الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
138 - ذكر مصعب بن عمير رضي الله عنه

مهاجري، أولي، روي عن عبيد بن عمير ، قال: لما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد مر على مصعب بن عمير مقتولا على طريقه، فقرأ: من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه   .

قال أهل التاريخ: بايع الأنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعة العقبة، وواعدوه الموسم من العام القابل، وسألوه أن يبعث إليهم رجلا يدعو الناس إلى كتاب الله، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم مصعب بن عمير ، فلم يزل يهدي الله على يديه حتى قل دار من دور الأنصار إلا أسلم فيها ناس، وأسلم أشرافهم، وكسرت أصنامهم، وجمع الجمعة بالمسلمين [ ص: 658 ] بالمدينة قبل أن يقدمها رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يسمى المقرئ.  

قال أهل التاريخ: مصعب بن عمير من بني عبد الدار بن قصي.

قال البراء: وكان أول من قدم علينا من المهاجرين مصعب بن عمير ، فقلنا له: ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: هو مكانه وأصحابه على أثري، ثم أتانا بعده عمرو بن أم مكتوم الأعمى ، ثم أتانا بعده عمار بن ياسر ، وسعد بن أبي وقاص ، وعبد الله بن مسعود ، وبلال ، ثم أتانا بعدهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه، في عشرين راكبا، ثم أتانا بعدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر معه.

وقال خباب: هاجرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نبتغي وجه الله تعالى، فوجب أجرنا على الله تعالى، فمنا من قتل ولم يأكل من أجره شيئا، منهم مصعب بن عمير ، قتل يوم أحد، ولم يترك إلا نمرة، إذا غطينا رأسه بدت رجلاه وإذا غطينا رجليه بدا رأسه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "غطوا رأسه، واجعلوا على رجليه من الإذخر، ومنا من أينعت ثمرته، فهو يهدبها" .

يعني يجتنيها [ ص: 659 ] وروي أن عبد الرحمن بن عوف كان صائما، فأتي بطعام، فجعل يبكي، وقال: قتل حمزة ، فلم يوجد ما يكفن فيه إلا ثوبا واحدا، وقتل مصعب بن عمير ، فلم يوجد ما يكفن به إلا ثوبا واحدا، ولقد خشيت أن تكون عجلت لنا طيباتنا في حياتنا الدنيا وجعل يبكي.

وقال سعد بن أبي وقاص: كان مصعب بن عمير أترف غلام بمكة بين أبويه، فلما أصابه ما أصابنا لم يقو على ذلك، ولقد رأيته وإن جلده ليتطاير عنه تطاير جلد الحية، ولقد رأيته يتقطع به، فما يستطيع أن يمشي، فنعرض له القسي، ثم نحمله على عواتقنا.

وفي رواية علي رضي الله عنه: طلع علينا مصعب بن عمير في بردة له مرقوعة بفروة، وكان أنعم غلام بمكة وأرفه عيشا، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر ما كان فيه من النعيم فذرفت عيناه وبكى   [ ص: 660 ] .

التالي السابق


الخدمات العلمية