، يقول : سمعت الشيخ
nindex.php?page=showalam&ids=11976أبا حامد الإسفرايني ، يقول : مذهبي ، ومذهب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، وفقهاء الأمصار أن
nindex.php?page=treesubj&link=28744القرآن كلام الله غير مخلوق ، ومن قال مخلوق فهو كافر ، والقرآن حمله
جبريل - عليه السلام - مسموعا من الله تعالى ، والنبي - صلى الله عليه وسلم - سمعه من
جبريل ، والصحابة - رضي الله عنهم - سمعوه من النبي - صلى الله عليه وسلم -
قال وهو الذي نتلوه نحن بألسنتنا وفيما بين الدفتين ، وما في صدورنا مسموعا ومكتوبا ومحفوظا ومقروءا ، وكل حرف منه كالباء والتاء كلام الله غير مخلوق ، ومن قال مخلوق فهو كافر عليه لعائن الله والملائكة والناس أجمعين . انتهى كلامه بحروفه .
وقد أخبر الله تعالى بتنزيله وشهد بإنزاله على رسوله ، فقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=23إنا نحن نزلنا عليك القرآن تنزيلا ) ، وقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=106وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا وقال جل شأنه :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=166لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفى بالله شهيدا ، والمنزل على الرسول - صلى الله عليه وسلم - هو هذا الكتاب ، وقد أمر سبحانه بترتيله ، فقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=4ورتل القرآن ترتيلا nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=114ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه وقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=16لا تحرك به لسانك لتعجل به وأمر سبحانه بقراءته والاستماع له والإنصات إليه وأخبر أنه يسمع ويتلى ، فقال (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=6حتى يسمع كلام الله ) ، وقال
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=20فاقرؤوا ما تيسر من القرآن nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=204وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا وكل هذا من صفات هذا الموجود عندنا لا من صفات ما في النفس الذي لا يظهر لحس ، ولا يدرى ما هو .
وأخبر سبحانه أن منه سورا وآيات وكلمات ، قال الإمام
الموفق في كتابه " البرهان في حقيقة القرآن " : القرآن كتاب الله العربي الذي أنزل على
محمد - صلى الله عليه وسلم - فهو كتاب الله الذي هو هذا الذي هو سور وآيات وحروف وكلمات بغير خلاف ، قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=1تلك آيات الكتاب المبين nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=3إنا جعلناه قرآنا عربيا nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=1حم nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=2والكتاب المبين ،
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=3إنا جعلناه قرآنا عربيا [ ص: 163 ] والآيات في هذا كثيرة جدا وكذا الأحاديث النبوية والأخبار الأثرية كقوله - صلى الله عليه وسلم - "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1026095إن هذا القرآن حبل الله وهو ، النور المبين ، والشفاء النافع ، عصمة لمن تمسك به ، نجاة لمن اتبعه - الحديث . وفيه - فاتلوه ؛ فإن الله يؤجركم على تلاوته بكل حرف عشر حسنات ، ألا إني لا أقول : الم حرف ، ولكن ألف عشر ، ولام عشر ، وميم عشر .
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "
من قرأ القرآن فأعربه فله بكل حرف عشر حسنات ، ومن قرأ فلحن فيه ، فله بكل حرف حسنة " حديث صحيح ( ؟ ) وأجمع المسلمون على أن القرآن أنزل على
محمد ، وأنه معجزة النبي - صلى الله عليه وسلم - المستمرة الذي تحدى الله الخلق بالإتيان بمثله فعجزوا ، وأجمعوا على أنه يقرأ ويسمع ويحفظ ويكتب ، وكل هذه الصفات لا تعلق لها بالكلام النفسي .
قال
شيخ الإسلام ابن تيمية في قاعدته التي في بيان أن القرآن كلام الله تعالى ، ليس شيء منه كلاما لغيره لا
جبريل ولا
محمد ولا غيرهما ، قال في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=98فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم إلى قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=102قل نزله روح القدس من ربك بالحق بيان لنزول
جبريل به من الله ؛ فإن روح القدس هذا
جبريل ، بدليل قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=97من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله وهو الروح الأمين في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=192وإنه لتنزيل رب العالمين nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=193نزل به الروح الأمين nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=194على قلبك لتكون من المنذرين nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=195بلسان عربي مبين .
وفي قوله " الأمين " دلالة على أنه مؤتمن على ما أرسل به لا يزيد فيه ولا ينقص منه ؛ فإن الرسول الخائن قد يغير الرسالة . وقال في صفته في الآية الأخرى :
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=19إنه لقول رسول كريم nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=20ذي قوة عند ذي العرش مكين nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=21مطاع ثم أمين ، وفي قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=102قل نزله روح القدس - منزل من ربك دلالة على أمور ، منها بطلان قول من يقول إنه كلام مخلوق خلقه في جسم من الأجسام المخلوقة ، كما هو قول
الجهميين nindex.php?page=treesubj&link=29455الذين قالوا بخلق القرآن من
المعتزلة والنجارية والضرارية وغيرهم ، فإن السلف كانوا يسمون كل من نفى الصفات وقال : إن القرآن مخلوق ، وإن الله لا يرى في الآخرة جهميا لأن
nindex.php?page=treesubj&link=28716_29455بدعة نفي الأسماء والصفات أول ما ظهرت من
جهم ، فإنه بالغ في نفي ذلك فله في هذه البدعة مزية المبالغة ، وكثرة إظهار ذلك ، والدعوة إليه ، وإن
[ ص: 164 ] كان
nindex.php?page=showalam&ids=14005الجعد بن درهم قد سبقه إلى بعض ذلك ، فإنه أول من أحدث ذلك في الإسلام ، فضحى به
nindex.php?page=showalam&ids=14998خالد بن عبد الله القسري بواسط يوم النحر ، فقال : أيها الناس ، ضحوا تقبل الله ضحاياكم ، فإني مضح
nindex.php?page=showalam&ids=14005بالجعد بن درهم ، فإنه زعم أن الله لم يتخذ
إبراهيم خليلا ، ولم يكلم
موسى تكليما ، تعالى الله عما يقول
الجعد علوا كبيرا - ثم نزل فذبحه .
فالمعتزلة وإن وافقوا
جهما على بعض ذلك ، فهم يخالفونه في مسائل غير ذلك ، كمسائل الإيمان بالقدر ، وبعض مسائل الصفات ، ولا يبالغون في النفي مبالغته ، فإن
جهما يقول : إن الله لا يتكلم أو يتكلم بطريق المجاز ، وأما
المعتزلة فيقولون : يتكلم حقيقة لكن قولهم في المعنى هو قول
جهم ،
وجهم ينفي الأسماء ، كما نفتها
الباطنية ومن وافقهم من الفلاسفة بخلاف
المعتزلة فلا ينفون الأسماء ، وفي قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=114منزل من ربك دلالة على بطلان قول من يجعله فاض على نفس النبي - صلى الله عليه وسلم - من العقل الفعال أو غيره كما يقوله طوائف من الفلاسفة
والصابئة ، وهذا القول أعظم كفرا من الذي قبله .
وفيها دلالة أيضا على بطلان قول
nindex.php?page=treesubj&link=29455_29454_29457من يقول إن القرآن العربي ليس منزلا من الله بل مخلوق إما في
جبريل أو
محمد أو في جسم آخر كالهواء ، كما يقول ذلك
الكلابية والأشعرية القائلين بأن القرآن العربي ليس هو كلام الله وإنما كلامه المعنى القائم بذاته ، والقرآن العربي خلق ليدل على ذلك المعنى ، وهذا يوافق قول
المعتزلة ونحوهم في إثبات خلق القرآن العربي .
قلت ذكر جماعة من محققي
الأشعرية كالسعد التفتازاني والجلال الدواني وشرح جواهر العضد لتلميذه
الكرماني أنه لا نزاع بين
الأشاعرة وبين
المعتزلة في
nindex.php?page=treesubj&link=28723تسمية الله تعالى متكلما بمعنى أنه يوجد الأصوات والحروف في الغير وهو اللوح المحفوظ أو
جبريل أو النبي - صلى الله عليه وسلم - وإنما النزاع أن
المعتزلة لم يثبتوا غير هذه الأصوات والحروف الموجدة في الغير معنى قائما بذات الباري ، قالوا : ونحن - يعني معاشر
الأشاعرة - نثبته ، فإنهم يقولون كلام الله تعالى معنى قائم بذات الباري تعالى ، معبر عنه بالعبارات والألفاظ ، وهو الطلب الذي يجد كل واحد منه عند الأمر بالشيء قبل التلفظ بصيغة أفعل . قالوا فهو يغاير العبارات والعلم والإرادة ، أما العبارات فلأنها تختلف بحسب الأزمنة
[ ص: 165 ] والأقوام دون المعنى القائم بذاته تعالى ، وأما العلم فلأنه تعالى أمر
أبا لهب بالإيمان ، وكان عالما بأنه لا يؤمن لأن معلومه تعالى واجب الوقوع ، فلو كان إيمان
أبي لهب واقعا في علمه تعالى لوقع ، ولم يقع ، وأما الإرادة فلأنه تعالى أمره به ولم يرده ولذلك لم يقع ، قالوا : فما قالت
المعتزلة على حدوث الكلام لا ينفي قولنا بقدمه ، لأن ما قالوا في حدوثه وجهان معقول ومنقول فالمعقول :
أنه لو كان قديما يلزم تحقق الأمر بلا مأمور ، وهو سفه وعبث ، وهذا إنما يدل على حدوث لفظه ، لا على حدوث المعنى القائم بذاته ، لأن معنى أمره في الأزل أنه تعالى يطلب في الأزل المأمور به من المأمورين عند وجودهم في اللايزال ، كطلب الوالد التعلم من ولد سيوجد ، ولا سفه في ذلك ولا عبث ، قالوا : والمنقول أن القرآن ذكر ، والذكر محدث ، ونقلوا من جنس هذا الكلام ضروبا .
" فَصْلٌ فِي مَبْحَثِ
nindex.php?page=treesubj&link=28742الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ وَالْكَلَامِ الْمُنَزَّلِ الْقَدِيمِ "
اعْلَمْ - رَحِمَكَ اللَّهُ - أَنَّ النَّاسَ اخْتَلَفُوا فِي هَذَا الْكِتَابِ الْمُنَزَّلِ عَلَى النَّبِيِّ الْمُرْسَلِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا نَزَلَ قَطْرٌ وَهَطَلَ ، فَمَذْهَبُ السَّلَفِ الصَّالِحِ وَأَئِمَّةِ أَهْلِ الْأَثَرِ هُوَ مَا أُشِيرَ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ ( ( وَأَنْ ) ) أَيْ نَجْزِمُ وَنَتَحَقَّقُ فَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ بِأَنَّهُ وَاحِدُ الْبَيْتِ وَمَا بَعْدَهُ فَالْوَاجِبُ اعْتِقَادُهُ ، وَالْمَلْزُومُ اعْتِمَادُهُ ، بِأَنَّ ( ( مَا ) ) أَيِ الْوَحْيُ وَالْكَلَامُ الَّذِي ( ( جَاءَ ) ) مِنَ اللَّهِ ( ( مَعَ
جِبْرِيلَ ) ) الْمَلَكِ الْمُكَرَّمِ أَمِينِ اللَّهِ عَلَى وَحْيِهِ لِأَنْبِيَائِهِ وَرُسُلِهِ ، وَفِيهِ لُغَاتٌ عَدِيدَةٌ مِنْهَا :
جِبْرَائِيلُ ( (
وَجَبْرَئِيلُ ) ) كَجَبْرَعِيلَ وَكَحَزْقِيلَ كَمَا فِي النَّظْمِ
وَجَبْرِينُ بِنُونٍ وَغَيْرِهَا .
( ( مِنْ مُحْكَمِ الْقُرْآنِ ) ) الْعَظِيمِ ( ( وَ ) ) مُحْكَمِ ( ( التَّنْزِيلِ ) ) الَّذِي أَنْزَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى نَبِيِّهِ
مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِوَاسِطَةِ أَمِينِهِ الْفَضِيلِ الْمَلَكِ الْمُعَظَّمِ
جِبْرِيلَ فَهُوَ عَطْفُ مُرَادِفٍ ( ( كَلَامُهُ سُبْحَانَهُ ) ) وَتَعَالَى ( ( قَدِيمٌ ) ) ، قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ
[ ص: 162 ] أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْكَرْخِيُّ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِهِ الَّذِي سَمَّاهُ ( الْفُصُولَ فِي الْأُصُولِ ) : سَمِعْتُ الْإِمَامَ
أَبَا مَنْصُورٍ مُحَمَّدَ بْنَ أَحْمَدَ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ الْإِمَامَ
أَبَا بَكْرٍ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَحْمَدَ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ الشَّيْخَ
nindex.php?page=showalam&ids=11976أَبَا حَامِدٍ الْإِسْفَرَايِنِيَّ ، يَقُولُ : مَذْهَبِي ، وَمَذْهَبُ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ ، وَفُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28744الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ ، وَمَنْ قَالَ مَخْلُوقٌ فَهُوَ كَافِرٌ ، وَالْقُرْآنُ حَمَلَهُ
جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَسْمُوعًا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَمِعَهُ مِنْ
جِبْرِيلَ ، وَالصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - سَمِعُوهُ مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
قَالَ وَهُوَ الَّذِي نَتْلُوهُ نَحْنُ بِأَلْسِنَتِنَا وَفِيمَا بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ ، وَمَا فِي صُدُورِنَا مَسْمُوعًا وَمَكْتُوبًا وَمَحْفُوظًا وَمَقْرُوءًا ، وَكُلُّ حَرْفٍ مِنْهُ كَالْبَاءِ وَالتَّاءِ كَلَامُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ ، وَمَنْ قَالَ مَخْلُوقٌ فَهُوَ كَافِرٌ عَلَيْهِ لَعَائِنُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ . انْتَهَى كَلَامُهُ بِحُرُوفِهِ .
وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِتَنْزِيلِهِ وَشَهِدَ بِإِنْزَالِهِ عَلَى رَسُولِهِ ، فَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=23إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلًا ) ، وَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=106وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا وَقَالَ جَلَّ شَأْنُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=166لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا ، وَالْمُنَزَّلُ عَلَى الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ هَذَا الْكِتَابُ ، وَقَدْ أَمَرَ سُبْحَانَهُ بِتَرْتِيلِهِ ، فَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=4وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=114وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=16لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ وَأَمَرَ سُبْحَانَهُ بِقِرَاءَتِهِ وَالِاسْتِمَاعِ لَهُ وَالْإِنْصَاتِ إِلَيْهِ وَأَخْبَرَ أَنَّهُ يُسْمَعُ وَيُتْلَى ، فَقَالَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=6حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ) ، وَقَالَ
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=20فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=204وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا وَكُلُّ هَذَا مِنْ صِفَاتِ هَذَا الْمَوْجُودِ عِنْدَنَا لَا مِنْ صِفَاتِ مَا فِي النَّفْسِ الَّذِي لَا يَظْهَرُ لِحِسٍّ ، وَلَا يُدْرَى مَا هُوَ .
وَأَخْبَرَ سُبْحَانَهُ أَنَّ مِنْهُ سُوَرًا وَآيَاتٍ وَكَلِمَاتٍ ، قَالَ الْإِمَامُ
الْمُوَفَّقُ فِي كِتَابِهِ " الْبُرْهَانِ فِي حَقِيقَةِ الْقُرْآنِ " : الْقُرْآنُ كِتَابُ اللَّهِ الْعَرَبِيُّ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى
مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ كِتَابُ اللَّهِ الَّذِي هُوَ هَذَا الَّذِي هُوَ سُوَرٌ وَآيَاتٌ وَحُرُوفٌ وَكَلِمَاتٌ بِغَيْرِ خِلَافٍ ، قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=1تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=3إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=1حم nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=2وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ ،
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=3إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا [ ص: 163 ] وَالْآيَاتُ فِي هَذَا كَثِيرَةٌ جِدًّا وَكَذَا الْأَحَادِيثُ النَّبَوِيَّةُ وَالْأَخْبَارُ الْأَثَرِيَّةُ كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1026095إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ حَبْلُ اللَّهِ وَهُوَ ، النُّورُ الْمُبِينُ ، وَالشِّفَاءُ النَّافِعُ ، عِصْمَةٌ لِمَنْ تَمَسَّكَ بِهِ ، نَجَاةٌ لِمَنِ اتَّبَعُهُ - الْحَدِيثَ . وَفِيهِ - فَاتْلُوهُ ؛ فَإِنَّ اللَّهَ يُؤْجِرُكُمْ عَلَى تِلَاوَتِهِ بِكُلِّ حَرْفٍ عَشْرَ حَسَنَاتٍ ، أَلَا إِنِّي لَا أَقُولُ : الم حَرْفٌ ، وَلَكِنْ أَلِفٌ عَشْرٌ ، وَلَامٌ عَشْرٌ ، وَمِيمٌ عَشْرٌ .
وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : "
مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فَأَعْرَبَهُ فَلَهُ بِكُلِّ حَرْفٍ عَشْرُ حَسَنَاتٍ ، وَمَنْ قَرَأَ فَلَحَنَ فِيهِ ، فَلَهُ بِكُلِّ حِرَفٍ حَسَنَةٌ " حَدِيثٌ صَحِيحٌ ( ؟ ) وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى
مُحَمَّدٍ ، وَأَنَّهُ مُعْجِزَةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُسْتَمِرَّةُ الَّذِي تَحَدَّى اللَّهُ الْخَلْقَ بِالْإِتْيَانِ بِمِثْلِهِ فَعَجَزُوا ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ يُقْرَأُ وَيُسْمَعُ وَيُحْفَظُ وَيُكْتَبُ ، وَكُلُّ هَذِهِ الصِّفَاتِ لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِالْكَلَامِ النَّفْسِيِّ .
قَالَ
شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ فِي قَاعِدَتِهِ الَّتِي فِي بَيَانِ أَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى ، لَيْسَ شَيْءٌ مِنْهُ كَلَامًا لِغَيْرِهِ لَا
جِبْرِيلَ وَلَا
مُحَمَّدٍ وَلَا غَيْرِهِمَا ، قَالَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=98فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ إِلَى قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=102قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ بَيَانٌ لِنُزُولِ
جِبْرِيلَ بِهِ مِنَ اللَّهِ ؛ فَإِنَّ رُوحَ الْقُدُسِ هَذَا
جِبْرِيلُ ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=97مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَهُوَ الرُّوحُ الْأَمِينُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=192وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=193نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=194عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=195بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ .
وَفِي قَوْلِهِ " الْأَمِينُ " دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ مُؤْتَمَنٌ عَلَى مَا أُرْسِلَ بِهِ لَا يَزِيدُ فِيهِ وَلَا يَنْقُصُ مِنْهُ ؛ فَإِنَّ الرَّسُولَ الْخَائِنَ قَدْ يُغَيِّرُ الرِّسَالَةَ . وَقَالَ فِي صِفَتِهِ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=19إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=20ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=21مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ ، وَفِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=102قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ - مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ دَلَالَةٌ عَلَى أُمُورٍ ، مِنْهَا بُطْلَانُ قَوْلِ مَنْ يَقُولُ إِنَّهُ كَلَامٌ مَخْلُوقٌ خَلَقَهُ فِي جِسْمٍ مِنَ الْأَجْسَامِ الْمَخْلُوقَةِ ، كَمَا هُوَ قَوْلُ
الْجَهْمِيِّينَ nindex.php?page=treesubj&link=29455الَّذِينَ قَالُوا بِخَلْقِ الْقُرْآنِ مِنَ
الْمُعْتَزِلَةِ وَالنَّجَارِيَّةِ وَالضِّرَارِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ ، فَإِنَّ السَّلَفَ كَانُوا يُسَمُّونَ كُلَّ مَنْ نَفَى الصِّفَاتَ وَقَالَ : إِنَّ الْقُرْآنَ مَخْلُوقٌ ، وَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرَى فِي الْآخِرَةِ جَهْمِيًّا لِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28716_29455بِدْعَةَ نَفْيِ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ أَوَّلُ مَا ظَهَرَتْ مِنْ
جَهْمٍ ، فَإِنَّهُ بَالَغَ فِي نَفْيِ ذَلِكَ فَلَهُ فِي هَذِهِ الْبِدْعَةِ مَزِيَّةُ الْمُبَالَغَةِ ، وَكَثْرَةُ إِظْهَارِ ذَلِكَ ، وَالدَّعْوَةُ إِلَيْهِ ، وَإِنْ
[ ص: 164 ] كَانَ
nindex.php?page=showalam&ids=14005الْجَعْدُ بْنُ دِرْهَمٍ قَدْ سَبَقَهُ إِلَى بَعْضِ ذَلِكَ ، فَإِنَّهُ أَوَّلُ مَنْ أَحْدَثَ ذَلِكَ فِي الْإِسْلَامِ ، فَضَحَّى بِهِ
nindex.php?page=showalam&ids=14998خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْقَسْرِيُّ بِوَاسِطَ يَوْمَ النَّحْرِ ، فَقَالَ : أَيُّهَا النَّاسُ ، ضَحُّوا تَقَبَّلَ اللَّهُ ضَحَايَاكُمْ ، فَإِنِّي مُضَحٍّ
nindex.php?page=showalam&ids=14005بِالْجَعْدِ بْنِ دِرْهَمٍ ، فَإِنَّهُ زَعَمَ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَتَّخِذْ
إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا ، وَلَمْ يُكَلِّمْ
مُوسَى تَكْلِيمًا ، تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَقُولُ
الْجَعْدُ عُلُوًّا كَبِيرًا - ثُمَّ نَزَلَ فَذَبَحَهُ .
فَالْمُعْتَزِلَةُ وَإِنْ وَافَقُوا
جَهْمًا عَلَى بَعْضِ ذَلِكَ ، فَهُمْ يُخَالِفُونَهُ فِي مَسَائِلَ غَيْرِ ذَلِكَ ، كَمَسَائِلِ الْإِيمَانِ بِالْقَدَرِ ، وَبَعْضِ مَسَائِلِ الصِّفَاتِ ، وَلَا يُبَالِغُونَ فِي النَّفْيِ مُبَالَغَتَهُ ، فَإِنَّ
جَهْمًا يَقُولُ : إِنَّ اللَّهَ لَا يَتَكَلَّمُ أَوْ يَتَكَلَّمُ بِطَرِيقِ الْمَجَازِ ، وَأَمَّا
الْمُعْتَزِلَةُ فَيَقُولُونَ : يَتَكَلَّمُ حَقِيقَةً لَكِنَّ قَوْلَهُمْ فِي الْمَعْنَى هُوَ قَوْلُ
جَهْمٍ ،
وَجَهْمٌ يَنْفِي الْأَسْمَاءَ ، كَمَا نَفَتْهَا
الْبَاطِنِيَّةُ وَمَنْ وَافَقَهُمْ مِنَ الْفَلَاسِفَةِ بِخِلَافِ
الْمُعْتَزِلَةِ فَلَا يَنْفُونَ الْأَسْمَاءَ ، وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=114مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ دَلَالَةٌ عَلَى بُطْلَانِ قَوْلِ مَنْ يَجْعَلُهُ فَاضَ عَلَى نَفْسِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ الْعَقْلِ الْفَعَّالِ أَوْ غَيْرِهِ كَمَا يَقُولُهُ طَوَائِفُ مِنَ الْفَلَاسِفَةِ
وَالصَّابِئَةِ ، وَهَذَا الْقَوْلُ أَعْظَمُ كُفْرًا مِنَ الَّذِي قَبْلَهُ .
وَفِيهَا دَلَالَةٌ أَيْضًا عَلَى بُطْلَانِ قَوْلِ
nindex.php?page=treesubj&link=29455_29454_29457مَنْ يَقُولُ إِنَّ الْقُرْآنَ الْعَرَبِيَّ لَيْسَ مُنَزَّلًا مِنَ اللَّهِ بَلْ مَخْلُوقٌ إِمَّا فِي
جِبْرِيلَ أَوْ
مُحَمَّدٍ أَوْ فِي جِسْمٍ آخَرَ كَالْهَوَاءِ ، كَمَا يَقُولُ ذَلِكَ
الْكُلَّابِيَّةُ وَالْأَشْعَرِيَّةُ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ الْقُرْآنَ الْعَرَبِيَّ لَيْسَ هُوَ كَلَامَ اللَّهِ وَإِنَّمَا كَلَامُهُ الْمَعْنَى الْقَائِمُ بِذَاتِهِ ، وَالْقُرْآنُ الْعَرَبِيُّ خُلِقَ لِيَدُلَّ عَلَى ذَلِكَ الْمَعْنَى ، وَهَذَا يُوَافِقُ قَوْلَ
الْمُعْتَزِلَةِ وَنَحْوِهِمْ فِي إِثْبَاتِ خَلْقِ الْقُرْآنِ الْعَرَبِيِّ .
قُلْتُ ذَكَرَ جَمَاعَةٌ مِنْ مُحَقِّقِي
الْأَشْعَرِيَّةِ كَالسَّعْدِ التَّفْتَازَانِيِّ وَالْجَلَالِ الدَّوَانِيِّ وَشَرْحِ جَوَاهِرِ الْعَضُدِ لِتِلْمِيذِهِ
الْكَرْمَانِيِّ أَنَّهُ لَا نِزَاعَ بَيْنَ
الْأَشَاعِرَةِ وَبَيْنَ
الْمُعْتَزِلَةِ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=28723تَسْمِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى مُتَكَلِّمًا بِمَعْنَى أَنَّهُ يُوجِدُ الْأَصْوَاتَ وَالْحُرُوفَ فِي الْغَيْرِ وَهُوَ اللَّوْحُ الْمَحْفُوظُ أَوْ
جِبْرِيلُ أَوِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنَّمَا النِّزَاعُ أَنَّ
الْمُعْتَزِلَةَ لَمْ يُثْبِتُوا غَيْرَ هَذِهِ الْأَصْوَاتِ وَالْحُرُوفِ الْمُوجِدَةِ فِي الْغَيْرِ مَعْنًى قَائِمًا بِذَاتِ الْبَارِي ، قَالُوا : وَنَحْنُ - يَعْنِي مَعَاشِرَ
الْأَشَاعِرَةِ - نُثْبِتُهُ ، فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى مَعْنًى قَائِمٌ بِذَاتِ الْبَارِي تَعَالَى ، مُعَبَّرٌ عَنْهُ بِالْعِبَارَاتِ وَالْأَلْفَاظِ ، وَهُوَ الطَّلَبُ الَّذِي يَجِدُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُ عِنْدَ الْأَمْرِ بِالشَّيْءِ قَبْلَ التَّلَفُّظِ بِصِيغَةِ أَفْعَلَ . قَالُوا فَهُوَ يُغَايِرُ الْعِبَارَاتِ وَالْعِلْمَ وَالْإِرَادَةَ ، أَمَّا الْعِبَارَاتُ فَلِأَنَّهَا تَخْتَلِفُ بِحَسَبِ الْأَزْمِنَةِ
[ ص: 165 ] وَالْأَقْوَامِ دُونَ الْمَعْنَى الْقَائِمِ بِذَاتِهِ تَعَالَى ، وَأَمَّا الْعِلْمُ فَلِأَنَّهُ تَعَالَى أَمَرَ
أَبَا لَهَبٍ بِالْإِيمَانِ ، وَكَانَ عَالِمًا بِأَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ لِأَنَّ مَعْلُومَهُ تَعَالَى وَاجِبُ الْوُقُوعِ ، فَلَوْ كَانَ إِيمَانُ
أَبِي لَهَبٍ وَاقِعًا فِي عِلْمِهِ تَعَالَى لَوَقَعَ ، وَلَمْ يَقَعْ ، وَأَمَّا الْإِرَادَةُ فَلِأَنَّهُ تَعَالَى أَمَرَهُ بِهِ وَلَمْ يُرِدْهُ وَلِذَلِكَ لَمْ يَقَعُ ، قَالُوا : فَمَا قَالَتِ
الْمُعْتَزِلَةُ عَلَى حُدُوثِ الْكَلَامِ لَا يَنْفِي قَوْلَنَا بِقَدَمِهِ ، لِأَنَّ مَا قَالُوا فِي حُدُوثِهِ وَجْهَانِ مَعْقُولٌ وَمَنْقُولٌ فَالْمَعْقُولُ :
أَنَّهُ لَوْ كَانَ قَدِيمًا يَلْزَمُ تَحَقُّقَ الْأَمْرِ بِلَا مَأْمُورٍ ، وَهُوَ سَفَهٌ وَعَبَثٌ ، وَهَذَا إِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى حُدُوثِ لَفْظِهِ ، لَا عَلَى حُدُوثِ الْمَعْنَى الْقَائِمِ بِذَاتِهِ ، لِأَنَّ مَعْنَى أَمْرِهِ فِي الْأَزَلِ أَنَّهُ تَعَالَى يَطْلُبُ فِي الْأَزَلِ الْمَأْمُورَ بِهِ مِنَ الْمَأْمُورِينَ عِنْدَ وُجُودِهِمْ فِي اللَّايَزَالِ ، كَطَلَبِ الْوَالِدِ التَّعَلُّمَ مِنْ وَلَدٍ سَيُوجَدُ ، وَلَا سَفَهَ فِي ذَلِكَ وَلَا عَبَثَ ، قَالُوا : وَالْمَنْقُولُ أَنَّ الْقُرْآنَ ذِكْرٌ ، وَالذِّكْرُ مُحْدَثٌ ، وَنَقَلُوا مِنْ جِنْسِ هَذَا الْكَلَامِ ضُرُوبًا .