الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  لكن تنازعوا في مسألتين : إحداهما : أن العباد هل يعلمون بعقولهم حسن بعض الأفعال [1] ، ويعلمون أن الله متصف بفعله ، ويعلمون قبح بعض الأفعال ، ويعلمون أن الله منزه عنه ؟ [2] على قولين معروفين [3] : أحدهما : أن العقل لا يعلم به حسن فعل ولا قبحه ، أما في حق الله فلأن القبيح منه ممتنع لذاته ، وأما في حق العباد فلأن الحسن والقبح لا يثبت إلا بالشرع . وهذا قول الأشعري وأتباعه ، وكثير من الفقهاء من [ ص: 449 ] أصحاب مالك والشافعي وأحمد . وهؤلاء لا ينازعون في الحسن والقبيح [4] إذا فسر بمعنى الملائم والمنافي أنه قد يعلم بالعقل ، وكذلك لا ينازعون - أو لا ينازع أكثرهم أو كثير منهم - في أنه إذا عني به كون الشيء صفة كمال أو صفة نقص [5] أنه يعلم بالعقل .

                  والقول الثاني : أن العقل [ قد ] يعلم [ به ] حسن كثير [6] من الأفعال وقبحها في حق الله وحق عباده . وهذا مع أنه قول المعتزلة فهو قول الكرامية وغيرهم [ من الطوائف ] [7] ، وهو قول جمهور الحنفية ، وكثير من أصحاب مالك والشافعي [8] وأحمد ، كأبي بكر الأبهري [9] وغيره من أصحاب مالك ، وأبي الحسن التميمي ، وأبي الخطاب [ الكلوذاني ] [10] [ من أصحاب أحمد ] [11] ، وذكر أن هذا [ القول ] قول [12] أكثر أهل العلم ، [ ص: 450 ] وهو قول أبي علي بن أبي هريرة و [ أبي بكر ] القفال [13] وغيرهما من أصحاب الشافعي ، و [ هو قول ] طوائف [14] من أئمة أهل الحديث .

                  وعدوا القول الأول من أقوال أهل البدع ، كما ذكر ذلك أبو نصر السجزي في رسالته المعروفة في السنة ، وذكره صاحبه أبو القاسم سعد بن علي الزنجاني [15] في شرح قصيدته المعروفة في السنة .

                  وفي المسألة قول ثالث اختاره الرازي في آخر مصنفاته ، وهو القول بالتحسين والتقبيح العقليين [16] في أفعال [17] العباد دون أفعال الله تعالى .

                  وقد تنازع أئمة الطوائف في الأعيان قبل ورود السمع ، فقالت الحنفية وكثير من الشافعية والحنبلية : إنها على الإباحة ، مثل ابن سريج [18] ، وأبي إسحاق المروزي [19] ، وأبي الحسن التميمي ، وأبي الخطاب [ ص: 451 ] وقالت طوائف : إنها على الحظر ، كأبي علي بن أبي هريرة ، وابن حامد ، والقاضي أبي يعلى ، وعبد الرحمن الحلواني ، [20] وغيرهم .

                  مع أن أكثر الناس يقولون : إن القولين لا يصحان إلا على قولنا بأن العقل يحسن ويقبح ، وإلا فمن قال : إنه لا يعرف بالعقل حكم امتنع أن يصفها قبل الشرع بحظر أو إباحة [21] كما قال ذلك الأشعري ، وأبو الحسن الجزري ، [22] وأبو بكر الصيرفي [23] و [ أبو الوفاء ] بن عقيل ، [24] وغيرهم .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية