الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
باب ذكر من اسمه إسماعيل

108 - إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم أبو بشر الأسدي مولاهم ويعرف بابن علية

من أهل البصرة وأصله كوفي سمع من أبي التياح الضبعي حديثا واحدا وروى الكثير عن عبد العزيز بن صهيب ، وأيوب السختياني ، وابن عون ، وسليمان التيمي ، وداود بن أبي هند ، وحميد الطويل وذكره أبو محمد الخلال فيمن روى عن أحمد.

قلت أنا: وقد سمع منه إمامنا أحمد ، وابن جريج ، وشعبة ، وحماد بن زيد ، وعبد الرحمن بن مهدي ، ويحيى بن معين ، وعلي بن المديني وغيرهم.

وولي ابن علية المظالم ببغداد في أيام هارون الرشيد وحدث بها إلى أن توفي وولي صدقات البصرة.

مولده سنة عشر ومائة وكان يقول: من قال ابن علية فقد اغتابني وقيل إن علية أمه وقيل جدته أم أمه.

وقال زياد بن أيوب ما رأيت لابن علية كتابا قط وكان يقال ابن علية يعد الحروف وقال عبد الرحمن بن مهدي ابن علية أثبت من هشيم.

وقال إمامنا أحمد كان حماد بن زيد لا يعبأ إذا خالفه الثقفي ووهيب وكان يهاب أو يتهيب إسماعيل بن علية إذا خالفه.

وقال يحيى بن معين ابن علية كان ثقة مأمونا صدوقا مسلما ورعا تقيا.  

وقال عبد الله بن أحمد سمعت أبي يقول فاتني مالك فأخلف الله علي سفيان بن عيينة وفاتني حماد بن زيد فأخلف الله علي إسماعيل بن علية. [ ص: 100 ]

وقيل إنه لم يضحك منذ عشرين سنة.

وقال علي بن المديني: بت عند إسماعيل بن علية ليلة وكان يقرأ ثلث القرآن وما رأيته ضحك قط  وكان عبد الله بن المبارك يتجر في البز ويقول لولا خمسة ما تجرت سفيان الثوري ، وسفيان بن عيينة ، والفضيل بن عياض ، ومحمد بن السماك ، وابن علية وكان يخرج يتجر إلى خراسان فكلما ربح من شيء أخذ القوت للعيال ونفقة الحج والباقي يصل به إخوانه الخمسة فقدم سنة فقيل له قد ولي ابن علية القضاء فلم يأته ولم يصله بالصرة التي كان يصله بها في كل سنة فبلغ ابن علية أن ابن المبارك قد قدم فركب إليه وتنكس على رأسه فلم يرفع به عبد الله بن المبارك رأسا ولم يكلمه فانصرف فلما كان من غد كتب إليه رقعة بسم الله الرحمن الرحيم أسعدك الله بطاعته وتولاك بحفظه وحاطك بحياطته قد كنت منتظرا لبركة صلتك أتبرك بها وجئتك أمس فلم تكلمني ورأيتك واجدا علي فأي شيء رأيت مني حتى أعتذر إليك منه.

فلما وردت الرقعة على عبد الله بن المبارك دعا بالدواة والقرطاس وقال يأبى هذا الرجل إلا أن نقشر له العصا ثم كتب إليه: بسم الله الرحمن الرحيم

يا جاعل الدين له بازيا يصطاد أموال المساكين     احتلت للدنيا ولذاتها
بحيلة تذهب بالدين     فصرت مجنونا بها بعدما
كنت دواء للمجانين     أين رواياتك في سردها
عن ابن عون وابن سيرين؟     أين رواياتك في سردها
لترك أبواب السلاطين؟     إن قلت: أكرهت فذا باطل
زل حمار العلم في الطين

فلما وقف ابن علية على هذه الأبيات قام من مجلس القضاء فوطئ بساط هارون وقال: يا أمير المؤمنين الله الله ارحم شيبتي فإني لا أصبر للخطإ. [ ص: 101 ]

فقال له هارون: لعل هذا المجنون أغرى بقلبك فقال الله الله أنقذني أنقذك الله فأعفاه من القضاء فلما اتصل بعبد الله بن المبارك ذلك وجه إليه بالصرة.

وقيل لما ولي ابن علية صدقات البصرة كتب عبد الله بن المبارك إليه هذه الأبيات فجعل ابن علية يقرأها ويبكي.

وقال حماد بن سلمة ما كنا نشبه شمائل ابن علية  إلا بشمائل يونس بن عبيد حتى دخل فيما دخل فيه وقال عفان مرة أخرى: حتى أحدث.

قال عفان وكان ابن علية وهو شاب من العباد بالبصرة.

وقال إبراهيم الحربي وسأله أبو يعقوب فقال: دخل ابن علية على محمد بن هارون فقال له: يا ابن كذا وكذا - أي شتمه - إيش قلت: فقال: أنا تائب إلى الله لم أعلم أخطأت فقال: إنما كان حدث بهذا الحديث تجيء البقرة وآل عمران يوم القيامة كأنهما غمامتان أو غيايتان أو فرقتان من طير صواف يحاجان عن صاحبهما قال: فقيل لابن علية ألهما لسان؟ قال: نعم فكيف تكلم؟ فقيل إنه يقول: القرآن مخلوق وإنما غلط.

وقال الفضل بن زياد سألت أبا عبد الله أحمد بن حنبل عن وهيب ، وإسماعيل بن إبراهيم بن علية قلت: أيهما أحب إليك إذا اختلفا فقال: وهيب، كان عبد الرحمن بن مهدي يختار وهيبا على إسماعيل قلت: في حفظه؟ قال: في كل شيء ما زال إسماعيل وضيعا من الكلام الذي تكلم به إلى أن مات. قلت: أليس قد رجع وتاب على رؤوس الناس؟ فقال: بلى ولكن ما زال مبغضا لأهل الحديث بعد كلامه ذاك إلى أن مات. ولقد بلغني أنه أدخل على محمد بن هارون ثم قال لي: تعرف محمد بن هارون؟ قلت: نعم أعرفه قال: فلما رآه زحف إليه وجعل محمد يقول له: يا ابن عم تتكلم في القرآن؟ قال: وجعل إسماعيل يقول: جعله الله فداه زلة من عالم جعله الله فداه زلة من عالم ردده أبو عبد الله غير مرة وفخم كلامه كأنه يحكي إسماعيل ثم قال لي أبو عبد الله: لعل الله أن [ ص: 102 ] يغفر له بها يعني لمحمد بن هارون ثم ردد الكلام وقال لعل الله أن يغفر له لإنكاره على إسماعيل ثم قال بعد: هو ثبت يعني إسماعيل قلت: يا أبا عبد الله إن عبد الوهاب قال: لا يحب قلبي إسماعيل أبدا لقد رأيته في المنام كأن وجهه أسود فقال أبو عبد الله: عافى الله عبد الوهاب ثم قال: كان معنا رجل من الأنصار يختلف فأدخلني على إسماعيل فلما رآني غضب وقال من أدخل هذا علي؟ فلم يزل مبغضا لأهل الحديث بعد ذاك الكلام لقد لزمته عشر سنين إلا أن أغيب ثم جعل يحرك لسانه كأنه يتلهف ثم قال: وكان لا ينصف في الحديث قلت: كيف كان لا ينصف؟ قال: كان يحدث بالشفاعات ما أحسن الإنصاف في كل شيء.

قلت أنا: وقد روي عن ابن علية في القرآن قول أهل الحق.

أنبأنا الحسن بن علي الجرهري أخبرنا محمد بن المظفر الحافظ حدثنا أحمد بن الحسن بن عبد الجبار حدثنا عبد الصمد بن يزيد مردويه قال: سمعت إسماعيل بن علية يقول: القرآن كلام الله غير مخلوق.  

وأنبأنا محمد بن الأبنوسي عن الدارقطني حدثنا محمد بن مخلد حدثنا المروذي حدثني أبو بكر بن أبي عون ، ومحمد بن هشام قالا رأينا إسماعيل بن علية إذا أقيمت الصلاة قال: ههنا أحمد بن حنبل قولوا له: يتقدم.

ومات في ذي القعدة سنة ثلاث وتسعين ومائة ودفن ببغداد.

التالي السابق


الخدمات العلمية