الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
باب العين

220 - ذكر عامر بن عبد الله بن عبد قيس رضي الله عنه

قال علقمة بن مرثد: انتهى الزهد إلى ثمانية:  عامر بن عبد الله ، وأويس القرني ، وهرم بن حيان ، والربيع بن خثيم ، ومسروق بن الأجدع ، والأسود بن يزيد ، وأبي مسلم الخولاني ، والحسن بن أبي الحسن البصري ، رحمة الله عليه، فأما عامر بن عبد الله ، فكان يقول: في الدنيا الغموم والأحزان، وفي الآخرة النار والحساب، فأين الراحة والفرج؟  إلهي خلقتني ولم تؤامرني في خلقي، وأسكنتني بلاء الدنيا، ثم قلت لي: استمسك فكيف أستمسك إن لم تمسكني، إلهي إنك لتعلم أن لو كانت لي الدنيا بحذافيرها ثم سألتنيها لجعلتها لك، فهب لي نفسي [ ص: 835 ] .

وكان يقول: لذات الدنيا أربع: المال، والنساء، والنوم، والطعام، فأما المال والنساء فلا حاجة لي فيهما، والطعام فلابد وأما النوم لي منهما، والله لأضرن بهما جهدي.

وقد كان يبيت قائما ويظل صائما، وكان إبليس يلتوي في موضع سجوده كهيئة الحية، فإذا ما وجد ريحه نحاه بيده ثم يقول: لولا نتنك لم أزل عليك ساجدا، قال: ورأيته وهو يصلي فيدخل تحت قميصه ويخرج من كمه فلا يحيد فقيل له: لا تنح الحية؟ فيقول: والله إني لأستحي من الله أن أخاف شيئا غيره، والله ما أعلم بها حين تدخل ولا حين تخرج، فقيل له: إن الجنة تدرك بدون ما تصنع، وإن النار تتقى بدون ما تصنع، فيقول لا أنفك حتى لا ألوم نفسي.

قال: ومرض فبكى، فقيل له: ما يبكيك وقد كنت وكنت؟ فقال: ومن أحق بالبكاء مني وسفري بعيد، وزادي قليل، وأمسيت في صعود وهبوط من جنة أو نار فلا أدري إلى أيهما أصير.

وروي أنه كان فرض على نفسه كل يوم ألف ركعة، يقوم عند طلوع الشمس فلا يزال قائما إلى العصر، ثم ينصرف وقد انتفخت ساقاه وقدماه، فيقول: يا نفس، يا أمارة بالسوء، إنما خلقت للعبادة.  

وكان حممة، وهو عبد حبشي ، عارضه يوما وكان يصلي في اليوم والليلة [ ص: 836 ] ثمان مائة ركعة وكان يقول: لولا أن الله تعالى ابتلانا بالبطن، فإذا أكلنا لابد لنا من الحدث ما رآني ربي إلا راكعا وساجدا.

وقال ميمون بن مهران: بعث إليه أمير البصرة، فقال: إن معاوية أمير المؤمنين أمرني أن أحسن أدبك وأكرمك.

قال: فلان الذي أطال الاختلاف إليك لا تأذن له هو أحوج إلى ذلك مني، قال: وأمرني أن تخطب من شئت فأمهر عنك من بيت المال، قال: أنا في الخطبة دائب، قال: إلى من؟ قال: إلى من يقبل مني الفلقة، والتمرة.

وقال قتادة: سأل عامر ربه أن يهون عليه الطهور في الشتاء، فكان يؤتى بالماء وله بخار.

وقال مالك بن دينار: مر عامر فإذا قافلة قد احتبست، فقال: ما لكم لا تمرون؟ فقالوا: الأسد حال بيننا وبين الطريق، قال: هذا كلب من الكلاب، فمر به حتى أصاب ثوبه فم الأسد.

وقال مالك بن دينار: رأى رجل في المنام كأن مناديا ينادي: أخبروا الناس أن عامر بن عبد الله يلقى الله يوم يلقاه ووجهه مثل القمر ليلة البدر [ ص: 837 ] .

قال أهل التاريخ: كان عامر بن عبد الله من عباد التابعين بالبصرة، وأخذ الطريقة عن أبي موسى رضي الله عنه.

أخبرنا سليمان ، في كتابه، أخبرنا ابن ماشاذه ، في كتابه، حدثنا أبو أحمد العسال ، حدثنا إسحاق بن إبراهيم ، حدثنا محمد بن سهل بن عسكر ، حدثنا عبد الرازق ، حدثنا معمر ، عن محمد بن واسع ، عن أبي العلاء بن الشخير ، حدثني ابن أخي عامر بن عبد قيس "أن عامر بن قيس ، كان أخذ عطاءه فيجعله تحت درعه فلا يلقى أحدا من المساكين فسأله إلا أعطاه، فإذا دخل إلى أهله رمى به إليهم، فيعدونها فيجدونها سواء كما أعطيها [ ص: 838 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية