ولد سنة ثمان وتسعين ومائة وسمع ، أبا نعيم الفضل بن دكين ، وعفان بن مسلم وعبد الله بن صالح العجلي وإمامنا في آخرين ونقل عن إمامنا مسائل سمعناها ونحن نسوق ما تيسر منها. أحمد
روى عنه ، أبو بكر بن أبي داود وأبو بكر بن الأنباري ، ، وأبو بكر النجاد وأبو عمر الزاهد في آخرين وكان إماما في العلم رأسا في الزهد عارفا بالفقه بصيرا بالأحكام حافظا للحديث. وصنف كتبا كثيرة منها غريب الحديث ودلائل النبوة وكتاب الحمام وسجود القرآن وذم الغيبة والنهي عن الكذب والمناسك وغير ذلك.
قال إبراهيم يعجز النساء أن يلدن مثله ورأيت أحمد بن حنبل من قرنه إلى قدمه مملوءا عقلا ورأيت بشر بن الحارث كأنه جبل نفخ فيه علم. أبا عبيد رأيت رجالات الدنيا فلم أر مثل ثلاثة رأيت
ما شكوت إلى أمي ولا إلى أختي ولا إلى امرأتي [ ص: 87 ] ولا إلى بناتي حمى قط وجدتها. الرجل هو الذي يدخل غمه على نفسه ولا يغم عياله إبراهيم الحربي وكان بي شقيقة خمسا وأربعين سنة ما أخبرت بها أحدا قط ولي عشرون سنة أبصر بفرد عين ما أخبرت بها أحدا قط وأفنيت من عمري ثلاثين سنة برغيفين إن جاءتني بهما أمي أو أختي أكلت وإلا بقيت جائعا عطشانا إلى الليلة الثانية وأفنيت ثلاثين سنة من عمري برغيف في اليوم والليلة إن جاءتني به امرأتي أو إحدى بناتي أكلته وإلا بقيت جائعا عطشانا إلى الليلة الأخرى والآن آكل نصف رغيف وأربع عشرة تمرة إن كان برنيا أو نيفا وعشرين إن كان دقلا ومرضت ابنتي فمضت امرأتي فأقامت عندها شهرا فقام إفطاري في هذا الشهر بدرهم ودانقين ونصف. ودخلت الحمام واشتريت لهم صابونا بدانقين فقامت نفقة شهر رمضان كله بدرهم وأربعة دوانيق ونصف. وقال
وأخبرنا علي البندار عن ابن بطة قال: سمعت أبا بكر بن أيوب العكبري يقول سمعت يقول ما تزوجت ولا زوجت قط ولا أكلت من شيء واحد في يوم مرتين. إبراهيم الحربي
وأنبأنا أبو بكر المقرئ عن قال: قال ابن سمعون أحمد بن سليمان القطيعي أضقت إضاقة فمضيت إلى لأبثه ما أنا فيه فقال لي: لا يضيق صدرك فإن الله من وراء المعونة وإني أضقت مرة حتى انتهى أمري في الإضاقة إلى أن عدم عيالي قوتهم فقالت لي الزوجة هب أني أنا وإياك نصبر فكيف نصنع بهاتين الصبيتين فهات شيئا من كتبك حتى نبيعه أو نرهنه فضننت بذلك وقلت: اقترضي لهما شيئا وأنظريني بقية اليوم والليلة وكان لي بيت في دهليز داري فيه كتبي فكنت أجلس فيه للنسخ وللنظر فلما كان في تلك الليلة إذا داق يدق الباب فقلت: من هذا؟ فقال: رجل من الجيران فقلت: ادخل فقال: أطفئ السراج حتى أدخل فكببت على السراج شيئا وقلت: ادخل فدخل وترك إلى جانبي شيئا وانصرف فكشفت عن السراج [ ص: 88 ] ونظرت فإذا منديل له قيمة وفيه أنواع من الطعام وكاغد فيه خمسمائة درهم فدعوت الزوجة وقلت: أنبهي الصبيان حتى يأكلوا ولما كان من الغد قضينا دينا كان علينا من تلك الدراهم وكان وقت مجيء الحاج من خراسان فجلست على بابي من غد تلك الليلة فإذا جمال يقود جملين عليهما حملان ورقا وهو يسأل عن منزل الحربي فانتهى إلي فقلت: أنا إبراهيم الحربي إبراهيم فحط الحملين وقال هذان الحملان أنفذهما لك رجل من خراسان فقلت: من هو؟ فقال: قد استحلفني أن لا أقول من هو.
وقال أبو عثمان الرازي جاء رجل من أصحاب المعتضد إلى بعشرة آلاف درهم من عند إبراهيم الحربي المعتضد يسأله عن أمير المؤمنين أن يفرق ذلك فرده فانصرف الرسول ثم عاد فقال: إن أمير المؤمنين يسألك أن تفرقه في جيرانك فقال: عافاك الله هذا مال لم نشغل أنفسنا بجمعه فلا نشغلها بتفرقته قل لأمير المؤمنين إن تركتنا وإلا تحولنا من جوارك.
وقال أبو القاسم بن الختلي اعتل علة أشرف فيها على الموت فدخلت عليه يوما فقال: لي يا أبا القاسم أنا في أمر عظيم مع ابنتي ثم قال لها: قومي اخرجي إلى عمك فخرجت فألقت على وجهها خمارها فقال لها إبراهيم: هذا عمك كلميه فقالت لي: نحن في أمر عظيم لا في الدنيا ولا في الآخرة، الشهر والدهر مالنا طعام إلا كسرا يابسة وملحا وربما عدمنا الملح وبالأمس قد وجه إليه المعتضد مع بدر ألف دينار فلم يأخذها ووجه إليه فلان وفلان فلم يأخذ منهما شيئا وهو عليل فالتفت إبراهيم الحربي الحربي إليها وتبسم وقال يا بنية إنما خفت الفقر؟ قالت نعم قال: لها انظري إلى تلك الزاوية فنظرت فإذا كتب فقال: هناك اثنا عشر ألف جزء لغة وغريب كتبته بخطي إذا مت فوجهي في كل يوم بجزء تبيعينه بدرهم فمن كان عنده اثنا عشر ألف درهم ليس هو فقير.
وأنبأنا الحسن بن علي الجوهري حدثنا محمد بن العباس الخزاز قال: سمعت [ ص: 89 ] أبا عمر محمد بن عبد الواحد اللغوي يقول سمعت ثعلبا يقول ما فقدت من مجلس نحو أو لغة خمسين سنة. إبراهيم الحربي
وقال ما أخذت على علم قط أجرا ولا مرة واحدة فإني وقفت على باب بقال فوزنت له قيراطا إلا فلسا فسألني عن مسألة فأجبته فقال للغلام: أعطه بقيراط ولا تنقصه شيئا فزاداني فلسا. إبراهيم الحربي
وقال كان أبي يقول: امض إلى عبد الله بن أحمد بن حنبل حتى يلقي عليك الفرائض. إبراهيم الحربي
ولما مات سعيد بن أحمد بن حنبل جاء إلى إبراهيم الحربي فقام إليه عبد الله فقال: تقوم إلي؟ فقال عبد الله: لم لا أقوم؟ والله لو رآك أبي لقام إليك فقال: الحربي والله لو رأى أحمد بن حنبل أباك لقام إليه. ابن عيينة
وقال القاضي: لا نعلم أن محمد بن صالح بغداد أخرجت مثل في الأدب والحديث والفقه والزهد. إبراهيم الحربي
وقال لجماعة عنده: من تعدون الغريب في زمانكم هذا فقال واحد منهم: الغريب من نأى عن وطنه، وقال آخر: الغريب من فارق أحبابه، وقال كل واحد منهم شيئا، فقال إبراهيم الحربي إبراهيم: الغريب في زماننا رجل صالح عاش بين قوم صالحين إن أمر بالمعروف آزروه وإن نهى عن المنكر أعانوه وإن احتاج إلى سبب من الدنيا مانوه ثم ماتوا وتركوه.
وقال محمد بن خلف وكيع: كان لإبراهيم الحربي ابن وكان له إحدى عشرة سنة قد حفظ القرآن ولقنه من الفقه شيئا كثيرا قال: فمات فجئت أعزيه قال: فقال لي: كنت أشتهي موت ابني هذا قال: قلت: يا أبا إسحاق أنت عالم الدنيا تقول مثل هذا في صبي قد أنجب ولقنته الحديث والفقه؟ قال: نعم رأيت في النوم كأن القيامة قد قامت وكأن صبيانا بأيديهم قلال فيها ماء يستقبلون الناس يسقونهم وكأن اليوم يوم حار شديد حره فقلت: لأحدهم اسقني من [ ص: 90 ] هذا الماء قال: فنظر إلي وقال لست أبي فقلت: إيش أنتم؟ فقال: نحن الصبيان الذين متنا في دار الدنيا فخلفنا آباءنا نستقبلهم فنسقيهم الماء قال: فلهذا تمنيت موته.
وقال محمد بن عبد الله الكاتب كنت يوما عند محمد بن يزيد المبرد فأنشد:
جسمي معي غير أن الروح عندكم فالجسم في غربة والروح في وطن فليعجب الناس مني أن لي بدنا
لا روح فيه ولي روح بلا بدن
فارقتكم وحييت بعدكم ما هكذا كان الذي يجب
فالآن ألقى الناس معتذرا من أن أعيش وأنتم غيب
روحان لي: روح تضمنها جسد وأخرى حازها بلد
وأظن شاهدتي كغائبتي بمكانها تجد الذي أجد
غابوا فصار الجسم من بعدهم ما تنظر العين له فيا
بأي وجه أتلقاهم إذا رأوني بعدهم حيا
يا خجلتي منهم ومن قولهم ما ضرك الفقد لنا شيئا
يا حيائي ممن أحب إذا ما قال بعد الفراق: إني حييت
لو صدقت الهوى على الصحة لما نأى لكنت تموت
وقال ما أنشدت بيتا من الشعر إلا قرأت بعده " إبراهيم الحربي قل هو الله أحد " ثلاث مرات وقال عيسى بن محمد الطوماري دخلت على وهو مريض وقد كان يحمل ماؤه إلى الطبيب وكان يجيء إليه ويعالجه فجاءت الجارية وردت الماء وقالت مات الطبيب فبكى ثم أنشأ يقول: إبراهيم الحربي
إذا مات المعالج من سقام فيوشك للمعالج أن يموت
دب في البلاء سفلا وعلوا وأراني أذوب عضوا فعضوا
بليت جدتي بطاعة نفسي فتذكرت طاعة الله نضوا
وحدث عبيد الله بن أبي الفتح عن قال: الدارقطني أبو إسحاق الحربي إمام مصنف عالم بكل شيء بارع في كل علم صدوق مات ببغداد سنة خمس وثمانين ومائتين.
وقال إسماعيل الخطمي مات أبو إسحاق إبراهيم بن إسحاق الحربي يوم الاثنين لتسع بقين من ذي الحجة ودفن يوم الثلاثاء لثمان بقين من ذي الحجة سنة خمس وثمان ومائتين وصلى عليه في شارع يوسف بن يعقوب القاضي باب الأنبار وكان الجمع كثيرا جدا وكان يوما في عقب مطر ووحل ودفن في بيته رحمه الله.