الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
234 - ذكر عبد الله بن ثوب أبي مسلم الخولاني رضي الله عنه

من تابعي أهل الشام.

قال علقمة بن مرثد: كان لا يجالس أحدا قط يتكلم في شيء من أمر الدنيا إلا تحول عنه.

وقال له قائل حين كبر ورق لو قصرت عن بعض ما تصنع، فقال: رأيتم لو أرسلتم الخيل في الحلبة ألستم تقولون لفارسها [ ص: 873 ] :

ودعها وارفق بها حتى إذا رأيت الغاية فلا تستبق منها شيئا؟ قالوا: بلى، قال: فإني أبصرت الغاية، وإن لكل ساع غايته، وغاية كل ساع الموت فسابق ومسبوق.  

وقال أبو مسلم: كان للناس ورقا لا شوك فيه، وإنهم اليوم شوك لا ورق فيه، إن ساببتهم سابوك، وإن ناقدتهم ناقدوك، وإن تركتهم لم يتركوك، وإن تفررت منهم يدركوك، قال له جبير بن نفير: فما أصنع؟ قال: هب عرضك ليوم فقرك، وخذ شيئا من لا شيء.  

أخبرنا أحمد بن علي المقرئ ، أخبرنا هبة الله بن الحسن الحافظ ، أخبرنا أحمد بن عبيد ، أخبرنا محمد بن الحسين ، حدثنا أحمد بن زهير ، حدثنا عبد الوهاب بن نجدة ، حدثنا إسماعيل بن عياش ، حدثنا شرحبيل بن مسلم ، "أن الأسود بن قيس بن ذي الخمار ، تنبأ باليمن، فبعث إلى أبي مسلم فلما جاءه قال: أتشهد أني رسول الله؟ قال: ما أسمع. قال: أتشهد أن محمدا رسول الله؟ قال: نعم.

قال: أتشهد أني رسول الله؟ قال: ما أسمع. قال: أتشهد أن محمدا رسول الله، قال: نعم، فردد ذلك عليه فأمر بنار عظيمة فأججت ثم ألقي فيها أبو مسلم فلم تضره، فقيل له: انفه عنك، وإلا أفسد عليك من تبعك، قال: فأمره بالرحيل فأتى أبو مسلم المدينة وقد قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم واستخلف أبو بكر ، رضي الله عنه، [ ص: 874 ] فأناخ أبو مسلم راحلته بباب المسجد، ثم دخل المسجد فقام يصلي إلى سارية فبصر به عمر بن الخطاب فقام إليه فقال: ممن الرجل؟ قال: من أهل اليمن.

قال: ما فعل الذي حرقه الكذاب بالنار؟ قال: ذاك عبد الله بن ثوءب ، قال: نشدتك الله، أنت هو؟ قال: اللهم نعم، فاعتنقه، ثم بكى، ثم ذهب به حتى أجلسه فيما بينه وبين أبي بكر ، فقال: الحمد لله الذي لم يمتني حتى أراني في أمة محمد من فعل به كما فعل بإبراهيم خليل الرحمن " قال ابن عباس: فأنا أدركت رجالا من الأمداد الذين يمدون من اليمن من خولان يقولون للأمداد من عنس: صاحبكم الكذاب حرق صاحبنا بالنار فلم تضره.

قال: وأخبرنا محمد بن الحسين ، حدثنا أحمد بن هارون ، حدثنا ضمرة ، قال السري بن يحيى: قال "قالت جارية أبي مسلم الخولاني: قد صنعت لك السم في طعامك فلم يضرك قال: ولم فعلت؟ قالت: أردت أن أتعجل العتق، قال: اذهبي فأنت حرة ".

ح قال: وأخبرنا ابن الحسين ، حدثنا أحمد الحوصي ، حدثنا أشعث بن شعبة ، عن السري ، عن يحيى عن سليمان: "أن جارية كانت لأبي مسلم ، فقالت: يا أبا مسلم ، ما زلت أجعل السم في طعامك كذا وكذا فما أراه ضرك، قال: ولم جعلت ذلك؟ قالت: لأني جارية شابة إلى جانبك، [ ص: 875 ] فلا أنت تدنيني من فراشك، ولا أنت تبيعني، قال: إني كنت أقول إذا أردت أن آكل: بسم الله خير الأسماء الذي لا يضر مع اسمه داء، رب الأرض والسماء".  

أخبرنا سليمان ، في كتابه، أخبرنا علي بن ماشاذة ، في كتابه، حدثنا أبو أحمد ، حدثنا أحمد بن الحسن بن عبد الملك ، حدثنا أيوب بن محمد الوزان ، حدثنا عبد الرحمن ، عن السري ، قال "قالت جارية أبي مسلم الخولاني ، لأبي مسلم: قد سقيتك السم وما أراه يضرك، قال: ولم؟ قالت: أردت أن أعجل أجلك، قال: فترة، ثم قال أبو مسلم: إني كنت أقول إذا أكلت وإذا شربت: بسم الله خير الأسماء، بسم الله الذي لا يضر مع اسمه داء، بسم الله رب الأرض والسماء قال: وأخبرنا هبة الله ، أخبرنا علي بن محمد ، أخبرنا الحسين بن عبد الله بن محمد ، حدثنا عبد الرحمن بن واقد ، حدثنا عاصم ، حدثنا عثمان بن عطاء ، قال "كان أبو مسلم الخولاني إذا دخل منزله سلم، فإذا بلغ وسط الدار كبر، وكبرت امرأته، فإذا بلغ البيت كبر، وكبرت امرأته، فيدخل فتنزع رداءه، وحذاءه، وتأتيه بطعام فيأكل، فجاء ذات ليلة فكبر، فلم تجبه، ثم أتى باب البيت فسلم وكبر، فلم تجبه، وإذا بالبيت ليس فيه سراج، وإذا هي جالسة بيدها عود تنكث به في الأرض فقال لها: مالك؟ قالت: الناس بخير وأنت أبو مسلم ، تعني لا شيء لك، لو أنك أتيت معاوية [ ص: 876 ] فيأمر لنا بخادم ويعطيك شيئا تعيش به، فقال: اللهم من أفسد علي أهلي فأعم بصره،  وكانت أتتها امرأة وقالت: أنت امرأة أبي مسلم ، فلو كان زوجك كلم معاوية ليخدمكم ويعطيكم، قال: فبينما هذه المرأة في منزلها والسراج يزهر إذ أنكرت بصرها، فقالت: سراجكم طفئ؟ قالوا: لا، قالت: إنا لله ذهب بصري، فأقبلت كما هي إلى أبي مسلم فلم تزل تناشده الله وتطلب إليه، قال: فدعا الله فرد عليها بصرها، ورجعت امرأته إلى حالتها التي كانت عليها ".

وفي رواية: "إن امرأة خبثت عليه امرأته، فدعا عليها فذهب بصرها فأتته فقالت: يا أبا مسلم إني قد كنت فعلت وفعلت وإني لا أعود لمثلها فقال: اللهم إن كانت صادقة فاردد عليها بصرها، قال: فأبصرت".

قال: وأخبرنا هبة الله ، أخبرنا أحمد بن عبيد ، أخبرنا محمد بن الحسين ، حدثنا أحمد بن زهير ، حدثنا الحوصي ، حدثنا أشعث بن شعبة ، أخبرنا ابن عمي، أو قال: عمي أخو أبي، قال "كنا في جيش وفيهم أبو مسلم الخولاني فانتهينا إلى نهر عجاج، فسألنا أهل القرية أين المخاضة؟ فقالوا والله ما كان هاهنا مخاضة قط، وإن المخاضة أسفل منكم بميلين، فقال أبو مسلم: اللهم أنت الذي أجزت بني إسرائيل في البحر، وإنا [ ص: 877 ] عبيدك، وفي سبيلك فأجزنا اليوم في هذا النهر،  ثم قال: اعبروا باسم الله، فقال ابن عمي: وأنا على فرس فاره، فقلت: لأكونن أول من يقحم فرسه على أثر أبي مسلم ، قال: فخضت خلفه فلم يبلغ الماء بطون الخيل حتى عبرنا، ثم وقف فقال: أيها الناس: هل سقط من أحد منكم شيء كيما أدعو الله أن يرده؟ فلم يفقدوا شيئا ".

وفي رواية محمد بن زيد الألهاني ، قال: كان إذا غزا أبو مسلم الروم فمروا بنهر قال: أجيزوا بسم الله، فإذا جازوا قال: هل ذهب منكم شيء فأنا له ضامن فألقى بعضهم مخلاته عمدا فلما جاوزا قال الرجل: مخلاتي وقعت في النهر فقال له: اتبعني فإذا المخلاة قد تعلقت ببعض أعواد النهر فقال له: خذها.

قال: وأخبرنا هبة الله ، أخبرنا أحمد بن عبيد ، أخبرنا محمد بن الحسين ، حدثنا أحمد بن زهير ، حدثنا هارون، هو ابن معروف ، حدثنا ضمرة ، عن عثمان بن عطاء ، عن أبيه، قال "أخذ أبو مسلم الخولاني درهما يشتري لأهله دقيقا، وأخذ معه مزودا، فألح عليه سائل، كلما وقف على مكان يريد أن يشتري قال له السائل: تصدق علي، قال: فيتحول من ذلك الموضع إلى موضع آخر فيتبعه، يقول: تصدق علي، فيفر منه إلى موضع آخر فيلحقه، فلما أكثر عليه أعطاه الدرهم، ثم جاء إلى موضع النجارين [ ص: 878 ] فملأ مزوده من نشارة الخشب، ثم ربطه فأتى به البيت، فأدخله سرا من أهله، ثم خرج فعمدت امرأته إلى المزود ففتحته فإذا فيه دقيق حوارى فعجنت وخبزت، فلما ارتفع النهار جاء أبو مسلم وهو خائف من امرأته، فأتته بالمائدة وأتت بطعام فأكل فلما فرغ، قال لها: من أين لكم هذا؟ قالت: هذا من الذي جئت به ".

التالي السابق


الخدمات العلمية